الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نضوب

فيحاء السامرائي

2015 / 2 / 19
كتابات ساخرة


(1) هاتف محمول

تعود ملكيتي لشاب يفتخر بي وبحداثتي وجودة تقنياتي..يكرّس جلّ وقته لي إرسالاً واستقبالاً..يقضي يومه لاهياً بألعابي المسليّة وبألحان أحسن في خزنها، أو متصلاً بأصدقائه ومثرثراً بمواضيع تتفاوت أهميتها وجديتها ومصادرها، وطالما يختم اتصالاته بقهقهة لامبالية..يلتقط من خلالي صوراً لنفسه، صوراً يكون فيها مبتسماً وأحياناً متأملاً، يرسلها عبر صفحته في شبكة الإنترنيت الى أصدقاء له فيحظى راضياً بلقب "منوّر".. لايتخلى عني حتى عندما يذهب لفراشه، فأغدو أنيسه ورفيقه الأوحد الذي لايمكنه الاستغناء عنه، لدرجة أصبحت فيها أشكّ بمبدأ الملكية ومن يمتلك من، بعد أن أتسيد عالمه مغموراً بشعور الزهو، ومع ذلك كنت أتمنى لو ألتقط صوراً لأشخاص أجمل من صاحبي ذي الأنف العريض.
لكن ما حدث لي في ذلك اليوم المشؤوم، تسبب بانكسار شاشتي وزهوي، وتحطيم ثقتي بنفسي ومن جدوى وجودي، ولاريب أن السبب يعود الى مبدأ الملْكية.
في يوم حار مشمس له تأثير سيء على معدني، يحملني صاحبي في يده للفت انتباه الآخرين في شارع ازدحم فيه ناس وكثر في مجاله لغط، والسبب كما التقطته سماعتي، يعود الى أن صاحب أحد السيارات أوقف سيارته في مكان يعود لصاحب سيارة آخر من الجيران..تبادل الطرفان اتهامات وعلا صياح تطور بعد ذلك الى شتائم..راح صاحبي يضحك لطرافة الحدث ويتصل بصديق له مبلّغاً عن سبب تأخيره عن لقائه..راح يصوّر ما يجري أمامه متباهياً بسبقه الصحفي ومفكّراً بعدد أصدقاء يضعون علامة إعجاب على الصور في صفحته الخاصة على الفيس بوك..ألتقط مشهداً لرجال بـ " دشاديش" بيضاء تشتم بعضها البعض، ولأطفالٍ يتنططون ويرمون حجارة على بعضهم، ولنساء يخرجن من ديارهن ويتبادلن سباباً وكلمات بذيئة..أواصل أنا عملي بحزن، فأخزن فيديو من أرض المعركة التي تطورت الى حدّ أبعد من الكلام حينما راحت النساء تتشابك بالأيدي بعد الرجال والأطفال، وتدافع الجمع نحو منتصف الشارع، مثيرين أتربة وأصواتاً زاعقة ناعقة أثّرت على ذبذباتي..وما أن اقترب صاحبي من أرض المعركة لأجل تصويرٍ أمثل للمشاهد القتالية، حتى دخل أحد الرجال داره وأخرج بندقية محشوة بالرصاص وأخذ يطلق النار عشوائياً.
لم أفق من الصدمة الّا وشخص آخر غير صاحبي يحملني ويخفيني في جيبه وأنا مكسور الشاشة ومثلوم الإطار، ومندهش من حال بشر يمتلكوني في هذه البقعة من الأرض.

