الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرتزقة الأمن الجدد

ماجدة تامر

2005 / 9 / 15
الارهاب, الحرب والسلام


إذا كانت فرنسا تنظر بعين الريبة إلى النشاطات العسكرية الخاصة في أماكن متفرقة من العالم، فإن البعض في عالم "الأنغلو سكسون"، يتطلع إلى إنشاء قوات من المرتزقة المتطوعين. تنظمهم شركات خاصة من اجل الفصل بين الفصائل المتنازعة في البلاد وبالتالي شن الحروب إن اقتضى الأمر ويحبذ أن يكون ذلك بالتعاقد مع منظمة الأمم المتحدة أو بالتعاون معها إن أمكن .

إن الظهور المتجدد للمرتزقة خلال بعض الأزمات الأفريقية كما حصل مؤخراً في ساحل العاج، يذكّرنا بأن المسألة ليست بهذه البساطة.
فللمرة الأولى تقوم إحدى السلطات السياسية في مجلس العموم البريطاني، بنشر تقرير حول هذا الموضوع في الثاني عشر من شباط من عام2002 تتساءل فيه حول النشاط الحقيقي لهده الشركات العسكرية الخاصة. بعبارات لا تصنّفها بالضرورة في خانة الأشرار، محاولةً طرح إطار سياسي للنقاش حول إمكانية امتهان الارتزاق العسكري.

منذ خمسة عشر عاما يشهد جزء من العالم انتشارا عميقا للظاهرة الصومالية، أي تفكك بنية الحكم وذوبانها في بعض الدول التي تضربها الحروب أوالفساد مما يؤدي إلى قيام كيانات متعددة وانهيار الاقتصاد الشرعي .

وقد تحول ما يقارب 400 مجموعة مسلحة غير رسمية في 90 بلد تقريبا إلى عناصر فاعلة في عمليات السطو والسيطرة.
والهدف المعلن لمعظمها هو الوصول إلى الحكم . لكنها وإزاء حرمانها من الكثير من الموارد من جانب الدول العظمى بعد انتهاء الحرب الباردة لجأت إلى مجموعة من الوسائل التي تمكّنها من الحصول على الوسائل الضرورية لاستمرارها . هذا هو حال ما أطلق عليه في البيرو بجماعة ال " الطريق المضيء " .

وفي الظروف الخاصة جدا لكولومبيا تلجأ القوات المسلحة الثورية هناك إلى عمليات الخطف وتقاضي الضريبة على مادة ال" الكوكا " أو على المرحلة الأولى من تحويلها إلى الكوكايين لتمويل نشاطاتها و تمولها أموال المخدرات.
وهناك أيضا مجموعات لا تطمح سوى إلى حماية بيئتها التقليدية القبلية أو الاثنية من دون هدف وطني معلن من أمثال جماعات " التكنيكالز " الصوماليين أو الفصائل التشادية.

بعض المجموعات المسلحة غير الرسمية هي إجرامية أساسا وإن كانت تتمتع بقاعدة اجتماعية واسعة أمثال جيش " شان الموحد " في " ميانمار " أو بعض مجموعات القراصنة في بحر الصين الجنوبي التي أخذت بالتنامي مؤخرا أو المافيات الا ثنية المتواجدة في مناطق متفرقة من روسيا والتي ليس لها هدف سوى الاستمرار في نشاطاتها الإجرامية.

إلى جانب هذا التحول الطارئ على العنف السياسي والاجتماعي والذي يقلب صورة مقاتل الحروب التقليدية، فإن تطور الميليشيات الخاصة هو مسار خاص بأمريكا الوسطى. فبعض أفراد المصالح الخاصة أو عناصر من قوات الأمن تتحول لتكافح الثوار أو لتكافح أشكالا أخرى من الجنوح الذي يصعب السيطرة عليه .

فميليشيات اليمين المتطرف في كولومبيا والسلفادور والبرازيل ، تتمتع بنفوذ كبير و امتيازات خاصة ، حصلت عليها نتيجة لظروف استثنائية وذلك عن طريق حكوماتهم بطرق غير شرعية أمثال الميليشيات التي تسمى ب " ألوية الموت " أو مجموعات في خدمة المصالح الخاصة لكبار الملاكين والتي تعمل على ارتكاب مجازر في حق الفلاحين و اغتيال النقابيين وتقوم بعمليات السطو أو أن تكون حتى في خدمة الدولة بطريقة سرية .

