الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خواطر عابرة.. (3/3) يوم دفنّا جنين الديمقراطية في ليبيا..

محمد عبعوب

2015 / 2 / 17
الادب والفن


أخذ العنف بين الطرفين الذي سيطر على الميدان منحا جديدا، لم يحسب له أبو احمد حساب، حيث كان يعتقد أنه جاء الى الميدان لهدفين: الأول هو نصرة تيار القوى الوطنية الذي يدعو لإقامة الدولة المدنية ، والثاني هو تجسيد أحد مشاهد الديمقراطية على الارض وممارستها فعلا من خلال التظاهر السلمي في الميدان بعيدا عن العنف والغاء الاخر..
وفيما كان منهمكا بحماس في ترديد الشعارات الداعية لإقامة الدولة المدنية والتداول السلمي على السلطة مع من تبقى من المتظاهرين السلميين الذين امتنعوا عن المشاركة في أعمال العنف الذي بدأ يسيطر على الميدان؛ فجأة لعلع صوت الرصاص، ظنه في بادئ الامر العابا نارية يطلقها البعض لإرهاب المتظاهرين، تحول الرمي الفردي الى زخات متتابعة من الرصاص صادرة من جهة السرايا الحمراء، سمع صوت القذائف تزن فوق رؤوس المتظاهرين المؤيدين للدولة المدنية، تأكد لديه ان التيار المناوئ قد لجأ الى آليته المتعارف عليها لفرض رأيه، تكرر الاطلاق، تفرق وتفتت الجمع الصغير مرعوبا، توجه المتظاهرون للاستنجاد برجال الشرطة الذين استقلوا سياراتهم وغادروا المكان، وانزوى من لم يستطع منهم اللحاق بالسيارات خلف عرصات شارع عمر المختار محتميا من ديمقراطية الرصاص، علا الصياح المحذر من الرصاص، وتحول الجمع للانزواء خلف ابواب المحلات وما توفر لهم من حواجز للاحتماء من الرصاص الطائش.. بعد أن تأكد له جدية هؤلاء القتلة في السعي لارتكاب جريمة ، اسرع للبحث عن زاوية تحميه من الرصاص، راقب المشهد من أمام مدخل مصرف الجمهورية، كان الصياح المحذر من الرصاص يعلو وجماعات من الملتحين تجوب الميدان لطرد اي شخص لا ينتمي لهم ، في الأثناء حضرت مجموعة سيارات مصفحة سوداء اللون تحمل شعارات الدروع، نزل منها رجال يرتودن قيافة مقاتلي القاعدة السوداء وبدأوا في مطاردة بقايا المتظاهرين الذين تفرقوا في الشوارع والازقة المجاورة للميدان..
تأكد ساعتها صاحبنا أن الجنين الخدج للديمقراطية الذي أنجبته انتفاضة 17 فبراير وراهن هو على إمكانية بعث الحياة فيه، قد فارق الحياة ال الابد، وأن ليبيا لن تحمل بهذا المخلوق في الزمن المنظور، إلا بعد تتشكل جيناته في خلايا كل الليبيين وهو ما لن يتحقق في جيله بشكل مطلق ولن يتحقق حتى في جيل ابنائه، وربما سيتحقق في جيل أحفاده.. طوى لافتته تحت ابطه وعاد أدراجه عبر شارع عمر المختار مخلفتا وراءه صدى معركة غير متكافئة يزيد من أوارها صوت رمايات رشاشات ثقيلة ارعبته ، كان يسير في الشارع تجره قدماه منكسر الخاطر، وهو يحلل ويستعرض الاحداث بصوت مسوع يشي بدخوله في حالة هذيان ، يبني ويهدم، يتفاءل ويتشاءم، الى ان وجد نفسه في سيارة النقل العام (آفكو) بجواره عدد من الركاب الذين لم يسمعوا حتى مجرد السماع بهذا الحراك، وكان بعضهم يتساءل :
سمعنا قبل قليل اطلاق نار من رشاشات ثقيلة (14.5 و 23) في جهة ميدان الشهداء وميدان الجزائر، ترى ماذا يجري هناك؟
كانت الردود متقاطعة: ربما معركة بين انصار مليشيات او مجرمين... نظر اليهم في صمت والألم يصعقه مما هم فيه من عدم مبالاة بما يجري في بلادهم من تدمير و وأد لآمال ضحى من أجلها زملاء لهم بارواحهم ، فيما هم لا يرغبون حتى في المشاركة في دفنها..
بعد أن تأكد أن جنين الديمقراطية قد دفن هناك في ميدان الشهداء، عاد ابو أحمد الي بيته رمى بتلك اللافتة الممزقة في زاوية غرفته دون أن يكلم أحد من أفراد اسرته الذين لاحظوا مظاهر الانكسار والاحباط على وجهه، اندس في فراشه متجنبا الضوء بمخدة وضعها على وجهه، يستعرض بألم وحسرة ما جرى قبل قليل في ميدان الشهداء، رافضا الرد حتى على مشاغابات ابنته القريبة الى نفسه التي تحاول إخراجه من هذا الواقع المرير بنزع المخدة منه وإشراكه في قصصها الطفولية وعراكها مع شقيقها الذي يكبرها بعامين.. سافر ابو أحمد في نوم متقطع يعج بالكوابيس السوداء التي لن يمر وقت طويل حتى تتحول الى واقع مرعب يعيشه بكل تفاصيله الدامية والمحزنة والتي لا زالت تسيطر على كل ربوع البلاد حتى اليوم..
انتهى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في




.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد


.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي