الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول العالم في ثمانين يوما الوجه الجمالي للحقيقة الروائية

محمد سمير عبد السلام

2005 / 9 / 15
الادب والفن


تحتفل الأوساط الثقافية هذا الشهر – سبتمبر 2005 بمرور مئة عام على وفاة رائد روايات الخيال العلمي الأديب ( جول فيرن) ، و تكمن القيمة الحقيقية لهذا الكاتب في قدرته على تضفير جماليات النص مع العلم و الواقع التسجيلي في آن ، فللنص الأدبي عند فيرن ، امتداد غير مرئي – فى المتلقي – يتجاوز الفواصل التاريخية والزمكانية ، فيكتسب حضوراً جمالياً جديداً ، بالإبانة عن هوامشه الدلالية . هكذا يمكن النظر الآني – بطريقة إبداعية متداخلة – إلى العلاقة بين العلم والنص والسرد والتقريري، في رواية جول فيرن (حول العالم فى ثمانين يوماً) ، المنشورة بدار المدى في سوريا مع جريدة (القاهرة) في إبريل ومايو 2003م ، ت/ أحمد رضا وأحمد صفى الدين.
إن الراوي فى (حول العالم) يتخذ موقع المهيمن ، والعليم بالشخصيات والأحداث ومن ثم مسبباتها المنطقية ، كما أنه مشغول بتقرير الحقائق العلمية والجغرافية ، والأنثروبولوجية كلما واتته الفرصة ، أو استدعي الحدث هذا . ولكن اللافت للنظر أنه لم يقحم خطابه على المتلقى ؛ فقد صاغ نسيج الرواية بشكل يعلى من الفعل والأداء والمصادفة . ومن هذه النقطة أستطيع إعادة قراءة الرواية وفق هوامشها ، وأعنى قراءة مبدأ السببية وفق تداعيات النص ، ثم الحقائق العلمية من زاويتها الجمالية والتى أكدتها التوجهات المتجاوزة للحداثة ، إذ أن الحقيقة العلمية فيها لا تنفصل من ألعاب اللغة ، ومجازاتها، أما الذات الاجتماعية فلا تخضع لقانون التجانس (ليوتار- ضمن مدخل إلى مابعد الحداثة – ت أحمد حسان – هيئة قصور الثقافة 94) … وأدلل على مشروعية هذه القراءة من الرواية بأمثلة عديدة منها:
1. تداعيات النص الروائى / (1-1) يصف السارد السيد (فوج) – بطل الرحلة – بأنه رجل غريب الأطوار ، وقد نبع وعي الراوي بغرابة البطل من إدخاله في سياق اجتماعي ، يعتمد على المنطقية والتتابع المبنى على وحدة (الماضى البسيط) المتكررة ويميز بها (بارت) رواية القرن 19 الواقعية والتاريخية (بارت – الدرجة الصفر للكتابة – ت / محمد برادة – المغرب 88) ، ولكن هذه الغرابة نفسها تحول موقف الراوى السابق من داخله ، فيضطر لاتخاذ موقع العاكس من الخارج لهذه الشخصية المتفردة في وجودها . ولم يستطع أن يميزها إلا بتأكيد مبدأ (اللذة) أو (المتعة) في تصرفاتها وهو مبدأ (إبداعي) أكثر من كونه اجتماعياً ، حتى نشعر أن (فوج) يمارس الواقع بشكل فنى ، فكأسه من البللور الصافى ، والرواق الذى يمشي فيه ذو نوافذ زجاجية زرقاء تحملها أعمدة يونانية (جـ1 صـ12) . لقد صار الفن موضوعاً لاحتلال الواقع ، فاستدعى في النص حادث الرحلة العجيبة حول العالم في مدة قصيرة. (1-2) استلبت (المصادفة) الحدث الرئيسى في الرواية ، وهو الرحلة وأحالته إلى الهامش ، فقد وضعت أمام السيد (فوج) وموكبه فتاة هندية مقبلة علي الموت حرقاً ، فدفعتهم لإنقاذها في الوقت الذى كان السيد فوج متهماً فيه بسرقة بنك دون أن يدرى . وكأن السيد فوج قد حقق هروبه فى الآخر ، أو (الفتاة) – بالتداعي النصى ، ويؤكد هذا التوجه أن الفتاة تبادلت معه موقعه في نهاية الرواية فأنقذته من الوحدة والسجن (جـ2 – صـ 134) وكأن الحدث الهامشى قد استبدل حادث الرحلة فأصبحت إعادة اكتشاف الذات بواسطة الآخر. (1-3) دائماً مانستشعر أن هذا الحشد من الحقائق والوقائع السببية لم يكن أصيلاً فى ذاته ، وإنما تولد من مراهنات اللعب ، فمراهنات الهويست ولدت الرحلة ، ومبارزة فوج للجنرال في القطار الأمريكى تداعت مع هجوم حقيقى للهنود علي القطار ، وكأننا مازلنا نشاهد اللعبة.
2. جماليات الحقيقة / رغم مصاحبة صوت الراوى لكافة الشخصيات بالوصف والتحليل ، فإن تقديره لنسبية إدراك كل شخص ، يمنح شخصياته وجوداً مستقلاً عن معرفته الشمولية ؛ فالسيد (فوج) يدرك الأحداث من منظور اللاعب و(باسبارتو) رجل طريف ومناضل . أما (فيكس) فيرتب الأحداث وفق رغبته في مكافأة القبض علي سارق البنك. و(الفتاة) الهندية تود الهرب والعيش علي الطريقة الأوربية . إننا أمام لوحة تشكيلية ، يسعي كل لون فيها إلى مساره الخاص ، مختلطاً بالآخر لينفصل عن سيطرة الفنان . ومن زاوية أخرى يقر الراوى النسبية الزمانية علمياً ، بأن السيد (فوج) قد ربح يوماً بالاتجاه نحو الشرق . ألم تكن النسبية المعاصرة تتخيل الوجود وفق آليات الإدراك المتغيرة ؟ . يؤكد (برتراند رسل) هذا المضمون عندما يختلف إدراك الشخص لمكعب متحرك صغير مع منظور المكعب نفسه الذى يظل بحجمه (رسل – ألف باء النسبية – ت فؤاد كامل – هيئة الكتاب 2002) . ولهذا السبب فقد اكتملت رحلة (فوج) من المنظور الغربي بينما تأخرت عن موعدها بمقاييس الشرق (2-2) للحقائق الجغرافية ، والأنثروبولوجية ، أبعاد جمالية في الرواية فتجاور قطار الرحلة مع فيلة وغابات وحيوانات الهند ، يوحي بامتزاج تشكيلي لصور الحياة المدنية والبدائية في تكوين متداخل . (جـ1 – صـ70) . أما احتفالات الإلهة (كالي) فيمتزج فيها الجمال بالطقوس ، فجماجم الموتى ، إضافة لصبغتها الحمراء تعيد تمثيل الموت ، واحتمالاته المستقبلية.
ومثلما كانت الطقوس جمالية بحد ذاتها – فإن جماليات التمثيل والمحاكاة قد تخترقها من داخلها ، وتحل محلها . بدا هذا واضحاً عندما مثل (باسبارتو) دور المهراجا الميت لينقذ الفتاة الهندية من إعدام مؤكد.

محمد سمير عبد السلام
قاص وباحث بالدكتوراه فى النقد الأدبي المعاصر












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا