الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنسان اللاهث أو - إنسان : - هذا لي -

تفروت لحسن

2015 / 2 / 23
كتابات ساخرة


يستند جون جان روسو في مؤلفه : " في اصل التفاوت بين البشر" إلى مفهوم التملك أو الملكية لتفسير انتقال الإنسان من حالة الطبيعة، كحالة افتراضية، إلى حالة المدنية والمجتمع، ورغم أن روسو لا يصرح بلفظ الملكية فهو يلمح إلى ذلك بإعمال المكافئ الدلالي " هذا لي ". هذا ما يتضح بقوله : " إن أول من أقام سياجا لأرض، وقال " هذا لي "، ووجد أناسا سذجا صدقوه، هو المؤسس الحقيقي للمجتمع المدني ". فالتمييز، إستادا لهذه المقولة، يبدو واضحا، ففي حالة الطبيعة يكون الماء الجاري في الينابيع ملك لكل إنسان، وفي المجتمع يكون الماء ملك لمن استقاه ووضعه في جرته، إي اصبح له بشكل يجعله يقول " هذا الماء لي ".
وإذا كان روسو، كغيره من فقهاء الحق الطبيعي، قد استحضروا مفهوم التملك والملكية في تفسيرهم لظهور فكرة المجتمع، فان المفهوم حظي بنظر الفلاسفة السابقين، فارسطو مثلا فصل في مفهوم الملكية، بل صنفها ضمن المقولات العشرة. ويقصد بالتملك " مقولة عقلية تعبر عن تبعية الشيء بالنسبة لشيء آخر مثلا: لفلان أطراف أو كتاب ". وهذا معناه أن الملكية هيئة حاصلة للشيء بالنسبة لما يحيط به، وينتقل بانتقاله. والملك يقابله الحرمان. ولمقولة الملك شرطان :
الأول: الإحاطة، إما بالطبع، كجلد الإنسان وإما بغيره : إما بكل شيء، كحال الهرة عند إرهابها، وهو ذاتي. أو ببعض الشيء كحال الإنسان عند تختمه، وحال الفرس عند إلجامها وإسراجها، وهو عرضى. والثاني: أن ينتقل بانتقاله، كالأمثلة السابقة. أما إن وجد أحدهما دون الآخر، فلا يكون ملّكا، فوضع القميص على رأسه، وإن كان ينتقل، لا يكون ملكا ؛ لعدم الإحاطة. والحلّول فى الخيمة، وإن كان مشتملا علّى الإحاطة، لا يكون كذلك ؛ لعدم الانتقال.
وحتى بعض الفلاسفة المعاصرين أولوا اهتماما لمفهوم الملكية في علاقتها بباقي قضايا الإنسان. فقد لاحظ مثلا إريك فروم " أن الاختيار بين التملك والكينونة، من حيث هما مدلولان متعارضان، لا يثير لدى الحس المشترك أي انتباه. ويبدو أن التملك وظيفة عادية لحياتنا، فمن أجل أن يحيا المرء، عليه أن يتملك بعض الأشياء. ومن ناحية أخرى، يجب علينا تملك بعض الأشياء بغية الحصول على لذة من هـذا التملك ". وقد استشهد بمعلمي الحياة الكبار الذين جعلوا من الثنائية "التملك أو الكينونة" الموضوع الرئيسي لمذاهبهم. فبوذا يعلمنا أن علينا ـ من أجل أن نقدر على التوصل إلى مستوى رفيع في التطور الإنساني ـ ألا نترك شهوة التملك تستولي علينا. كما أن المسيح يقول : "من يود إنقاذ حياته سيفقدها، لكن الذي سيفقدها بسبـبي سينقذها." بل إن إيكهارت Eckhartيعلم الناس بأن الطريق الوحيد للتوصل إلى الثراء والقوة الروحيين هو ألا يملك المرء شيئا وأن يجعل ذاته مفتوحة و "فارغة". كما ان ماركس قال بأن الرفاه رذيلة مثله في ذلك مثل الفقر، وأن علينا أن نجعل هدفنا هو أن نكون أحسن لا أن نمتلك أكثـر. – "مقالة التملك والكينونة"، مجلة فكر ونقد، ترجمة محمد سبيلا -.
يبدو إذن، أن النظر الفلسفي للتملك له أهميته. وهذا ما يظهر من الألفاظ الدالة عليه، ومنها عبارة " هذا لي " التي تترادف مع " ceci est à moi ". ويفيد هذا القول تملك الشيء، وكذا تملك الشخص. فرغم زوال العبودية في شكلها القديم، حيث كان تملك البشر أمرا جائزا وعتقه حلا للتحرر، فإن الإنسان المعاصر مازال، شعوريا أو لا شعوريا، يلهث سعيا للمزيد من التملك البشري. فنجد الزوج يدعي تملكه لزوجته، والأب يعتقد تملكه لأبنائه، والأستاذ يعلن عن تملكه لتلامذته، والرئيس يتوهم سيطرته على رعيته... هذا طبعا يضاف لادعاء الإنسان اللاهث بتملكه للأشياء، المال، العمران، السيارة، المتاع، الأرض...
هذا التملك المزدوج يجعل الإنسان اللاهث يستخدم ألفاظا تدل على ذلك مثلا : هذه زوجتي، هذا ولدي، هذا تلميذي، هذه سيارتي...
ويمكن أن نلاحظ أن السعي للكسب، للتملك، وللمزيد من التملك هو الذي يدفع إنسان الحس المشترك ليسعى لتحصيل المزيد من الأشياء ومن الأجساد. بل هذا الطموح هو الحافز الذي يغذي ثقافة الإنسان اللاهث. هذا الإنسان الذي يرهن سعادته وكينونته بالتملك.
والمعلوم أن اللهجات لا تخرج هي الأخرى عن هذه الخاصية. وهذا شيء طبيعي مادامت اللغة تحمل سمات من يتكلمونها. ومن الدارجة المغربية نسوق بعض الأمثلة :
- يقال " هذا ديالي ". وليس المقصود بذلك النقاش الذي أثارته مسرحية " ديالي " ولا الزوبعة البرلمانية " ديالي كبر من ديتاك ". ما نقصده هو حب التملك الذي تحمله دلالة العبارة. حب يصل إلى الرغبة في التعبير عن الامتلاك لحد المتعة، فيقال " متاعي أونتاعي ".
- يحيل اللفظ الدارج " هذا ديالي " و "ديالنا " أحيانا إلى شيء آخر، إلى الزبونية والمحسوبية. فيقال " هذا ديالنا ". بمعنى الثقة. فينبغي إن نتعامل معه بالمرونة ونيسر له الطريق.
- يقال " هذا ديالي " للتعبير عن الولاء، التبعية، العبودية في شكلها الجديد.
وتتولد العبارات لتشمل التسلط، التملك المفرط. وكل مجتمع كانت فيه السيادة لهذا اللفظ يصنف رعاياه بالإنسان اللاهث.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة