الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفارقات بوكر 2015 العربية

سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)

2015 / 2 / 23
الادب والفن


مفارقات بوكر 2015 العربية

سامي البدري/ روائي وناقد
إعلان القائمة القصيرة لجوائز بوكر هذا العام جاءنا من معرض الكتاب في المملكة المغربية هذه المرة، والذي تضمن إعلان عناوين الروايات الست التي وصلت إلى المرحلة النهائية لتصفيات هذه الجائزة (القائمة القصيرة)، إضافة إلى أسماء أعضاء لجنة تحكيم هذه الدورة، وهي كالتالي (الشاعر والروائي الفلسطيني مريد البرغوثي رئيسا، الشاعرة والإعلامية البحرينية، بروين حبيب، الأكاديمي المصري أيمن أحمد الدسوقي، أستاذ الأدب العراقي نجم عبدالله كاظم، والأكاديمية اليابانية كاورو ياماموتو).. وهذا يعني أن ليس بين لجنة (إفتاء) رواية بوكر هذا العام سوى روائي واحد، وهو البرغوثي، رئيس لجنة التحكيم، وبالمقابل هناك ثلاثة أكاديميين وشاعران، بعد فصل الشاعر عن الروائي، في مريد البرغوثي، رئيس اللجنة، لأنه وهو يعلن بيان القائمة القصيرة قال بالحرف الواحد (إن إختيار وصول هذه الأعمال إلى القائمة القصيرة اعتمد بشكل أساسي على اللغة التي صيغ بها العمل الروائي، بإعتباره فنا للكتابة، وبصرف النظر عن القضايا والمشاغل التي يتهجس بها) وهذا الكلام إن كان صادرا عن البرغوثي، كرئيس لجنة تحكيم مستقل الرؤية والقرار، فإنه يمثل رؤية وإشتغال الشاعر فيه قبل الروائي، لأن الإشتغال في جسد اللغة هو من حفريات وإهتمامات الشعر قبل باقي الأجناس الأدبية، لأنه الجنس الكثر مطاوعة وتقبل لمثل هذه الإشتغالات.. وهذا يعني، وهذا هو المهم، أن ليس بين لجنة فحص وتقييم جائزة مختصة ومكرسة للرواية، سوى نصف روائي!، لأن رئيس اللجنة البرغوثي، وبحسب إعلانه، حدد اللغة كمعيار أساس لتقييم الأعمال وإختيارها وليس أي عنصر فني آخر، من عناصر تكوين وإشتغال الرواية الفنية... وهذا يعني تغليب نصفه الشاعر على نصفه الروائي، إن كان قرار الترشيح نابع منه شخصيا كرئيس للجنة تحكيم هذه الدورة للبوكر العربية.
وهذا لعمري يشبه عملية جمع مجموعة من أطباء الأسنان وتكليفهم بإجراء عملية زراعة قلب!، لأن طبيب الأسنان إسمه طبيب ولكن إختصاصه وممارسته للطب تختلف جذريا عن إختصاص وممارسة الطبيب المتخصص في أمراض وجراحة القلب وطرق زراعته.. وأيضا تشبه عملية تكليف مجوعة من النجارين بعمل خزانة للملابس من الحديد بدل الخشب، مادة صنعتهم وجسد مهارتهم!
يقول مثل أسلافنا (اهل مكة ادرى بشعابها) فلماذا تصر البوكر العربية أن تأتينا بدليل هندي أو صيني ليدلنا على شعاب مكة وأهل مكة حاضرون؟
نعم، قد يكون الدليل الهندي إستاذا متخصصا في الجغرافيا... ولكن هل ستؤهله دراسة الجغرافيا، على مقاعد الدرس، لمعرفة شعاب مكة أكثر من أهلها الذين يعيشون فيها وقضوا حياتهم يدرجون في دروبها وبطاحها؟ بالقطع لا، وحتى لو إخترنا هذا الدليل من المشهود لهم في (حنكة صنعته) وبرصيد الخبرة الوفير الذي إتفق عليه نقاده.
