الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لايليق بالقصيدة أن تكون مسكنا للقتلة

عبدالله مهتدي

2015 / 2 / 21
الادب والفن



لايليق بالقصيدة أن تكون مسكنا لأسماء القتلة

في قصيدة"سيرة غياب"،وأكاد أقول"سيرة حضور"،حذف وتشطيب كثير،طرأ على المادة الخام التي لم تعد أن تكون فيها القصيدة سوى مجرد شهقة طرية في لحظة انفعال باذخ بواقعة وفاة المناضل الإنسان أحمد بنجلون.
الحذف والتشطيب جزء من الممارسة الإبداعية،وعلبتها السوداء،وفي مجال القصيدة،هي جزء أساس من تاريخها السري،فللقصيدة أسرارها الصغيرة الغائرة في وجدان النفس وفي وجدان الكتابة معا،تكتبها الحواس ،ويكون على الجسد أن يصبح ترجمانها الوفي أو اللاوفي،وهو يحولها على أي شيء إلى مادة قابلة لأن تمنح ضوءها ،وأن تهب ماءها الماطر من سقف العواطف.هكذا تكون القصيدة ويكون الحذف والتشطيب جزءا من ذاكرة النص ومن تاريخه. كأن تشذب حرفا من هنا،وكلمة من هناك،كأن تسلك من حيث تهب الريح،لاأن تضع الريح في جرارك الآسنة،كأن تمضي إلى شطآن ترتع فيها نوارس الفرح المصادر عوض أن ترمي شباكك لتصطاد الفراغ، كأن تحمل رأسك بين يديك بدلا من أن تحنطه بمناديل ملأى بالدموع،كأن تلوح بيديك للعابرين نحو الغياب،لا أن تمسح جبين الأسى بأصابع النسيان،كأن............................
في قصيدة"سيرة غياب"،كانت هذه الممارسة المألوفة لضرورة جمالية وشعرية محضة،قد مورست طوعا وبمكر ،اتجاه أسماء الجلادين الذين مارسوا بطشهم مغمورين بخيباتهم،فالقصيدة لا يليق بها أن تكون بيتا لأسماء القتلة،وليكن ذلك بدعوى القتل الرمزي لهؤلاء الآباء المؤسسين للقهر والبطش،الذين أرووا عطش مملكة الصمت بأنهار من دماء جرت على الأرض وتحتها لتسقي شجر الحلم،وليكن ذلك كي لا يتنفس أولئك هواء القصيدة الذي لا يليق برئاتهم،مخافة أن يصدأ فيها ،وأن يعلق في شعابه خبثهم.
أيها القتلة،هاأسحب أسماءكم من يم القصيدة ،ومن شطآنها ،فلا نفس في القصيدة سوى نفس أحمد بنجلون، لا هواء فيها إلا الهواء الذي لامس رئتيه،تآلف مع نبضة القلب التي خبرت السراديب العاتمة،وقساوة السوط،وأهوال الأقبية،ولا ألق فيها إلا ألقه،ولامجد فيها إلا مجده.
أيها القتلة،أيها النكرات على أهداب عالم ينشد خرابه،لا مكان لكم في قصيدة تحتفي بالحلم،وتعيش على ماءه،فالقصيدة لا يليق بها أن يرتع فيها اللصوص،وأن يلوث الجلادون ماءها الطري والطازج.
لاأريد لسرير قصيدتي أن ينام فيه القتلة،فالقصيدة بيت الدهشة،ومسكن الحلم،وأخت الفرح،القصيدة بابي الذي يطل على خراب العالم وبؤسه،وصيحة شاردة في زمن الصمت.
لا أريد لقصيدتي أن تكون خيمة يستريح تحتها الجلاد من مهنة البطش،فالهواء نقي في القصيدة،أشمه هكذا،وآخذ أنفاسا عميقة منه،لأن روح أحمد تتحاكى مع فراشاتها عن أحلام مجهضة،وبلاد تدمن اليتم.
يا أحمد الجميل
أيها الطاعن في الحلم
ياجسدا مشدودا إلى نخلة شريدة
في صحراء الخراب
أما كان عليك أن تتمهل
حتى أملأ القرب الباقية
بأصابع الضوء
وأحشو جيوب الريح
بالنجوم التي واعدتك على طرف الليل
نم الآن على سرير غيابك
استرح من تعب العمر
ها أنت طفلا تعود
إلى حضن الأم/الأرض
لتبني حديقتك التي سيرتع فيها الفراش.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أعمال لكبار الأدباء العالميين.. هذه الروايات اتهم يوسف زيدان


.. الممثلة الأسترالية كيت بلانشيت في مهرجان -كان- بفستان بـ-ألو




.. مهرجان كان 2024 : لقاء مع تالين أبو حنّا، الشخصية الرئيسية ف


.. مهرجان كان السينمائي: تصفيق حار لفيلم -المتدرب- الذي يتناول




.. إخلاء سبيل الفنان المصري عباس أبو الحسن بكفالة مالية بعد دهس