الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سياسة التقشف.. نظرة أخرى

وسام محمد شاكر

2015 / 2 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


يشهد العراق اليوم أزمة اقتصادية حادة تنذر بأيام وشهور وقد تكون سنوات عجاف هي بالحقيقة نتيجة لسنوات من التيه الاقتصادي وارتباك السياسات المالية والنقدية التي أورثت عجوزات متراكمة ومدورة في الموازنة المالية، إضافة إلى ذلك بقاء الاقتصاد العراقي ريعياً وباتجاه مطرد نحو(الريعية) والاعتماد التام على عائدات النفط الذي يشكل أكثر من (95%)من مجمل صادرات البلد، مما أدى إلى وقوف الاقتصاد العراقي على أرض هشة تتغور وتتأثر تبعاً لتقلبات أسعار أسواق النفط العالمية، وفي علم الإقتصاد لا يمكن حل المشكلة الاقتصادية بطريقة الفتوى أو التجريب أو الاستحداث دون الرجوع للحلول الاقتصادية العلمية المسلم بها، ولعل سياسات التقشف هي إحدى الحلول لمعالجة العجز في الموازنات شريطة أن تكون بشرطها وشروطها لا بطريقة (الذرعة) فمن الضروري جداً الأخذ بنظر الاعتبار نسب معدلات الفقر، ونسب معدلات البطالة، وحجم الطبقة الوسطى من السكان، خصوصا إذا ما سلَّـمنا أن تطبيق هذه السياسة هي سلاح ذو حدين إذا ما استخدم عشوائياً وتعسفياً، فزيادة الضرائب ـ مثلاً ـ لابدَّ أن تكون خاضعة لدراسة واقعية لتحقق إيرادات عامة للدولة دون الدفع باتجاه زيادة نسب معدلات الفقر والبطالة، أو مثلاً خفض الإنفاق الحكومي، فالعراق، على سبيل المثال، هو بالإساس يعاني من قلة وشحة الخدمات الحكومية وفي عدة قطاعات كــ( الصحة، والتعليم، والطاقة، والزراعة، والصناعة ..... الخ ) وهذه لا بدَّ أن تؤخذ بنظر الاعتبار أيضاً عند تطبيق سياسة التقشف، بعبارة أخرى لا يمكن تخفيض شيء وهو أصلاً يعاني من انخفاض، وإذا ما تم ذلك، فلنتصور حجم السخط الشعبي الذي سينتج عنه الفوضى والتصادم، وبالتالي العنف والدخول في مشكلة كبرى في البلد، ومن معرفة المعطيات في واقعنا العراقي نجد أن الحلول تتجه مباشرة نحو كاهل طبقة ذوي الدخول المتوسطة فما دون في حين أن ثقل الموازنة يكمن في حجم الرواتب والامتيازات التي تتمتع بها الرئاسات الثلاث وأعضاؤها ونوابها ووزراؤها ووكلاؤها ومديروها العامون وكبار قادة الجيش والشرطة والحمايات وبعض موظفي الدوائر والهيئات الرئاسية التي لابدَّ من إعادة النظر بحجم ما تستهلكه من أموال الخزينة العامة وبغطاء قانوني هي في الحقيقة نفقات غير ضرورية وهدر مستمر للأموال ما انفك من ابتلاع الأموال المتحصلة عن طريق رواتب ومخصصات وأجور إيفادات وسلف وغيرها، وبالحقيقة إن فقرة الإدخار الإجباري ما هي إلا حركة مجاملة لا أكثر، فهي لا ترمي إلى حل تعضيدي في سبيل نجاح سياسة التقشف المزمع تطبيقها، ولو تخيلنا كم سيكون حجم الوفورات المالية التي تتحصلها الخزينة العامة، إذاما تم تقليص تلك الرواتب والامتيازات مع فقرة الضرائب، هذا من جانب، ومن جانب آخر إن أمام الحكومة فرصة جيدة لرسم وتطبيق سياسة ترشيد الاستهلاك عن طريق وضع معايير للسلع والخدمات المستوردة ووفق حاجة السوق المحلية الفعلية وتفعيل برامج الاكتفاء الذاتي من خلال دعم القطاع الزراعي على أقل تقدير و شجيعه؛ لسد الاحتياج المحلي من المواد الغذائية ومن ثم الشروع بخطة عمل شاملة للنهوض بالقطاع الصناعي عن طريق توجيه الاستثمارات نحو هذا القطاع المعطل منذ أكثر من ثلاثة عقود .
من هذا المرور السريع على حجم المشكلة الاقتصادية في العراق نجد أن من الضرورة أن نخرج من الصفة الريعية لاقتصادنا من خلال إيجاد البدائل المتنوعة وتفعيلها كمصدر إضافي من مصادر الدخل القومي، فنموذج الإقتصاديات الخليجية الريعية وتحديداً السعودي على سبيل المثال بدأ بخوض تحديات كبيرة منذ سنوات؛ لأجل الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المعرفي ووفق خطط ودراسات منتظمة وذلك بعد أن أدركوا حتمية الخروج من نمط الاقتصاد المتكئ على النفط الذي بات لا يؤمن الرفاهية المنشودة لمجتمعاتهم الطامحة للإنتاجية والربحية لا مستهلكة ريعية، وكما هو الحال أيضاً في المملكة المغربية التي تنظم مسودة إصلاحات اقتصادية تهدف إلى تصفية الريع والاتجاه بدفة الاقتصاد نحو الإنتاج وزيادة تنويع مصادر الدخل القومي، إذاً الفرصة سانحة إذا صدقت نوايانا وبسياسة تقشف عادلة دون الإيغال في سحق طبقات المجتمع نستطيع أن نجتاز مشكلة العجز ومن ثم فتح آفاق جديدة؛ لتأسيس مناخ نقي لاقتصاد إنتاجي معرفي قادر على تحقيق التنمية وبتالي الرفاهية التي هي الهدف المنشود لكل المجتمعات في العام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة