الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة موت موقعة بالدم إلى أمّة الصليب

طوني سماحة

2015 / 2 / 16
الارهاب, الحرب والسلام


عادة ما أرتشف القهوة عند الصباح، لكن قهوة اليوم كان طعمها مرّا مثل الموت. لم يكن العيب في القهوة بل في نشرة الاخبار التي طالعتنا بذبح واحد وعشرين قبطيا في ليبيا على يد أفراد داعش الموت والحقد. شاهدت الرجال الملثمين المتشحين بالسواد من الرأس الى القدم يقتادون الاسرى الذين ألبسوهم اللون البرتقالي الى شاطئ البحر. تم اختيار الجلادين طوال القامة مقارنة بأسراهم كيما يضيفوا بعدا مسرحيا وملحميا على عملية الذبح. تلى رئيس الرتل بلاغ الموت، ثم أجبر الشهداء على الركوع وطأطأة الرأس قبل أن يعمل السكين عمله. اختلط موج البحر بدماء الشهداء وانتهى المشهد بظهور لوغو الحياة الذي يبدو نسخة عن لوغو قناة الحياة المسيحية، بالاضافة الى جملة بالانكليزية مفادها "رسالة موت موقعة بالدم الى أمّة الصليب".

لقد وصلت الرسالة. فالمسيحيون ليسوا بغرباء عن رسائل الموت الموقعة بالدم. لا بل إن الدم هو العلامة الفارقة للمسيحية مع الفارق الوحيد أن الدم الذي يسيل في عروق المسيحية ليس دم الجلاد بل دم الضحية والشهيد. الدم الذي يسير في عروق المسيحية هو دم المسيح أولا الذي سال على الصليب لكي يفدي به البشرية من خطاياهم. ومن ثم تدفق نهر الدماء خلال الازمنة والعصور بدأَ برمي المسيحيين في الكوليسيوم الروماني طعاما للأسود الجائعة أو صلبهم وحرقهم، مرورا بتخييرهم في العصور الوسطى بين إشهار إسلامهم أو الموت أو الجزية، وصولا الى المذبحة الارمنية والسريانية على يد الاتراك، وانتهاء بالتطهير العرقي في العراق وسوريا على يد رجال دولة الموت في داعش.

لا يعرف رجال الموت أن الدم في المسيحية هو نبض حياتها. الدم للمسيحية هو قطر الندى للزهور. هو جناحا العصفور. هو ماء النهر المتدفق الذي ما أن جف ماؤه ما عاد النهر نهرا. لا بل عندما يتوقف الدم المسيحي عن التدفق، و عندما تحمل المسيحية السيف كي تسفك الدماء، كما حصل في القرون الوسطى والحروب الصليبية، تصبح الخاسر الأكبر وتفقد هويتها.

يا رجال الموت،
أنتم عندما قتلتم واحدا وعشرين قبطيا أعزل، لم تأتوا بجديد. عندما كتبتم رسالة الموت المختومة بالموت لم تكتبوا جديدا. لقد خطط أحبار اليهود لصلب المسيح، ووقع بيلاطس الروماني حكم الموت عليه ممهورا بالدم، ونفذ الجنود الحكم. السكين الذي قطعتم به رؤوس الأقباط هو هو الحربة التي جازت في صدر المسيح. ومثلما صرخ الأقباط الذين قطعت رؤوسهم "يا يسوع" كذلك رفع المسيح الصوت على الصليب صارخا "إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟" لكنه وما أن حان وقت تسليم الروح، نادى قائلا "أغفر لهم يا أبتاه، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون." أنتم أيضا، يا رجال الموت، لا تعلمون ماذا تفعلون. فالروح الذي سكن أحبار اليهود و بيلاطس والجنود الرومان هو هو الروح الذي يسكن فيكم اليوم. هو روح الشيطان الذي تنادونه "الله". كما قتل الشيطان كذلك أنتم تقتلون. كما كره الشيطان كذلك أنتم تكرهون. كما عشق الشيطان الدم كذلك أنتم تعشقون الدم.

لا أدري ما الأفكار التي جالت برؤوس هؤلاء الرجال وأنتم تذبحونهم قرابينا لشياطينكم، لكنهم إن كانوا حقا ينتمون الى أمة الصليب كما وصفتوهم، لا أخالهم يرددون سوى ما قاله سيدهم على الصليب "أغفر لهم يا أبتاه، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون."

توبوا يا رجال الموت. توبوا عن حقدكم. توبوا عن عشقكم للدماء. توبوا عن عبادتكم للشيطان. توبوا عن الظلم. توبوا عن السيف. توبوا عن الكراهية. توبوا عن الاستبداد. توبوا عن سرقة ممتلكات الناس تحت مسميات الغنائم. توبوا عن حرق الناس. توبوا عن صلبهم وقطع رؤوسهم. توبوا عن رجم النساء. توبوا عن عن سبيهن واسترقاقهن واغتصابهن... لو كان لديكم القليل من البصيرة، يا رجال الموت، لأدركتم أن كل هذه الشرور لا يمكن أن تكون صفات الله، بل هي صفات الشيطان الذي تعبدونه باسم "الله".

يا رجال الموت،
رسالة الموت الموقعة بالدم التي أرسلتم بها الى "أمة الصليب" هي هي رسالة الخلاص التي تعطي المسيحيين الحياة. استفيدو منها أنتم أيضا، ليس كسافكي دماء الابرياء، بل كتائبين سال دم المسيح عن الصليب من أجلهم كيما يعطيهم حياة أبدية.