*****************
(2) مقهى

وجوه غريبة تطوف بين مقاعدي من حين لآخر، سحنات متجهمة، شعر كثيف ولحى غير مشّذبة، ترتدي ملابس سوداء غير مألوفة وترطن بلكنات ولغات غريبة، بينها عرب من بلدان عربية وأجانب من بلاد بعيدة، وعرب عراقيين وأكراد وتركمان وأزيديين أعلنوا اسلامهم وأبناء قرى وأرياف، يتعاملون مع الآخرين بصلافة وخشونة، ويضايقون زبائن ترتادني من أهل هذه المدينة، اعتادوا على المجيء هنا منذ زمن، وفي الخصوص عند أوقات الصلاة، حين يجبرونهم على ترك كل ما بيدهم من أعمال للذهاب الى المساجد وأداء الفريضة، أو يقرّعون زاجرين شباباً يتسلون بلعبة دومينو أو ورق أو نرد.
عند احد الطاولات، يجلس شخص متحدثاً عن ابنه لزميله:
- ولد عاق، ما يسمع كلامي
يشكو الأب من جحود ابنه وتصرفات له، لاتليق بولد مسلم..يرفع صوته كلما يمرّ الغرباء، ليثبت لهم مدى تشبثه بدينه الحنيف وتعاليمه الأصيلة السمحاء:
- كافغ، يحفّ شعغ وجهو بالخيط
من راديو على رف صغير في أحد جدراني، يعلو صوت مقرئ يتلو آيات من القرآن برتابة ويتبعه منشد يردد أناشيد تدعو لتطبيق تعاليم الاسلام وإرشاد الناس دينيا وحثّهم على الالتزام بالشرع، في حين يدخل فيه شباب ملتحون حاملين صحيفة منسوخة عن موقع ألكتروني أسمها " دابق"، يتصدرها مانشيت عريض يبرر سبي النساء الأزيديات، وتشيد عناوين أخرى الى انتصارات عديدة في غزوات يومية على الدولة الصفوية، ودعوات للجهاد والتجنيد الإلزامي..يضع الشباب الصحيفة مع مناشير إعلامية أخرى على الطاولات بتحدٍ ظاهر، فيتجنب الزبائن دلق كاسات الشاي عليها، بينما يرفع الأب صوته مرّة أخرى حينما تتوقف سيارة رجال الحسبة أمامي قائلا بأنه يطبّق في بيته الشريعة بحذافيرها، ويجبر ابنه على ترك شرب الخمر وسماع الموسيقى:
- شاب طايش، الـله يهديه
ينظر الأب بعينين وجلتين الى مسلحين حوله يصغون الى ما كان يحكي، سرعان ما يسملّون على الجالسين ويغادرون نحو الشارع، فيودعهم بأحسن تحية:
- غافقتكم السلامة..شباب مسلم، والنِعم..أكيد غاح أسوّي ابني مثلكم.
يتساءل أحد الزبائن عن إمكانية توفر " نرگيلة "..يضحك البعض، بينما يبدو البعض الآخر بوجه مغموم..يتهامس اثنان بأمور تخصّ سفراً ووسائل اتصالات..يسود صمت سحيق في انتظار موعد صلاة الجمعة وخطبتها وما تصدر حينها من تعليمات وقرارات جديدة للدولة الاسلامية.
في شارع قبالتي، تغزو أعمدته أعلام الخلافة السوداء، تمرّ مجموعة منقبات بعجالة، تلحقهن سيارة " الحسبة" يعتليها مسلحون بعتاد خفيف لتصحب إمرأة مهمتها العضّ، تفتّش نقاب نساء المدينة وتتأكد من خلّوه من مظاهر الزينة كالدانتيلا أو الخرز، يكلفها الرجال المسلحون بمهمة معاقبة كل من تتزين أو من لم تتنقب بشكل جيد، فتقوم العضّاضّة بعضّها من مناطق مختلفة من جسمها بحسب حجم " التهتك".
بصرامة وافتخار، يرجع رجال مسلحون كانوا قد غادروني قبل فترة وجيزة، ويحمل أحدهم بيده صرّة قماش في داخلها شيء ما، ويتوجه نحو ركن يجلس فيه الأب.
يطرح ما بداخل الصرّة على الطاولة قبل أن يشاهد الناس الأب وهو يقع أرضاً مغشياً عليه:
- هذا رأس أبنك الكافر، عاقبناه حسب ما تأمرنا به شريعتنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