الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجميع المياه

حسين سليمان- هيوستن

2005 / 9 / 16
الادب والفن


سأخرج من هذا العالم من دون موت!
ما أتعسك أيتها الحروف، أيتها الأوتوماتيكية البطيئة، فأفكار الرأس المشتعلة السريعة تتعثر على أحجارك وتموت في شباكك.
شباك زنجي عجوز في عرض البحر في قارب يقطع أفريقيا كلها. البحر الذي يهبط ويخر بحكم الجاذبية ويمر جانب مضيق باب المندب. كل مرة يلقي الشباك على ما تطول ذراعه وهو يصوت "هه " فيرتج القارب ويموج البحر. يلبس الزنجي قميصا داخليا ابيض وبنطالا مرخى عند الوسط نازلا إلى وركه. ويدور حول العالم في ثمانين يوما وينتظر الفرصة من اجل اصطياد الموبي ديك الأبيض. في كل مرة حين تأتي الفرصة ولا يستغلها في كل مرة ينفض يديه محبطا ويقول إنه لن يصطاده فهو شيطان يقيم مرة في قاع المياه وينفث مرة أخرى دخانه الأمريكي فوق السطح وفي كل مكان فأراضيه وحريته واسعة.
يكاد الزنجي يعود من حيث أتى لأنه يشعر بشوق ولوعة. لكنه لا يفعل لأنه ضيع طريق العودة.
في ليل أفريقيا. يشذب لحيته البيضاء على قصة تعود إلى أربعة قرون حين كانت أفريقيا دنيا خصبة. يتتبع شجرة العائلة التي جذورها وأغصانها حالة خيالية وحشية فهي قادمة من أحلام وطقوس نارية لا ترقص حولها الأجساد بقدر ما ترقص الأخيلة الرمادية وكالأشباح سهام في أيديهم ويقذفونها نحو المجهول حيث لا مستقبل ولا ماضي ولا حاضر.
أفريقيا التي كسرها الزمن.
والجوع الحاضر وقلة الأمطار وقلة النعمة. وكثرة الذباب.
لكن أصبروا فهو مازال في قاربه ينتظر الفرصة. يقيس عمق المياه بمجذافه: أين هي الأرض. بعيدة وعميقة. حيث المياه هنا. في كل مكان مياه يا هذا. وأنت نازل في المياه ... عما تبحث وأصلك منه؟
قالت رامة: لا أحد يحب أفريقيا، وأنت لا تفهم ماذا أعني!
تلتفت نحو اليسار. تطأ عتبة الباب بقدمها، بالبوط الرياضي الأبيض "فانا لم ألبس بنـّاتي منذ سنوات". في يدها سكين، وتلتفت نحو اليسار بحركة غير إرادية.
سيجمع بابا بقاربه كل سمك الدنيا، وسيعود محملا بالكنز وبالأكل.
"سيخرج الدخان. ونشغل المروحة". دخان الشواء ومروحة المطبخ النابذة فهناك دخان شواء في الليل يا رامة ورائحة هدى ومياه سائبة تسري مثل الثعابين فالمياه كما تعلمين غير آمنة. دخان كما هو حال الفخذين عند الورك والبنطال النازل قليلا يرينا شق البدن الإنساني. كلمة "الإنساني" تنكتب دوما عندي "الغنساني" ولا أعرف لماذا يتم تحريف العملة وتغيير خطوط القطار الذي كان يقطع ولا يقطع! أسمع صوته وأرى دخانه القادم من بعيد. قطار " السانا في Sana Fe يرقص رقصته البذيئة ويلمس كل أزراره.
من بعيد. الزنجي. كي يصطاد. "هه" يقذف من فمه البدائي أشياءه للصيد المائي في محيط يمتد ويحيط بالأرض التي ستغمرها مياه نوح مرة أخرى. الأخبار: الترجمة الحرفية هي "كسر الأخبار" حيث مدينة "نيواورليانز" تغرق في مياه "كاترينا" القادمة بقوة 5 . قالوا من زمان أن رصيف المحيط سينكسر ولن يحتمل "الهوركين" خاصة إن كان بقوة 5 والمياه الأصلية التي اجتمعت هناك ستغرق المدينة. ويروح الزنجي ويروح سمك القرش والثعابين وتروح التماسيح تسبح في شوارع المدينة. محافظ المدينة الغاضب يقول: ستحملون مؤخراتكم إذن وتقومون للعمل فالإنقاذ الأمريكي لن يأتي.
ينفض يديه، في قاربه الطويل. يسبح. فمن العيب أن يعود بخفي حنين، على الأقل سمكة واحدة. يحمل سمكة صغيرة ويضعها في قفص من عيدان. يفكر أن رامة ستفرح حين يضع القفص على طاولة السفرة ويقول ببريق عينيه: "هذا هو صيدنا يا رامة".
قفص لا مياه فيه فكيف ستعيش السمكة؟ والمطبخ. ستنتبه رامة حيث لا مياه في القفص: هذا قفص قصب وعيدان فكيف نجمع فيه الماء يا بابا؟ فيفكر الأب: أن مقدار الرحلة وطول السفر كانا من دون نتيجة، هكذا كل شيء قد ضاع وراح هباء وكأنه رياح مرت فقط. أي يريد أن يقول "ذهب مع الريح".
لكن السمكة ظلت حية في باطن القفص. إنها معجزة. معجزة الهواء الذي سيتحول ماءً من أجل السمكة. هكذا تقول، إنها بالفعل معجزة أفريقية يا بابا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جائزة العين الذهبية بمهرجان -كان- تذهب لأول مرة لفيلم مصري ?


.. بالطبل والزغاريد??.. الاستوديو اتملى بهجة وفرحة لأبطال فيلم




.. الفنان #علي_جاسم ضيف حلقة الليلة من #المجهول مع الاعلامي #رو


.. غير محظوظ لو شاهدت واحدا من هذه الأفلام #الصباح_مع_مها




.. أخرهم نيللي وهشام.. موجة انفصال أشهر ثنائيات تلاحق الوسط الف