الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن اليسار الغائب والأصولية الناشطة

سلامة كيلة

2001 / 12 / 15
اخر الاخبار, المقالات والبيانات



أظهرت الحرب الاميركية الاخيرة، المسماة الحرب ضد الارهاب بأن تحوّلاً عميقاً قد حدث في جبهة القوى التي تناهض الرأسمالية، وتسعى للتحرر والاستقلال. حيث بدت القوى الاسلامية الاصولية وكأنها ((المحارب الجادّ)) ضد الولايات المتحدة، والمتصدي لكل مخططاتها، لكن في اطار ايديولوجي مختلف، لتبدو الحرب وكأنها حرب دينية (او حرب صليبية حسب التعبير المفضل لكل من بوش الابن، وبن لادن)، وليبدو الصراع العالمي وكأنه ((صدام حضارات)) حسب التعبير المفضل لصاموئيل هنغتنتون. فقد تحول هدف الصراع الى صراع ضد الشر (وهذا تعبير مُستلهم من الدين المسيحي) الذي هو الارهاب، حسب تعبير بوش الابن، وصراع ضد الالحاد حسب بن لادن. لنغرق في معمعة تصورات لا تمت بأية صلة لما كان يطرح منذ زمن قريب، وبالاساس لا تمت بأية صلة لطبيعة الصراع الواقعي، بل انها تموه عليه، وتضلل فيه، وبالتالي لا تسمح له بان يتحول الى صراع حقيقي، صراع يقود الى نتائج واضحة تخدم الشعوب وتسمح في تحقيق تقدمها.
لقد توضّح الصراع اذن وكأنه صراع بين ((الخير والشر)) حسب تعبير بوش الابن، او بين ((الايمان والالحاد)) حسب تعبير بن لادن، ولا شك في ان كلاً منهما يفضي الى الآخر، وبدا وكأن القوى الاسلامية هي قوة المواجهة والرأسمالية، وأنها المعنية بتحقيق الانتصار مع الولايات المتحدة. بينها بدا وكأن اليسار تعبير لا يعني شيئا، ربما سوى التكيف والسيطرة الاميركية (العولمة)، او انه تعبير بات من الماضي، لهذا حلت صورة بن لادن محل صورة غيفارا، لكن ايضا محل صورة ماركس وانجلز ولينين...
لهذا بات السؤال المطروح هو: هل انتهى اليسار؟ او هل يمكن ان يعود اليسار كقوة مواجهة؟ ان قوة اليسار نبعت من كونه قوة المواجهة الاولى للرأسمالية، وحين فقد الاساس الذي كان يجعله كذلك تلاشى.
ان ربع قرن من الانهيارات افضى الى تلاشي قوى اليسار تقريبا، حيث انهارت حركات التحرر القومي بعدما حققت انجازات محدودة، وانهارت انظمتها بفعل تفككها الداخلي وكما انهارت المنظومة الاشتراكية بعدما اسهمت الاشتراكية في انتقال المجتمعات التي انتصرت فيها الى مصاف الدول الرأسمالية المتقدمة، لتبدو كأنها حققت ما حققته الرأسمالية في المراكز، وما عجزت الرأسمالية المحلية عن تحقيقه في بلدانها. واقصد التصنيع والتحديث. ولقد انعكست هذه الانهيارات على مجمل الحركة المناهضة للرأسمالية، فانهارت معظم قوى اليسار وتلاشت، او هزُلت.
هذا التلاشي كان هو المدخل لتصاعد ((الموجة الاصولية)) وتحوّلها الى قوة فاعلة، مدعومة من الرأسمالية العالمية والرأسمالية المحلية التابعة. فكان هذا الصعود جزءاً من عملية التصفية التي بدأت لحركات التحرر القومي وللاشتراكية. لقد دعمت هذه الموجة من قبل القوى المحافظة في الداخل، لكن ايضا من قبل الدولة الاميركية، التي كانت تسعى لتصفية اليسار كونه يسعى لتحقيق اهداف تتناقض ومصالحها (مثل الاستقلال وفك الارتباط، والتصنيع ودور الدولة في المجال الاقتصادي...)، وينطلق في صراعه من الاساس الحقيقي (الصراع الاقتصادي والصراع الطبقي). لهذا سعت كذلك لتحويل اشكال الصراع من ذاك الذي يطرحه اليسار وطرحته حركات التحرر القومي، الى شكل آخر يغرق في التمييز الديني والطائفي والاثني، ويؤسس لمفهوم (صدام الحضارات))، لكنه يفضي بالاساس الى تهميش قوى الحداثة، ويدمر مواقعها.
