الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بكارة شرف و انوثة عائشة ( الجزء الثالث )

الرفيق طه

2015 / 2 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


بكارة شرف و انوثة عائشة الجزء الثالث


منصف شاب عشريني ، طويل القامة ، قوي البنية ، ابيض البشرة ،حليق الشاربين و اللحية . مميز بين اقرانه ، في حركاته و سكناته و في طريقة كلامه . انيق في ملبسه . غاب عن القرية منذ مدة للدراسة ، لا يعود اليها الا ناذرا و في العطل المدرسية . كان طيب الخلق و جميلة الخلقة . متميز بتعامله مع اهل القرية شيبا و شبابا .
منصف قليل الكلام ، و ان تحدث ، كلامه موزون و الفاظه ثقيلة دالة لا تخلو من حكمة . لذلك فالكل يكن له الوقار و الاحترام . بما ان مقامه قصير دائما بين احضان عشيرته ، فانهم لايعرفون عنه الكثير.
كل فتاة بالقرية بقدر ما فرحت بخطبة عائشة بقدر ما عبرت عن استغرابها و تعجبها لما حدث . كيف لعائشة ان يكون لها هذا الحظ الابيض . هي الثيب تتزوج من عازب . ليس اي عازب ، بل الطف و افضل شاب في القرية . كل واحدة منهن تتمنى لو كان من نصيبها .
هو الشاب الوحيد الذي تخطى بدراسته كل الاقسام المتوفرة في المنطقة و تابع دراسته بالجامعة في احدى المدن الكبرى . صحيح ان اغلب شبان القرية يعودون من المدن في عيد الاضحى ، لكنهم جميعا يعملون في البناء و حرف اخرى . او يعملون بالجندية . وحده منصف ياتي بحمولته العلمية و يفتخر به اهل القرية لانه سيصبح يوما موظفا .
البعض من الاهالي يتحدث عن منصف على انه اكثر ثقافة من رئيس الدرك المعروف بالطاروسي ، و الذي يرهب اهل المنطقة عامة . بل يدعون ان الدولة اقترحت على منصف منصب دركي و رفض كما رفض منصب شرطي . و لازالت تفاوضه على منصب يرضيه . اما لحسن بن اليمني فاقسم ان منصف لو اراد منصب قائد مثل " القايد بلغياث" لحصل عليه . و لكنه يريد شيئا غير معلوم . ويؤكد خاله ان منصف ،ابن اخته ، حصل على اعلى نقطة في دول افريقيا و العرب . واردف قائلا الله ا حفظو من عين البشر . اما احمد بن سالم ، الحاصل على شهادة الابتدائي ، فقد اكد ان منصف يدرس الفلسفة ، مستنبطا حكمه هذا بشبه عزلة منصف عن اقرانه و مراقبته الدائمة لشروق وغروب الشمس و هذه ميزة الفلاسفة . و اردف القول بانه راه يوما وهو يحدث نفسه . اما مقدم القبيلة فلديه البرهان ان منصف يمارس السياسة . فقد راه بام عينيه ، التي ستاكلهما الديدان ، يقرا الجرائد . وقد نصحه مؤخرا بالابتعاد عن هذه الاشياء ، قبل ان تعلم السلطات ذلك فياتي بالبلاء للبلد و العباد . و قال اخرون انه يكتب الشعر لذلك على الناس الا يتبعوه حتى لا يكونوا من الغاوين .
اما ابوه فان سئل عن تخصص ابنه فيجيب ان ابنه منصف يدرسه اساتذة بالمكروفون في اقسام كبيرة تحوي الاف الطلاب . و زملاؤه في الدراسة رجال و نساء يحلقون اللحى و يرتدون السراويل الطويلة . كما ان مدرستهم التي تسمى الكلية ليس فيها رقيب على الدخول و الخروج و لا على الحضور و الغياب . كما ان المعلمين الذين يدرسونه يتكلمون في الاذاعة و لهم كتبهم الخاصة و رواتبهم بالملايين .
اما ام منصف ، و و خوفا من العين و الحسد ، فتؤكد ان منصف مسكين اصيب بشيء ابعده عن الدراسة و مستواه تراجع كثيرا عما كان من قبل . وان هناك عدة شكاوى تصلهم من المدينة ارتباطا بدراسته . و ان ما تنفقه عليه الاسرة يذهب سدى ولاحول ولا قوة ، و تتمنى له الهداية .
هذه المرة عاد منصف لقريته استاذا بالمدرسة . رغم انه يتابع دراسته في سلك الدكتوراه . كان غريبا في قريته رغم انه هنا تربى و ترعرع , لا يختلط كثيرا بالاهالي . يراه الناس بعيدا عن القرية وحيدا يصاحب مذياعا صغيرا صباحا و مساء . تستهويه لعبة الكون ، شروق الشمس ثم غروبها .
