الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شارع النضال وبارك السعدون واسطوانة أمانة العاصمة

حسين رشيد

2015 / 2 / 16
الصحافة والاعلام


السعدون وشارع النضال من خواطرالذكريات إلى وجع الإهمال
حسين رشيد
من بين أزقة يعلو فيها الركام والضجيج والحواجز الكونكريتية، التي تمنع القادم من شارع السعدون إلى شارع النضال بالعبور إلاّ من فرع واحد أو اثنين. لحظة التأمل الأولى لشكل البيوت والأزقة تدعو لاستذكار أناسه الأوائل وتخيل حياتهم آنذاك. أولئك الذين وضعوا أسس العمران والتحضر للأزقة والشوارع الرابطة بين شارعي النضال والسعدون. لم تكن الأزقة تلقائية أو غير مؤثرة، بل كانت تنقل أو تربط بين حياتين مختلفتين وأحداثاً غير متشابهة تحدث في كل شارع منهما، وبشكل خاص شارع النضال شارع العائلة البغدادية والعصاري والأماسي. شارع الحكايا والسجون والمعتقلات. شارع الزائرات اللواتي ينتظرن ساعات لسماع أصوات أبنائهن أو أزواجهن.
أسطوانة العاصمة
الأمر يتكرر مع شارع النضال وباركه الشهير كما تكرر مع بقية الشوارع ومناطق بغداد، فالأمانة قالت وأعلنت أكثر من مرة أن هنالك شركات عالمية ستتولى إعمار وإعادة الروح إلى متنزه بارك السعدون الذي كان في يوم ما إحدى جنائن بغداد وأماكنها الترفيهية المهمة، آخر الوعود التي أطلقتها أمانة بغداد عن إنهاء المرحلة الأولى من إعمار وتطوير البارك، حيث عملت على رفع ماتبقى من ألعاب وتسوية السياج المتبقي وتجريف الأرض والرحيل بعد ذلك. ليبقى الحال على ماهو عليه، كـحال تصريحات أمانة العاصمة التي تعلن وتقول فقط. هذا ما قاله الطالب الجامعي حيدر إبراهيم احد سكنة المنطقة: قبل فترة جاءت آليات أمانة العاصمة وقامت برفع ما تبقى من ألعاب، كان يلهو بها أطفال المنطقة. مضيفا: أن البارك تحول إلى ساحة جرداء من أتربة وأوساخ، لقد جزعنا من هذه "الأسطوانة القديمة".
جنّة بغداد
مهدي القريشي كاتب وإعلامي ذكر أن بغداد لم تكن -على مدى تاريخها- سوى مدينة متحضرة، تغوي المدن والبلدان والبشر للتغزل بها والتقرب من ممتلكاتها الذهبية وإرثها الفاخر والتغني بتاريخها المجيد. مدينة لم تعرف الكسل أو التسكع في دروب رثة، تعيش تحت الشمس، فالحيوية تجري في شرايينها المتدفقة دوما، بشرا وحيوات يقظة منذ أن صاح الديك صيحته الأولى إلى أن تثاءب آخر مخلوقاتها لتعود دورة الحياة من جديد يعمرها الزهو. مضيفا: من هذه الأماكن التي لا تنسى ولا من الممكن أن تغادر ذاكرة المواطن البغدادي خصوصا والعراقي بشكل عام.
(بارك السعدون) المكون من حديقة غناء بمساحة 22 دونما وتتكون من أربع حدائق، كل حديقة منها لها مواصفاتها الخاصة من حيث الورود والأزهار والأشجار ومصاطب خضر تغري الناظر بالجلوس على خشبها الجميل ويتوسط هذه الحدائق مكان معبد خصص ليكون ملاعب للأطفال ولأصحاب الدراجات الهوائية والنارية. حدائق بارك السعدون شيدها الإنكليز في ثلاثينيات القرن الماضي لتكون مكانا ترفيهيا لعوائل الخبراء الإنكليز العاملين في بغداد. ومن ثم صار مكانا شعبيا لكل البغداديين حتى سمي حينها بجنة بغداد.
فايروس أول
ويستمر القريشي بسرده أن مكانها وسط العاصمة أعطاها بعداً جماليا واجتماعيا وسياسيا، فهي ملتقى العشاق والشعراء ومحبي الجمال والباحثين عن الراحة والاسترخاء والابتعاد عن مشكلات الحياة، لما تتمتع به من تحضر ومدنية، مشيرا إلى تخطيطها العمراني والدقة في رسم شوارعها وسعتها وتركيبة البيوتات المشيدة من الآجر والسمنت والجص حسب الطراز البغدادي القديم ذي الطبقتين ، وتتكون البيوت في منطقة بارك السعدون بسعتها وبنائها بالمواد الحديثة التي مازالت للآن صالحة للاستخدام بخرائط حديثة لمصممين أجانب ولا تخلو أي دار هنا إلا من حديقة أو حديقتين أمامية وخلفية تكون الأمامية للرجال وخاصة لاستقبال الضيوف والحديقة الخلفية للنساء وجلسات (العصرونية) البغدادية حيث شرب الشاي وتناول البقصم واحاديث النساء. ومازالت لحد الآن البيوت تحمل هذه الصفات العمرانية، فالمكان هو هوية المجتمع يحاكي ساكنيه يتآلف معهم ويكون جزءاً من تكوينهم الاجتماعي.
