الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يا وزيرنا الشهرستاني .. كن اديبا !

ماجد عبد الحميد الكعبي

2015 / 2 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


قد يبدو العنوان صادما للسيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور العالم النووي السيد الشهرستاني ، لكن الصدمة قد تنعش قلبا ميتا فتبعث فيه الحياة. ومن اجل ان لا يساء الفهم اقول : لم يكن القصد من وراء اختيار هذا العنوان خلق مقاربة دلالية لاستحضار المثل القائل ( يا غريب كن اديبا ) بل المقصود هو الاستفادة من المحمول الدلالي لمفردة اديب التي تطلق على المشتغل بالأدب والثقافة والمعارف الانسانية الاخرى . فالمراد هو جلب انتباه السيد الوزير الى اختصاص الادب بمفهومه العام من اجل تعديل القرار الذي صدر مؤخرا و النظر الى الاختصاصات الانسانية بالعين نفسها التي يتم النظر فيها الى الاختصاصات العلمية. ان عدم المساواة بين المعارف الانسانية بمختلف فروعها (علم اللغات ، الاداب ، العلوم النفسية والتربوية ، الاعلام ووسائل الاتصال ، الفلسفة ، علم المكتبات ، الاجتماع ، الرياضة ، السياسة والاقتصاد ، علم الادارة والمحاسبة ، التاريخ ، الجغرافيا ، الفنون الجميلة بمختلف فروعها ، الخ ) والعلوم الصرفة مثل ( الطب ، الصيدلة ، الهندسة ، الفيزياء ، الرياضيات ، البايولوجي ، الحاسبات ، ...الخ ) بالبعثات الخارجية امر اقل ما يوصف بانه غير حكيم .
لقد ولى الزمن الذي يتم التفريق فيه بين العلوم الانسانية والصرفة و اصبح امرا من الماضي البعيد جدا .. و لم تعزل العلوم عن بعضها إلا في عصور التخلف والجهل . فالفلسفة لم تكن معزولة عن الطب و الادب والشعر في حضارتي الرومان واليونان . لقد نال الفلاسفة مثل سقراط و افلاطون و ارسطو الحظوة نفسها التي تلقاها الاطباء مثل ابقراط و بطليموس وجالينوس ، والشعراء - ايضا - لم يكونوا باقل مرتبة منهم ، فكان هوميروس وفرجيل ودانتي. والرسامون والنحاتون و الموسيقيون ...الخ لم يتم التفريق بين العلوم الصرفة والمعارف الانسانية في اية حضارة حية او ميتة وبما فيها الاسلامية التي جعلت الفيلسوف الكندي بمنزلة الموسيقي اسحاق الموصلي ، وساوت بين مجلس الكسائي النحوي والمترجم حنين بن سحاق. وهؤلاء بمنزلة اولئك الاطباء امثال الرازي والزهراوي وابن سينا وابن النفيس والقائمة ستطول اذا ذكرنا البقية من الجغرافيين والمؤرخين وعلماء الفلك والهندسة.
اذن لم يتم التفريق بين العلوم في اشهر الحضارات القديمة . اما الحضارة الاوربية المعاصرة فالوقفة عندها في غاية الاهمية لانها تعد بحق تلك الحضارة التي قامت بنيتها الصناعية جنبا الى جنب مع بنيتها المعرفية ، لا بل هناك من يبالغ اكثر ليجعل اسباب النهضة الاوربية كلها تعود الى فضل الدراسات الانسانية ولاسيما اللغوية منها كما يرى ارنست رينان- الذي يقول : ( ان مؤسسي العقل الحديث كانوا فيلولوجيين ) ثم يردف بعد ذلك بقوله : ( وما العقل الحديث ان لم يكن العقلانية ، والنقد ، والتحرر الفكري وهي التي اسست جميعا يوم تأسيس الفيلولوجيا نفسها . وكل تقدم احرزته الانسانية منذ القرن الخامس عشر نستطيع نسبته الى عقول علينا ان نصفها بالانتماء الى الفيلولوجيا ).
فالآداب والثقافات والعلوم الانسانية وتنوعها هي عنوان الهوية وكيانها لبلدان العالم و اذا ما ضاعت او اختفت فان مصير هذا البلد سيكون حتما مجهولا ، وغير منتم الى ناموس الانسانية. وليعلما السيد الوزير السابق وخليفته السيد الوزير اللاحق ان خمسة او ستة عقول فيلولوجية هي التي تصنع سياسات الغرب الحالية وكل مارافقها من احداث وثورات وحروب ونزاعات طائفية وعرقية في وقتنا الحاضر ، وليس من بينهم عالم في البيولوجيا او اختصاصي في الطب او الحاسوب او الهندسة بل بينهم الفيلسوف والمؤرخ وعالم الاجتماع السياسي والخبير الاقتصادي والمفكر اللغوي وكل هؤلاء ينتمون الى حقل الدراسات الانسانية. ولا يعني ذلك التقليل من شان اصحاب الاختصاصات العلمية ولكن يجب ان نعرف حقيقة امكانياتنا وقدراتنا العقلية التي تظهر بصورة اكثر تأثيرا في الدراسات الانسانية لان تركيبة عقولنا تؤكد ذلك بوصفها آلات تحسن الصناعة اللغوية . فهلا انتبه السيد الوزير الى تلك السمة العقلية لابناء جلدته لكي يراجع قرارات الوزارة السابقة بشأن البعثات أم انه يفضل المزايدة والمراهنة على خيول خاسرة ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: الرجل الآلي الشهير -غريندايزر- يحل ضيفا على عاصمة


.. فيديو: وفاة -روح- في أسبوعها الثلاثين بعد إخراجها من رحم أم




.. وثقته كاميرا.. فيديو يُظهر إعصارًا عنيفًا يعبر الطريق السريع


.. جنوب لبنان.. الطائرات الإسرائيلية تشن غاراتها على بلدة شبعا




.. تمثال جورج واشنطن يحمل العلم الفلسطيني في حرم الجامعة