خطبته لعائشة اثارت استغراب جل اهل القرية كبارا و صغارا ، اناثا و ذكورا .
بعض الماكرين من الرجال قالوا ان منصف لا يستحق العازبة لذلك اختار الثيب . اقترف ذنبا و اراد التكفير عليه . اما بعضهم فقال انه مسحور و يتصرف دون ارادته . فيما قال اخرون انه العاقل الذي عرف كيف يغطي العار عن اسرته . كما ادعى اخرون ان زواجه من عائشة ليس الا صفقة تجارية ، حيث سيعقد على عائشة مقابل قطعة ارض ورثتها ام عائشة و بعد ذلك يطلقها . اما بعض العارفين بسر العملية فيستنكرون كل الادعاءات و يؤكدون ان زواج عائشة في المرة السابقة كان في غفلة من اغلب شباب القرية و منصف واحد منهم . كما ان كل واحد منهم مستعد للتضحية بكل شيء للفوز بعائشة زوجة له . و اكدت هذا الامر الحاجة الهاشمية ام الراضي حيث قالت ان ابنها اقترح عليها تزويجه من عائشة و الرحيل بها الى دكالة بعيدا عن اعين و السن اهل القرية .
منصف ، الشاب الكتوم ، يزور بيت عمه كل يوم كاحد ابناء الاسرة . عائشة يسرها حضوره . هو الشاب الوحيد الذي تحدى نظرة الناس و اقاويلهم و يدخل بيت اهل عائشة . الكل يقاطعهم و يعزلهم لان ابنتهم مثار شبهة .
كل يوم يتسع مكانه في عيني عائشة و تترسخ صورته و حركاته و ايحاءاته في ذاكرتها. اصبح جزءا من يومياتها . كلما دق احد على الباب ظنته هو . كل اصوات الرجال في اذنها صوته . لكنها حين تختلي بنفسها على سطح البيت تجد ذاتها بين شخصين ، احدهما ماض و لم يغادر و اخر حاضر و لم يصل .
تحاول نسيان الراحل لكنه يسكن بين اضلاعها بزمانه و مكانه و قساوته و خذلانه . تغمض عينيها لعل شبحه يغيب من امامها، لكنه حاضر و لا يغير سوى حركاته . تتابع الطيور محلقة في الفضاء لعله يرحل ، لكنه يتعنت ، كل زمانه و مكانه يعود بفرحه و الامه و عنفه . تحاول النسيان لكنها ضعيفة امام تذكره شخصا و معاناة .
منصف حاضرها يستبد بعقلها و جوارحها و ينسيها جراحها و الامها و احزانها . لكن الخوف من عودة الظلم و الخديعة يراودها كلما استحضرت الرجال .
في البداية كانت نظرات و كلمات منصف لعائشة لا تحتمل اكثر من تفاعل الاخ لاخته ، هذا ما تشعر به الزاهية . ربما لان عائشة ثيب و منصف عازب ، و في القرية لم يسبق لعازب ان تزوج من ثيب . او لان علاقة الزاهية بام منصف لا تحتمل المصاهرة ، بل ان الزاهية كانت حريصة الا ترضع ام منصف احدى بناتها لمنع اي مصاهرة ممكنة .
حين طلب منصف يد عائشة ، حسبته الزاهية مستهزئا ، لكن بعد اصراره و تدخل مي رقية انشرحت و تقبلت الامر بسرور ، خاصة حين عبر عن تحديه لكل شيء يمنعه من عائشة زوجة له .
مي رقية تكفلت بام منصف لنيل رضاها على زواج ابنها من عائشة ، باقناعها حفاظا على سعادة منصف . لكن حين ايقنت مي رقية ان طريقتها غير مجدية مع ام منصف ، هددتها بافشاء سر كتمته منذ ليلة زفافها و لا يعرفه احد الا هما وحدهما .
ما كان على ام منصف الا الرضوخ و تثمين الزواج و تسهيله و توفير كل ما يمكن لمروره في احسن الاحوال و الظروف .
اسرة عائشة لم تكن مخيرة ، مي رقية قررت و حددت وقت الزفاف ، و لما لا ؟ و منصف شخص تتمناه كل فتيات القرية . هو المتعلم اللطيف الطيب .
اما عائشة فبقدر ما كانت مرحبة بالخطبة بقدر ما خافت ان يكون حظها كما كان في المرة السابقة . خاصة انها تشعر بشيء ما يربطها بيوسف . ربما تتمنى لو اعيدت لها الفرصة لاخذت ثارها ، و فضحت ضعفه امامها للناس . لكن لا خيار لها ، انها كمن فقد زورقه وسط المحيط . لا يملك الا التشبت باي شيء امامه . لهذا فزواجها من منصف خيارها الصائب .
تم الزفاف في صمت و دخل منصف بعائشة . استفاقت القرية على زغاريد مي رقية و العمة السالمية . استدعيت نساء القرية على الفور لفطور العروس . وضع سروال ابيض عليه نقط حمراء امام الحضور .