وذكر أيضا أن أول فايروس تخريبي في المنطقة نشره الدكتاتور وسلطته البعثية حين استحوذوا على كثير من بيوتات المنطقة وتحويلهن إلى مديرية للأمن العامة لتمارس داخلها أبشع أنواع الإرهاب وسلب الحريات والأرواح حتى قيل أن أحواض التيزاب لإخفاء أجساد المعارضين كانت في هذه البناية. منوهاً أنه تم تغيير معالم وشكل المنطقة لتنسجم مع ذائقتهم البدوية المتخلفة. وبعد ذلك استمر الأمر بالتخريب والتهميش سواء كان المتعمد أو غير المتعمد بسبب الجهل وقلة الخبرة وعدم الشعور بالمسؤولية الإدارية.
وأبدى القريشي أسفه إلى ما آلت إليه حال حدائق بارك السعدون الآن التي تشكو الإهمال والتهميش بعد أن تحولت إلى مكب للقاذورات ومرتع لمياه الأمطار وما تتركها من مستنقعات تتحول إلى مياه آسنة لا يزورها سوى الحشرات الضارة ، وقد زاد في تشوهها أيضا كثرة العشوائيات التي توسعت حتى اختنقت الساحات وضاقت الشوارع.
الجزرة الوسطية
على طول الشارع من ساحة الطيران وحتى نهاية الشارع الذي أدخل ضمن ما أسموه إعمار وتطوير شارع النضال والذي اكتفوا فيه بمقرنص الرصيف الذي أرهق أقدام المارة والجزرة الوسطية التي زُرعت ببعض الأشجار الظليّة، لكن لم يتسنَّ لها أن تكون ظلية فقد أحرقتها أشعة الشمس وقتلها العطش وتحول البعض منها إلى عيدان صفر، أما المقرنص والذي اشتكى منه عامة الناس فله حكاية أخرى، حيث قال أحد مرتادي الشارع ممن يتسوقون أثاثا مكتبيا أن شريط حبوب المفاصل لم يفارق جيبه من يوم انتهى العمل به، السؤال الذي يطرح ترى ماهو حال سكنة الشارع ومن يعمل به بشكل يومي؟
معارض السيارات
لشارع النضال صفة خاصة أو هوية خاصة به فهو الشارع الذي عرف منذ زمن ببيع الأثاث المكتبي والمنزلي وبعض عيادات الأطباء إضافة إلى المطاعم والنوادي الترفيهية والاجتماعية، فهذا الشارع كحال بقية الشوارع تغيرت ملامحه وشوهت صورته، ومعارض السيارت أخذت تستولي على البنايات والأرصفة وتتجاوز على الشارع، مسببة بذلك إرباكا للسير والنظام وشكل الشارع وبالطبع هنا لا أحد يستطيع معرفة موقف الأمانة من هذه المعارض التي غزت كل شوارع بغداد.
عدي نوري صاحب محل حلاقة قال: ما حدث في شوارع بغداد عامة وشارع النضال خاصة يطرح سؤالا لما يحصل من تشويه وخراب لشوارع بغداد الحيوية التي تعد شرايينها الرئيسية. مضيفا عشوائية المحال وسوء التنظيم والتخطيط ووقوف أمانة العاصمة ودوائرها المتخصصة موقف المتفرج على ما يحصل في الشارع سيفقده ما تبقى من رونق أو خصوصيته التي ضاعت علينا، مثلما ضاعت معالم وخصوصية بقية الشوارع. وتساءل نوري أليس بمقدور أمانة العاصمة وضع ضوابط لفتح المحال وخاصة معارض السيارات التي أخذت تغزو كل مناطق العاصمة السكنية والتجارية. بإيجاد مكان خاص بهم أو إنشاء "مدينة السيارات" تضم معارض البيع وورش التصليح الخاصة بكل شركة؟
البنايات الفارغة
ما تركه نيسان 2003 على البنية العراقية في شتى المجالات والاتجاهات ترك أثره أيضا على شكلها العمراني، على طوال شارع النضال هناك العديد من البنايات الفارغة التي حسبما يقول الناس إنها تعود لبعض شخصيات ورجالات كانوا في السلطة أو لأناس تركوا البلد بعد موجة العنف الطائفي، للأسف هذه البنايات شوهت الشارع وخربته على ماهو عليه من خراب وزادت من خرابه، خاصة بلونها الكالح والأنقاض التي حولها وطريقة غلق مداخلها ومخارجها.