إن مجموعات " الدفاع الذاتي الموحدة " في كولومبيا التي تعد 10 آلاف مقاتل ، هي المسؤولة الرئيسية عن اغتيال الفلاحين والنقابيين ، و تتقاضى تمويلها بشكل أساسي من تجارة الكوكايين .
والتوجه الجذري للبعض منهم دليل ملموس على تأقلمهم مع الظروف الجديدة من اجل احتكار الموارد. هكذا، فمقابل الاقتصاديات التي أفرزتها الحروب الجديدة القائمة على الاقتناص والجريمة برز شكل مبعثر من التنظيم السياسي وتتسم بالاستقلالية والعنف القاسي.
وبعدما كانت الظاهرة محصورة لفترة طويلة من الزمن في معاقل أو مناطق محددة باتت اليوم منتشرة في كل أرجاء العالم.
فقد رفعت نهاية الحرب الباردة العوائق المادية العوائق أمام نموها وسمحت بانتشار وتداول كميات كبيرة من الأسلحة المختلفة . كما أتاحت الدخول إلى اقتصاديات العالم الغربي من اجل تمويل النشاطات الإجرامية المتعلقة بالمخدرات والألماس وغيرها . ويشكل الطابع المتعدد الجنسيات لهذه النشاطات افضل حماية لها في وجه دول غير قادرة على التحرك خارج حدودها.

وقد أدى انفجار هذا العنف الخاص إلى تزايد بؤر الأزمات التي لا تسترعي في الضرورة اهتمام الدول الكبرى غير المهتمة بإرسال قوات نظامية إليها تحت إشراف الأمم المتحدة.

فالدول المحلية المستضعفة ومهما بلغت شرعيتها لا تملك الوسائل العسكرية الكافية لحماية نفسها وتلجأ أحيانا إلى شركات الأمن الدولية . فتسعى بعض هذه الدول إلى أن تفرض على المستثمرين أو العاملين الأجانب تأمين حماية منشآتهم كما يحصل الآن لشركات النفط في انغولا والكونغو وغيرها.

لقد ازدهرت عملية تمويل جيش التحرير الوطني الكولومبي في منطقة " سانتندر " النفطية وقد تعرض خط " ليمون ـ كوفنياس " للنسف 400 مرة خلال ثماني سنوات أي بمعدل مرة في الأسبوع ولا تتم إعادة المختطفين من الكوادر العليا الأجانب إلا مقابل فدية مرتفعة .
فقد أدرج التقرير الذي قدّمه كل من " توماس كليغ " و" روبين أيبز " حول توريد الأسلحة إلى " سيراليون " أمام مجلس العموم البريطاني في 27 تموز من عام 1998 قائمة بالنشاطات المقترحة وهي تأمين خدمات الاستشارة والتدريب والدعم اللوجستي ونزع الألغام وتأمين جهاز للرقابة على الشركات وصولا إلى الاستعانة بالمرتزقة .

لكن التقرير يعترف بصعوبة التمييز بوضوح بين مختلف أنواع الأجهزة الأمنية الواسعة الانتشار على هذه القاعدة .
إن تهرب الدول العظمى مضافا إليه عجز الأمم المتحدة عن تعبئة القوات اللازمة لحفظ الأمن والاستقرار في بقاع مختلفة من العالم، قد سهل استئناف نشاطات المرتزقة وذلك بسبب الحاجة التي أبدتها بعض الدول الضعيفة أو الديكتاتورية في التسعينات .
وتمثل شركة " أوت كامس التنفيذية " نموذجا لهذه النشاطات ، فقد تأسست عام 1989 على أيدي عسكريين سابقين من جنوب أفريقيا و أبرمت عقدها الأول عام 1992 مع شركات نفطية من اجل تحرير بعض المناطق الواقعة تحت سيطرة منظمة " يونيتا " في انغولا وحمايتها . وبعد نجاحها الأول حصلت على عقدين بقيمة 80 مليون دولار مع الحكومة الانغولية وذلك عندما اكتشفت حكومة " لواندا " آنذاك أن مختلف نشاطات الأمم المتحدة التي أرسلت المراقبين و قوات التدخل هي اكثر كلفة بكثير عدا عن أنها عديمة الفعالية.

