الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو النص وتجلياته في نص -صراع-

حيدر لطيف الوائلي

2015 / 2 / 17
الادب والفن


** توطئة
"نحو النص" بدأ كجزء من علم اللغة النصي واستقر على يد " فان دايك" كنحو مختص بالنص يقابل نحو الجملة يتكئ على أغلب آلياتها إلّا أنّه يبحث عن قواعد نحوية عامة للنصوص .
فالنص حسب "بوجراند" حدث تواصل يلزم-لكونه نصا-أن تتوافر له سبعة معايير مجتمعة ويزول عنه هذا الوصف إذا تخلف واحد من هذه المعايير وهي : السّبك والحبك والقصد والمقبولية والاعلامية والمقامية والتناص.
إلّا أن هناك من يرى أن أهم المعايير هما: السّبك والحبك، بحيث إذ اتصف بهما أيّ نص يمكن أن نطلق عليه مصطلح النص وعليه يمكن القول :إنّ النص الذي تتوافر فيه كلّ هذه المعايير هو نص مميز تام وتقل درجة نصيته كلّما نقصت المعايير.
____________
صراع / للقاص عبد الرحيم سعد من السودان
انطفأت نيران الموقد ،فطفقت تستجدي الرماد بملئ شدقيها...تثور عاصفة...تتجلى...تنتفض من بقايا الرماد لتكمل الحكاية لأطفالها.
إلا أن أصغرهم يبصق الحكاية ،وتمدد نائما ...فالرماد المتناثر لم يحجب ناظرية عن الحجارة التي تغلي في القدر.
____________
قبل أن أبدأ بالمعايير لابدّ من وصف النص اجمالا.
**الوصف:
النص هو جنس سردي قصير يسمى قصة قصيرة جدا .
تمثل الموضوع الأساسي الذي يعالجه النص في تصرّف أصغر الأطفال .
وجاءت بقية الحركات والأفعال التي حدثت في النص لتدعم وتهيئ المتلقي لالتقاط ذلك الموضوع الرئيس، ابتداءً من عتبة العنوان وحتى أن نصل إلى حالة الطفل.
المعايير:
--------
***القصد
القصد هو التعبير عن هدف النص و يندرج تحته مفهومان:
مفهوم يتعلق بهدف النص والآخر يتعلق ببنية منشئ النص أو ما يقابل إرادة الاستعمال عند الأصوليين فلا إرادة للمجنون والسكران..
فالقصد في هذا النص يتمحور حول بؤرة رمزية جاءت في النص وهي فضح لأفعال السياسين العابثين بمقدرات الشعوب بشعارات فقط لاأفعال حقيقية. نعم اعتمد السارد على صورة انسانية عاطفية وهي صورة لايمكن الوثوق بقصديتها بسهولة بل القصد هو ما أبعد من هذه الصورة كما قلت. فالنص عموما سواء بحقيقته أو برمزيته يحمل رسالة موجهة إلى السياسيين(الحكام)
وهذا القصد مشترك على وفق الرؤيتين.مفادها دعوة إلى أصحاب القرار بأن يمارسوا ادوارهم بكل جدية وصدق واخلاص فاللعبة مكشوفة ولابد أن يكبر ذلك الصغير....
***التناص
يقول "دريدا": النص لايملك أباً واحداً ولا جذراً واحداً بل هو نسق من الجذور.
والتناص صنفان: صنف داخلي وآخر خارجي حسب د.تمام حسان .
ولا تناص داخلي في هذا النص إنما نستطيع أن نتلمس تناصا خارجيا تمثل في هذه القصة المعهودة عن المرأة التي كانت كل ليلة تضع القدر على النار وتضع فيه ماء وتبدأ بسرد الحكايات لأطفالها إلى أن ينام الأطفال وقد تناسوا سورة الجوع وقد وردت هذه القصة في التراث الأسلامي.
ويمكن للتناص أن يأخذ شكل كلمة كما في "طفقت" فهذه الكلمة استعملها القرآن الكريم { فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ } وقوله تعالى{ وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ }
والتناص في هذا النص قائم على العفوية وعدم القصد.
***المقامية
تتعلق بمناسبة النص للموقف فهي المناسبة أو المقام الذي يوضح المقصود من النص ،فالمقامية كما يقول "بوجراند "تتضمن العوامل التي تجعل النص مرتبطا بموقف سائد يمكن استرجاعه ...
فمناسبة النص أوسياق الحال مهم في تفسير النص الذي بين أيدينا إذ يمكن أن يبعث لنا السّياق الذي جاءت القصة في إطاره بعض الملابسات التي نجدها في النص، فالمقام مقام النقد لشريحة من شرائح المجتمع وهم الساسة أو الحكام، ولكن لم يعبر عنهم بصورة مباشرة؛ والسبب في ذلك ربما هو الخوف من بطش السياسين يجعل الكتّاب يلجأون إلى هذه الطريقة أو لعل السّارد لم يشأ أن ينقد فحسب بل أراد أن يزيين نقده ويؤطره بأطار انساني وهو السبب الذي يمكن اعتماده لتبرير هذا الاستخدام لقصة انسانية.
***الإعلامية
حسب "بوجراند" الاعلامية تتعلق بالمعلومات الواردة في النص من حيث توقع هذه المعلومات أو عدم توقعها ويرى بوجراند لابد من أن ننظر إلى هذا المصطلح لا من حيث كونه يدل على المعلومات التي تشكل محتوى الاتصال بل من حيث يدل بالأحرى على ناحية الجدة أو التنوع الذي توصف به المعلومات في بعض المواقف ...فكلّما بعُد احتمال توقع ورود المعلومة ارتفع مستوى الكفاءة الاعلامية.