المحال الصناعية
من المفارقات المحزنة أن هذا الشارع الحيوي يبدأ بمحال الصناعة من جهة ساحة الطيران وينتهي به من جهة معسكر الرشيد، فليس من المعقول أن يكون الدخول لهذا الشارع عبر ساحة الطيران الشهيرة وسط محال تصليح السيارات وبيع أدواتها الاحتياطية والتي تترك خلفها أكواما من الأزبال والنفايات، والتي ترمى بالقرب من ثلاث وزارات عراقية مهمة تقع في بداية الشارع (التعليم العالي والبحث العلمي، التربية، الصناعة والمعادن) مرورا ببعض المحال الأخرى التي توزعت على طول الشارع وليس انتهاءً بفوضى مايعرف بـ(مجمع مشن التجاري)، الخاص ببيع الإطارات والبطاريات، والخروق والتجاوزات على الشارع التي تحدث طوال اليوم، ناهيك عن الأكوام التي تترك النفايات وما شابه، والتي تضاف لها مخلفات المعامل والمصانع في الفروع والأزقة التي تربطهم بشارع المسبح ومعمل الطحين وللأسف فقد تحولت الكثير من البيوت والساحات في تلك المنطقة الحيوية مقارّ لشركات السيارات كراجات تصليحها.
شيء عجائبي
في أحد الأزقة الرئيسة في شارع النضال والذي تربطه بشارع السعدون شيء يصعب وصفه، هل هو ساحة أم حديقة أم نصب أم شيء آخر وأنا أقف أمامها وأتأمل ماهيتها لأتعرف على هويتها الخاصة، حتى خرج رجل من كنيسة الأدفنتست (السبتيين) المشيدة سنة 1958 وقبل أن أسأله عن ماهيتها قال: تجولت في الكثير من مدن وشاهدت حدائق ونصباً ومتنزهات وكل مايخطر على بالك لكني كلما آتي أطرح التساؤل على نفسي أيضا ماهذا بحق السماء؟ فما هو موجود لا تشكل معالمه أي صفة يمكن أن تطلق عليه ساحة أو حديقة أو نصب أي شيء آخر.
وقبل أن يتركني قالها بعراقية(والله لو تاركيها على ماكانت عليه افضل من هذا التشويه وقتل واجهة الكنيسة بهذه الطريقة العبثية)
طيب هل من الممكن أن أذكر اسمك مع صورة؟
لا ياعزيزي فنحن لم نتفوه بشيء ويحصل لنا ما يحصل ترى ماذا لو تكلمنا فهي أيامي الأخيرة في العراق وأريد أن أخرج سالما!
فارزة
الخراب اليوم الذي يلقي بظلاله على جميع مناطق وأحياء وأزقة العاصمة من أقصاها إلى أقصاءها. قد يكون علامة فارقة على خواء العقلية الإدارية للعاصمة من أي خطط وأفكار تساهم في إعادة الروح إلى بغدادنا التي نعرفها ونعلمها.
للأسف ترافق عملية التخريب والتهميش عملية أخرى أشد ضررا وفتكا بالعاصمة وهي الاستحواذ والسطو على أملاك الغير أو الأملاك العامة من خلال تزوير السندات، واستخدام النفوذ الحزبي أو العشائري أو الطائفي وحتى الحكومي إذ كانت أملاك عامة. وغالبا ما يرافق ذلك الاستحواذ والسطو تشويه وتدمير للمعالم العمرانية.
فلليس من المعقول اهمال شارع النضال الحيوي، والذي يعد من الشوارع التجارية والاقتصادية المهمة. مع وجود شوراع أخرى فرعية ترتبط به من جهة شارع السعدون مثل شارع الزعيم وشارع المشجر الصناعي. والفروع الأخرى التي تؤدي إلى مذاخر الأدوية عبر أزقة البتاوين التراثية التي لاتقل ضررا عن شارع النضال ذاته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليمن.. حملة لإنقاذ سمعة -المانجو-! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. ردا على الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين: مجلس النواب الأمريكي




.. -العملاق الجديد-.. الصين تقتحم السوق العالمية للسيارات الكهر


.. عائلات الرهائن تمارس مزيدا من الضغط على نتنياهو وحكومته لإبر




.. أقمار صناعية تكشف.. الحوثيون يحفرون منشآت عسكرية جديدة وكبير