لكن الدعم الأساسي لمثل هذه الشركات لا يأتي من بلدان ما وراء البحار بل من دول الشمال حيث تقوم بنشر الجيوش المحترفة على نطاق واسع مع توزيع وتسهيل الخدمات ، بشكل دقيق ومكثف كالتمويل والحراسة والصيانة والتدريب والتعاون.

ويحصى في العالم وجود حوالي 300 ألف شركة متعددة الجنسيات للأمن والمساعدات العسكرية المتعددة. وهناك اكثر من 100 شركة ذات حجم دولي تعمل بموجب عقود في أفريقيا أو في بلدان مثل كولومبيا واندونيسيا .

وتقوم المنظمات ذات الطابع الإيديولوجي الليبرالي بالترويج للقطاعات الخاصة ومدى فعاليتها وذلك بطرحها على الشركات والمؤسسات الدولية صيغا للاعتماد على القطاع الخاص بشكل متعاظم، لا سيما في مجال التدريب العسكري و الدعم اللوجستي . ويؤدي هذا الاعتماد إلى أشكال غير متوقعة من الخصخصة كقطاع الجمارك في موزمبيق وانغولا أو بلغاريا عبر شركة " كراون " البريطانية .

وإذ يعتبر البعض أن اللجوء إلى الجماعات المسلحة سلاحا لمكافحة الفساد في الإدارات المحلية وغيرها فلا يبدو أن ذلك يعطي نتائج لافتة لا بل إنه يذكّر بأساليب التسلل الاستعماري في القرن التاسع عشر .

إن تحول الجيوش إلى الاحتراف وانخفاض عدد العسكريين في البلدان المتطورة بعد نهاية الحرب الباردة، بسبب تسريح ما يقارب الخمسة ملايين رجل منذ عام 1985 ، دون أن ترافق هذا التسريح تدابير اقتصادية واجتماعية مناسبة قد وفر لشركات الأمن الخاصة يداً عاملة على نطاق واسع .

إن العمليات العسكرية التي دارت رحاها على المسرح الأفريقي على يد شركات خاصة تذكّر البعض بزمن شركات الاستعمار الخاصة حيث أنعشت ذكريات المرتزقة في الستينات والسبعينات.
و كان أول من استدعى هذه الشركات أنظمة سياسية أو اقتصادية في الغالب استبدادية أو عاجزة وقد يتم استدعاءهم أيضا من قبل شركات تعمل في مجال الطاقة.

ومع ذلك يبقى احترام سيادة الدولة التي تجري فيها هذه النشاطات الهدف الأخير لعمليات التدخل هذه. فأساليب المساومات التي تتبعها شركات الأمن الخاصة تلك كالتفاوض ودفع الفدية عن المخطوفين يدور سرا من دون تدخل أي دولة من الدول وخصوصا إذا كانت هذه الدول لا ترغب رسميا في التفاوض مع خاطفي الرهائن. وهكذا يمكننا القول إلى حد ما أن خصخصة السلم أو الأمن تساهم في تفشي الفوضى و تشجيع خطف الرهائن وغير ذلك من النتائج السلبية الواضحة.

فالنقص في الوسائل القانونية لمنع الارتزاق يشجع على اتساع مؤسسات الأمن الخاصة وتزايد الجماعات المسلحة غير الشرعية المختلفة الأهداف والوسائل والتي تجد في غياب القوانين و الأنظمة الشرعية والمنازعات الداخلية مرتعا مناسبا لممارسة نشاطاتها الإجرامية المتعددة في جميع بقاع العالم.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتصام لطلاب جامعة غنت غربي بلجيكا لمطالبة إدارة الجامعة بقط


.. كسيوس عن مصدرين: الجيش الإسرائيلي يعتزم السيطرة على معبر رفح




.. أهالي غزة ومسلسل النزوح المستمر


.. كاملا هاريس تتجاهل أسئلة الصحفيين حول قبول حماس لاتفاق وقف إ




.. قاض في نيويورك يحذر ترمب بحبسه إذا كرر انتقاداته العلنية للش