بعض النساء رحبن بالخبر و زغاريدهن تدل على فرحتهن . اما البعض من الحاضرات فقد تمتمن فيما بينهن خلف الحجاب ، قالت احداهن ان الحمرة صباغة و اخريات اكدن ان الحمرة دم لكنه ليس دم البكارة . و تناسل كلام الخبيثات خاصة اللواتي تعود اصولهن لقرية يوسف يكذبن عذرية عائشة .
انتشر الخبر كالنار في الهشيم ، واصبح اكيدا حين عبر منصف امام الشبان من اقرانه و برزانته المعهودة عن يقينه ان الذي تزوج بعائشة في المرة السابقة لم يكن قادرا على المهمة ، او اراد بها شرا . لذلك فان عائشة كانت و بقيت عذراء كما انجبتها امها .
مي رقية لم تكتف بنشر الخبر في قريتها بل ذهبت عنوة لقرية يوسف و زارت عائلات هناك و اخبرتهم ان عائشة انكشفت عذريتها .
عائشة تستغرب لعالمها ، احواله و اطواره . يوسف لطخ جسدها و فضح سرها و جعلها اضحوكة و مثارا للسخرية . و منصف لم يمسس جسدها حتى بانامله ، لكنه صبغ السروال بدم فخذه و نشره .
و بقدر ما كانت سعيدة بتعامل منصف بتدليلها و ملاعبتها ، بقدر ما بدا الشك يخالجها حوله . يومين كاملين لم تر منه غير ما يضحكها و يلهيها و يؤنسا من النكت و الحكايات . طيلة اليوم منصف يلعب مع عائشة لعب الاطفال ، مرة بالحركات و اخرى بالكلمات ، لعبا لعبة الستة (6) داخل الغرفة رسمها يوسف بالطبشور. و لعبة الغميضة . لم يسمح بخروجها من الغرفة ، كان خدوما موفرا لكل حاجياتها ، يغسل يديها و رجليها ، بل اطعمها بيده . تشعر و كانها ولدت من جديد ، كل العطف و الحنان ، بالابتسامة و الكلمة الطيبة و الدلع الزائد . لم تعتقد ان من الرجال من يخدم زوجته كما هو منصف . لكن الشك يسري في دواخلها من عدم لمسها . هل هو ضعف ام شيء اخر .
مي رقية خارج الغرفة لا تتوقف عن الحركة بظهرها المقوس و رجليها الحافيتين . كلما سمعت صوتا من داخل الغرفة اقتربت من الباب تنسط له . سمعت ضحكات عائشة و اعتقدت انه المس الذي اصابها . في كل مرة تغير البخور بتغيير محتوى اكياس بها اعشاب و اشياء اخرى ترمي بها في النار . كثافة الدخان تخنق منصف و عائشة داخل الغرفة و الروائع تزكم الانوف . و قبل ان ينقضي فصل من البخور تجلس تحسب عقيق تسبيحها و تردد كلامها المبهم .
اليوم الثالث بدات عائشة تشعر ان يد منصف تلامس جسدها بلطف ، تداعبها بحنان ، تشعر بجسدها و نفسها يستجيبان لحركاته . و دون سابق احست انها تبادله الاحاسيس جسدا و روحا . في احدى اللحظات احست ان منصف بدواخلها انغمس في عمقها اصبحت تضمه ، هي الكل و هو الجزء منها . احتوته فاصبح هو الجوهر و هي القشرة . هو اللب و هي الثمرة ، رحلا معا ، رحلا عاليا في السماء . تحررا من المحيط . يسبحان بين الغيوم . تخلصا من كل الوجود . وحدهما في الاعالي ، ركبا امواج المطلق و انفلتا من العدم ، ....
تداخل الزمان في المكان و تشابه الكون و العدم ، و اختلط الحب بالالم . كل العالم تركز هنا و في هذه اللحظة . لم يعد هنا شيء غيرهما على الارض و السماء . و سرعان ما نزل منطادهما دون ربان ، وحدها الاحاسيس قادته الى حيث عاد . وجد الواحد منهما نفسه وحده امام عشيقه .
احست عائشة في منصف بذكورة الرجال و رجولة الذكور كما لمس منصف في عائشة انوثة النساء و انسانية الانوثة
سي محمد طه 20 فبراير 2015 بالدار البيضاء
يتبع بجزء رابع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران.. محمود أحمدي نجاد يتقدم لخوض سباق الترشح لنيل ولاية ر


.. تقارير تتوقع استمرار العلاقات بين القاعدة والحوثيين على النه




.. ولي عهد الكويت الجديد الشيخ صباح خالد الحمد الصباح يؤدي اليم


.. داعمو غزة يقتحمون محل ماكدونالدر في فرنسا




.. جون كيربي: نأمل موافقة حماس على مقترح الرئيس الأمريكي جو باي