يا رجال الموت،
ما طلبه المسيح لليهود والرومان وهم يمعنون فيه قتلا وصلبا، هو هو ما يطلبه اليوم من أجلكم أيضا." فباب السماء لم يُقفل بعد وذراعا المسيح ما زالتا ممدودتان تنتظر توبتكم، وما زال صوته يصدح قائلا "أغفر لهم يا أبتاه، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون". أرجوكم لا تضيعوا فرصة التوبة كيما ينتهي بكم المطاف في جهنم النار.

أما أنتم يا أخوتي الشهداء، ماذا تراني أقول لكم؟ ليس لديّ من الكلمات ما يعبر عن ألمي وها هي الكلمات تخنقها الغصة في حنجرتي. لقد رأيت دمكم يمتزج بأمواج البحر. فاللون الأحمر ليس غريبا عن المسيحية. صبغ اللون الاحمر العصور الاولى للمسيحية وهو ما زال يصبغها حتى اليوم وسوف يستمر يصبغ العصور اللاحقة شهادة الى ان يكتمل الزمان ونكون جميعا مع المسيح، أمتنا ذبحا أم موتا طبيعيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاستاذ طوني سماحة المحترم
عبد الرضا حمد جاسم ( 2015 / 2 / 17 - 04:13 )
نعزيكم و انفسنا بهذا المصاب الجلل الذي يجب ان يهز كل عقل و قلب على وجه الارض...لكن ...و آه من هذه ال لكن
انها نتيجة يا اخي الكريم...انها نتيجة احتضان الغرب الذي يدعي احترامه للصليب و حبه لتلك الجرثومة الخبيثة القابعة في مكة و محيطها و ضواحيها
لن يتوب امثال هؤلاء الا بمبيد يقتلع ال سعود و ال الشيخ و كل الاخرين السائرين على اجرامهم
لقد شن الغرب حملته الشعواء على ليبيا و مزقها و قتل اهلها بيد هؤلاء و مدهم بالسلاح و المعلومات و ساندهم معنويا و سياسياً حتى لم يظهر صوت يندد بقصف الناتو على ليبيا و لم يبكي ضحايا الشعب الليبي احد لليوم
الكثير يعرفون اجرام هذا الفكر العفن و بالوثائق لكنهم يتحالفون معه حتى تعهدوا له بالحماية و الموت في سبيله
من يمد لهؤلاء القتله العون من مال و سلاح...؟ هل سمعت من ندد بتركيا و قطر التي تديران تحركات و افعال هؤلاء القتله
ساندوهم في العراق و في سوريا و ليبيا و كل انهار الدماء لم تحرك فيهم شيء
نكرر لكم و للجميع مواساتنا به الفاجعة و نقول كانو ابرياء ذبحهم خبثاء بأيادي خبثاء
لهم الراحة الابدية و لذويهم و محبيهم الصبر و للانسانية العزاء


2 - كلماتك تمطـــــــــر حزنا
كنعان شـــماس ( 2015 / 2 / 17 - 16:28 )
تحية يا استاذ طوني ســــماحة على هذه الكلمات التي تمطر دموعا وحزنــا في هذه الفاجعة التي تفطر قلب اي انسان نبيل . واحد وعشرين مصريــــا مظلومـــا مقيدي الايدي تقطع روءسهم وتهدر دمائهم الزكيـــة على ضفاف البحر الابيض المتوسط في رسالة استفزاز شــــــــــــــيطانية الى الغرب ويوثق هذا الفعل الشــــــنيع امام الكاميرات ليشاهده العالم اجمع وقام بهذا التوحش زمرة من خنازير دولة العراق والشام الاسلامية . لقد طفح الكيل الراحة الابدية لارواحهم يارب والصبــــر والعزاء لذويهم والخزي والعار لمن يمول هذه الخنازيــــــــر الهائجة


3 - أخي الكريم عبد الرضا جاسم
طوني سماحة ( 2015 / 2 / 18 - 03:18 )
أقدّر فيك نبل عواطفك وتعزياتي الحارة أيضا ليس فقط للأقباط إنما لكل إنسان طاله الإرهاب في هذا الشرق التعيس. للغرب ّ سيّدي مصالحه ولا يعنيه الصليب أو الهلال، إنما كل ما يعنيه تأمين مصالحة وقد تم له هذا من خلال الحكومات التي ذكرتموها والتي تتحالف معه لاقنسام قطعة الجبنة. لكن كل ذلك وبحسب رأيي لا يرفع المسؤولية عن العدد الهائل من أفراد شعوبنا التي تتعاطف مع الارهاب وخطاب التكفير وكراهية الآخر
ولكم مني كامل الاحترام


4 - أخي العزير كنعان شماس
طوني سماحة ( 2015 / 2 / 18 - 03:28 )
أشكرك أخي الحبيب وأنا أيضا كما الكثير من الناس النبلاء أتقدم من أسر الضحايا بالتعزية والصلاة. أما بالنسبة لداعش وأخواتها فلا بد أن ينطبق عليهم قول المسيح -من أخذ بالسيف، بالسيف يؤخذ-. هم زرعوا الموت ولا بد لهم أن يحصدوا الموت عاجلا أم آجلا

اخر الافلام

.. فيديو طريف.. كاميرا مراقبة ترصد ما فعلته دببة شاهدت دمى تطفو


.. الرئيس العراقي: نطالب المجتمع الدولي بالضغط لوقف القتال في غ




.. سقوط مزيد من القتلى والجرحى مع تواصل القصف الإسرائيلي على غز


.. أكسيوس: إسرائيل قدمت خطة لمصر لإدارة معبر رفح| #الظهيرة




.. ما -الحكم العسكري- الذي يريد نتنياهو فرضه على غزة في اليوم ا