لكن معركة الرأسمالية ضد اليسار يجب ان لا تحجب مشكلات اليسار ذاته، وهي المشكلات التي افضت الى ان يتلاشى، ولان تفرض الازمة، التي تعيشها المجتمعات نتيجة النهب الامبريالي، الانسياق وراء قوى ظلامية تشوه طبيعة الصراع وتحوله الى مهزلة. ان ازمة عميقة حكمت قوى اليسار جعلتها تنحدر وتفقد دورها الحقيقي، وهذا ما يفرض البحث في مسار اليسار، وفي تكوينه ومشكلاته. لكن السؤال الضروري هنا، يتحدد في: كيف يمكن ان يعود لليسار دوره؟ كيف يعود لقيادة الصراع ضد الرأسمالية، من اجل التحرر والتقدم؟ وما يفرض ذلك، هو تفاقم الصراعات في اطار النمط الرأسمالي العالمي، وإندفاع الشعوب الى المواجهة.
ان مهادنة الرأسمالية، والتكيف معها كان في اساس انهيار اليسار، عبر فقدانه شعبيته، حيث سيبدو ان مبرر وجوده ومكمن قوته هما الصراع ضد الرأسمالية، والسعي من اجل العدالة والحياة الافضل، وبالتالي فإنه يتلاشى حينما يتخلى عن ذلك، وكان ((التعايش السلمي))، و((دعم الرأسمالية))، ومن ثم الترحيب بالعولمة، مداخل هامة لتلاشيه، لان الرأسمالية لا تني تعمّق من التناقض، وتزيد من إفقار الشعوب، ونهب الامم، وبالتالي تزيد من حدة التناقضات، وتعمّق من رفض الشعوب لهيمنتها، ولن يكون لليسار دور الا اذا اصبح الفاعل في هذا الرفض، والقائد لحركة الشعوب في صراعها والنمط الرأسمالي العالمي. هذا هو موقع اليسار لكي يكون فاعلا، ولكي يفرض نفسه كقوة حاسمة.
ولا شك في ان تشوش المفاهيم حول طبيعة الصراع العالمي، يفرض تأسيس الرؤية الواضحة، حيث ان هذا الصراع ليس صراعا دينيا، ولا من اجل نشر الحضارة، بل انه صراع طبقي ضد الرأسمالية، كما هو صراع من اجل الاستقلال القومي، والتطور المستقل، والتحديث. فالرأسمالية لا تخوض صراعا الا من اجل مصالحها ولا شك في ان هذه الفكرة الماركسية قد غدت واضحة الى حد بعيد وهي (الرأسمالية) تخوضه من اجل الربح الذي هو ((ديونها))، ولهذا فهي تسعى الى النهب، والى امتصاص فائض القيمة من كل المجتمعات، وتصدّرها الى المركز، كما تسعى الى ((فتح الاسواق)) والى السيطرة على المواد الاولية. وهي في كل ذلك تستثير الطبقات والشعوب، وتؤسس لنشوء تناقض عدائي بينها وبين هؤلاء. هذا التناقض العدائي هو ما امسك به اليسار، وما امسكت به الحركة الماركسية، واعتبرت انها القائدة لأحد طرفيه، واقصد الطبقات الفقيرة والشعوب المضطهدة.
لهذا تجب العودة الى المفاهيم الاولية، والى المبادئ التي تجعل اليسار يسارا وبالتالي يجب التخلي عن الاوهام التي قادت الى ((الاستسلام)) لمنطق الرأسمالية، وبالتالي للرأسمالية ذاتها.
ان عودة اليسار تتطلب اولا العودة الى التمسك بالصراع ضد الرأسمالية، وبالتالي تتطلّب ثانياً العودة الى وعي طبيعة الصراع، ووعي آفاقه. فهذا هو الشكل القادر على المواجهة الجادة وعلى تحقيق التطور، والتكافؤ على الصعيد العالمي.
() كاتب فلسطيني مقيم في سوريا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كير ستارمر -الرجل الممل- الذي سيقود بريطانيا


.. تحليق صيادي الأعاصير داخل عين إعصار بيريل الخطير




.. ما أهمية الانتخابات الرئاسية في إيران لخلافة رئيسي؟


.. قصف إسرائيلي يستهدف مواقع لحزب الله جنوبي لبنان | #رادار




.. سلاح -التبرعات- يهدد مسيرة بايدن في السباق الرئاسي! #منصات