ولو جئنا إلى النص وأردنا أن نضع أيدينا على موطن"الإعلامية "فيه ، يمكن لنا القول :إن عبارة"تستجدي الرماد" وأن كانت مستعملة عند كثير من الأدباء إلّا أن توظيفها هنا جاء مختلفا ورائعا وكذالك عبارة "يبصق الحكاية" تمثل مضمونا رائعا وفعلا تفاعليا وكانت هي محور الجدة والتنوع في النص.
***القبول أو المقبولية
تتعلق المقبولية بموقف المتلقي من قبول النص والتقبلية عند "جون لوينز " جاءت من نظريته في السّياق حيث إن نظرية السّياق عنده لاتعتبر الجملة كاملة المعنى إلّا إذا صيغت طبقاً لقواعد النحو وراعت توافق الوقوع بين مفردات الجملة وتقبلها أبناء اللغة وفسروها تفسيراً ملائما .
والنص توافرت فيه شرائط المقبولية من حيث اللغة والنحو ومن حيث المعنى الدلالي .
***السبك والحبك
هذان المعياران متلازمان.
يرى "برينكر "أن بنية النص تعرض على مستويين يرتبط كل منهما ارتباطا وثيقا
هما :المستوى النحوي والمستوى الموضوعي .
_المستوى النحوي هو مايسمى بالسّبك
_والمستوى الموضوعي هو مايسمى بالحبك.
فالسّبك برصد الاستمرارية النحوية المتحققة في ظاهر النص و الحبك برصد الاستمرارية الدلالية التي تتجلى في منظومة المفاهيم والعلاقات الرابطة بين هذه المفاهيم.
وللسّبك في هذا النص وسائل متعددة سأتتبعها وأتمنى أن أوفق في ذلك.
***الحذف
هو استبعاد العبارات السطحية التي يمكن لمحتواها المفهومي أن يقوم في الذهن أو أن يوسع أو أن يعدل بواسطة العبارات الناقصة والحذف في نص حنين تجسد في:
أ.العنوان
إذ جاء أحادية لفظية (صراع) وهذا يقتضي أن نقدر لها محذوفا من أجل الوصول إلى التماسك واتضاح الدلالة.
فيمكن أن نقدر (هو) كمحتوى مفهومي فيكون العنوان "هو صراع "لكن يبقى العنوان بهذا التقدير بحاجة إلى شيء، فصراع حياة أو صراع شعب مثلا ..أسئلة لابد من عدم اهمالها من خلال التمعن في النص وقد مثل هذا العنوان عتبة مهمة لدخول النص لم يكن جزءّ مباشرا أو تقريريا، إنما جاء كعبارة مفتوحة تأخذ بأفكار القارئ وتجعله يستنبط ويستنبط الدلالات التي يمكن أن نستشف منها تمركز حول النقد، فالصراع هو صراع قديم بين طبقة حاكمة متسلطة على رقاب الناس وبين طبقة كادحة مظلومة.
ب.من موارد الحذف في النص
انطفأت نيران الموقد، فطفقت تستجدي الرماد بملئ شدقيها...(ف )تثور عاصفة..(من الرماد).(ثم)تتجلى(العاصفة)...(ثم)تنتفض(المرأة) من بقايا الرماد لتكمل الحكاية لأطفالها....
فهذه المحذوات التي وضعتها بين الأقواس تبين بوضوح التماسك النصي بين فقرات النص .
***الإحالة
أ."طفقت" ،"تستجدي"،"تنتفض"،"تكمل"إحالات الضمائر واحدة هنا لمرجع واحد متصيد خارج النص وهو الأم.
وعودة الضمائر إلى مرجع واحد خارج النص على الرغم من الابتعاد النسبي بين الفقرات مما يؤكد حالة التماسك.
ب."يبصق" ،"تمدد"،"ناظريه"الإحالات هنا لمرجع داخل النص هو "أصغرهم"وأصغرهم ترتبط أو تحيل على ماهو أكبر منها وهو مجموع (الأطفال)
وهنا أيضا تساهم الإحالات الداخلية بالتماسك رغم اختلاف الفقرات.
***التكرار
في النص يوجد تكرار لكلمة "الرماد" ساهم بالربط بصورة واضحة"تستجدي الرماد"،"بقايا الرماد"،"الرماد المتناثر"فالرماد واحد أخذ صورا متعددة .
وهناك تكرار في كلمة "الحكاية"يؤكد على التماسك النصي فالحكاية ذاتها المتكررة التي يبصقها أصغر الاطفال.
فهذا التكرار ساهم بالتماسك النصي.
***الحبك
تتحكم علاقة السببية بأغلب ماورد من أفكار في النص فانطفاء النيران تسبب في أن "فطفقت تستجدي الرماد...وهذه الحركة من النفخ في الرماد تسببت بأثارة عاصفة من الرماد التي وصلت حد التجلي بعد أن مرت بالثورة وبسبب هذه الثورة والتجلي للرماد على الوجوه والاجواء انتفضت المرأة لتعود لإكمال الحكاية...
الحكاية التي تتكرر كل يوم وإلاّ لايمكن إن يملها الصغير ويبصقها دون أن نستشعر من هذه الحالة أنّها متكررة على الصغير وبسبب هذا التكرار بصقها لماذا؛ لأن الرماد لم يحجب ناظريه فعلاقة السببية كانت محورية تربط كل اطراف النص.
فالنص بهذا استوفى شروط المعيارية فهو نص مميز بورك السارد ووفق الى مزيد من التألق والعطاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل