الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قانون الأربعين يوما

قاسم علي فنجان

2015 / 2 / 22
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


يتعرض عمال العراق كافة وبالأخص عمال وزارة الصناعة والمعادن ومنذ إحداث عام 2003 إلى هجمة شرسة تستهدف حياتهم وواقعهم المعيشي المزري أصلاً, فالقرارات والقوانين التي تسن وتشرع تهدف إلى قطع رواتبهم أو تصفية مصانعهم أو مناقلتهم بين الوزارات أو إحالتهم على التقاعد وبالنتيجة النهائية تسريحهم, وهذه الهجمة الرجعية مستمرة وتأتي بأشكال مختلفة, فهؤلاء العمال مرة يوصمون بأنهم "أزلام النظام السابق"، وأخرى "مجموعة من العاطلين عن العمل"، ومرة بأنهم "أعباء على الموازنة"، وغيرها من التوصيفات التي تنم عن حقد وكره عميقين لما يشكلونه من كابوس مخيف وعقبه أمام كل الحكومات المتعاقبة، التي نهبت وسرقت وتريد أن تبقى ناهبة وسارقة لثروات وخيرات هذا المجتمع, أيضاً هذه الهجمات ليست وليدة اللحظة ولا تأتي بشكل اعتباطي أو عبثي أنما بشكل مدروس ومنتظم.
أن هذه الحقائق هي بالتأكيد ليست "نظرية مؤامرة" بل أن ما نراه ونلمسه على أرض الواقع المعاش، هو الذي يؤكد لنا المرة تلو الأخرى إصرار وتصميم هذه الحكومات على إلحاق الأذى وفرض الإحباط والتراجع على حركات العمال الاحتجاجية المطالبة بدفع المتأخر من رواتبهم، وتحويلهم إلى التمويل المركزي ومساواتهم ببقية الوزارات ورفع الحيف والظلم الذي أصابهم، وهو ما يقلق هذه الحكومة التي تريد أن تتنصل وتتهرب من هذه الاستحقاقات ما وجدت إلى ذلك فرصة, أنها دائمة التفكير ومشغولة على مدار الساعة واليوم في الطريقة التي تتخلص منهم, وقد أثمرت مناقشاتهم وجلساتهم السرية والعلنية وبمساعدة مستشاريهم "الاقتصاديين" عن سن قانون "الأربعين يوما"، والذي يؤكد على دفع رواتب العمال كل أربعين يوماً أي ثمانية أشهر فقط بالسنة, والأربعة أشهر ألأخرى يقولون أنها ستدخر أو ستوفر للعمال وستصرف لهم في حال تحسن أوضاع البلد, وهكذا فأن مقترح "الجهبذ" الشهرستاني حول "الادخار الإجباري"، يدخل حيز التنفيذ مع تعديل طفيف وبسيط, وبذلك يدخل العمال أو يدخلونهم في دهليز الإنشاءات القانونية, ما يجعلهم أو يجب عليهم أن يكونوا -العمال- في موقف ثوري دائم يتطلب منهم الحذر من هذه التلاعبات اللفظية القانونية, فهذه الحكومة قد استدركت فيما بعد بأنها ستلجأ أليه -القانون- في حال الضرورة القصوى؟
طبعاً لا تعرف كيف يفكر هؤلاء الوزراء ورئيسهم ومستشاريهم "الأفذاذ" بإلية أخراج هذه القرارات والقوانين والتشريعات، التي تسعى إلى تجويع العمال وتدمير نفسيتهم أو ما تبقى منها, ويُخيل أليك وأنت تراهم من على شاشة التلفزيون وهم مجتمعين لا يتحدثون ألا عن الكيفية وألالية التي يستطيعون بها سرقة ما تبقى من رواتب العمال, فهؤلاء الوزراء برئيسهم ومستشاريهم ومن خلفهم ذاك البرلمان المتخلف هم في حقيقة الأمر الإسلاف الحقيقيين والصادقين لتلك الحكاية الشعبية القديمة الجديدة "علي بابا والأربعين حرامي"، فهم ما اختاروا الرقم (40) عبثا ولكن لذكرى باقية ومترسخه في ذاكرتهم ونفوسهم النهابة, فرمزية الأعداد تعمل هنا بكل وضوح.
المحزن بأمر هذا القانون أنه يذكرك ببعض القوانين الظالمة والسخيفة التي سنت على تلك المجتمعات القديمة "كحق الليلة الأولى" و"اللنش الأرميني" وهو إعدام بلا أساس قانوني, أو قانون شارلمان الذي يقضي بأن كل كنز مدفون في الأرض على عمق ابعد مما تصل أليه سكة المحراث فهو من حق الملك, أو قانون صدام المشئوم بتحويل العمال إلى موظفين وغيرها الكثير من اللا معقوليات القانونية والحقوقية, فهم بتشريعهم لهذا القانون يدخلون التاريخ أيضا لكن كتافهين وملعونين مثل بقية أقرانهم وأشباههم في التاريخ. أنهم يؤسسون لقاعدة قانونية وحقوقية وهذه المرة بلغة "مخملية" خادعة تحد من تطلعات العمال بنيل حقوقهم في حق التظاهر والتنظيم والإضراب, فهذه الحكومة وسابقاتها لم ولن تتجرءا على إلغاء أي من القوانين السابقة, لماذا؟ هل تخشى ذلك؟ طبعا لا, لكن من مصلحتها بقاء وإبقاء تلك القوانين بل وتشريع أخرى أكثر قساوه وهو ما يعملون عليه ليل نهار مع جوقة المستشارين الاقتصاديين والقانونيين السخيفين جدا، الذين لا ولاء لهم سوى لمصالحهم الشخصية التافهة وأنانيتهم العالية, لكن لنتخيل مشهد سن هذا القانون كيف جرى:
يدخل العبادي إلى قاعة اجتماعات مجلس الوزراء, يرحب بهم وهم مرحبين به, يجلس.. يقول: ماذا لدينا اليوم.. فيقول وزير الصناعة: سيدي عمال الصناعة.. العبادي: آواه ماذا عنهم.. وزير الصناعة: أنهم عبء علينا ويجب أن نفكر كيف نتخلص منهم.. وزير المالية: طبعا أنا أضم صوتي إلى وزير الصناعة أنهم يثقلون كاهل الميزانية.. العبادي: ماذا يقول مستشارونا الاقتصاديون.. المستشار الأول: نعم سيدي لدي مقترح أن نجعل رواتبهم كل "أربعين يوما".. المستشار الثاني: وهو ما يوفر لنا مبالغ كبيرة نسكت بها قوى مسلحة أو نؤثث بيت مسئول ما أو غيرها من المعرقلات, فقط نحتاج إلى صياغة قانونية "هلامية".. العبادي لبقية الوزراء: هل أنتم موافقون.. جوقة الوزراء "الببغاوات": نعم موافقون.. العبادي لمستشاريه القانونيين: هل بإمكانكم أن تجدوا صيغة قانونية لا تثير سخط الشارع العمالي علينا؟.. المستشار القانوني الأشهر: نعم يا سيدي موجودة مثل هذه الصيغ ولا تأخذ وقتاً.. هنا يتدخل وزير الثقافة ليدلي برأيه التاريخي المؤيد لقانون الأربعين قائلاً: سيدي كان عامل البناء أيام الدولة العباسية يتقاضى أجر 120 درهم في السنة، وجندي المشاة يتقاضى 960 درهم في السنة أي ثمانية إضعاف أكثر من عامل البناء, اليوم نفس المعادلة موجودة, إذن ما الذي يريده عمال الصناعة؟ ولماذا يريدون تغير التاريخ؟.. العبادي لوزير الثقافة: أشكرك على هذا الإيضاح.. ويلتفت للوزراء: هل لديكم شيء أخر؟.. جوقة الوزراء: كلا يا سيدي لا يوجد شيء.. العبادي: إذن فلنفرح بهذا الانجاز العظيم ونرفع فناجين القهوة مرددين معي, مرحى لنا مرحى مرحى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو: هل تستطيع أوروبا تجهيز نفسها بدرع مضاد للصواريخ؟ • فر


.. قتيلان برصاص الجيش الإسرائيلي قرب جنين في الضفة الغربية




.. روسيا.. السلطات تحتجز موظفا في وزارة الدفاع في قضية رشوة| #ا


.. محمد هلسة: نتنياهو يطيل الحرب لمحاولة التملص من الأطواق التي




.. وصول 3 مصابين لمستشفى غزة الأوروبي إثر انفجار ذخائر من مخلفا