هل يعقل أن لا يكون بين أعضاء لجنة تحكيم جائزة متخصصة في الرواية غير نصف روائي؟ وهل يعقل أن يكون معيار الإشتغال على اللغة هو معيار تقييم مستوى رواية، لا يمثل إشتغال اللغة فيها إلا عنصرا واحدا من بين عدة عناصر فنية أخرى، لا يمكن تجاوزها ـ العناصر ـ أو غض الطرف عن وهن أو ضعف أو غياب أي منها؟... هي في الشعر، الذي يعتبر الإشتغال في اللغة من بين أهم عناصر نجاحه الفنية، لا يمكن إعتماده معيارا وحيدا، فيما لو غابت باقي عناصر نجاح القصيدة الفنية الباقية، فكيف في الرواية، التي يجب أن تتكاتف فيها عناصر الشخوص والحدث والبناء الفني والمعماري والحبكة و... و... إضافة إلى مغزى المضمون وقصديته وجدية طرحه ومعالجته؟ ولنا أن نتخيل هنا فيما لو كان، أبو الرواية الحديثة وأمهر صناعها، غابريل غارسيا ماركيز، قد إعتمد أو راهن في نجاح مائة عام من العزلة على عنصر اللغة من دون دهش باقي العناصر، بناء الشخوص وغرائبية وتداخل الأحداث وسبك حبكة الرواية، فهل كانت تلك الرواية، التي أدهشت نصف العالم، أن تحقق كل هذا النجاح والنجاح في الدهش؟
نعم الأكاديمي الذي حاز على شهادة رفيعة في دراسة الأدب أو نقده تعلم أشياء عن فنون الأجناس الأدبية، ولكنه في المحصلة يبقى عاجزا عن إبداع تلك الأجناس أو بعضها؛ وكذلك الشاعر... يعرف، عبر ثقافته العامة، عن الرواية الكثير، ولكنه يبقى عاجزا عن إبداعها ومعرفة هموم خلقها وإنتاجها، وهذا لعمري يشبه الفرق بين الفيلسوف ومن درس الفلسفة... وهو كالفرق ـ إختصارا ـ بين فريدريك نيتشه الفيلسوف والأكاديمي الذي حصل على شهادة عليا عن دراسة الفلسفة، فنيتشه الفيلسوف تفلسف وانتج الفلسفة، رغم أنه لم يكتبها بصيغة البحث الأكاديمي، والأكاديمي كتب عن فلسفة نيتشه وحاول شرح بعض ما تفلسف به نيتشه لا أكثر... فعلى رأي من يجب أن نعتمد في تقييم فلسفة نيتشه، على فيلسوف وجودي بحجم جان بول سارتر أو سورين كيركغارد، بصفتهما فيلسوفان وجوديان مثل نيتشه، أم على رأي من درس فلسفة نيتشه ولم (يتفلسف) يوما؟
الرواية، وكما قلت في العديد من مقالاتي، فن صناعة الدهش، وهو فن صعب المراس، ولا يجيده إلا قلة من بين العرب، ولهذا فإن من يقيمه، (وخاصة إننا كعرب، مازلنا نحبو مؤسسين لقاعدة هذا الفن في ثقافتنا وطرق تعبيرنا عن أنفسنا، كأمة للشعر أو شاعرة)، يجب ان يكون فعلا ضليعا في فن صناعة الدهش، لأنه الوحيد الذي يعرف مضان وصعوبات وعوالم ومميزات هذا الدهش وطرق صناعتها ومديات تأثيرها وبلوغها لأهداف هذا التأثير.
ويبقى السؤال المحيّر لجميع المثقفين العرب، بصورة عامة، والروائيين بصورة خاصة، وكما حصل مع إعلان نتائج هذه الجائزة ـ البوكر العربية ـ في دورتها لعام 2014 : هل هذه الجائزة تتعمد أخطاءها (الفنية) والفكرية في التقييم والنتائج، لغرض في نفس يعقوب، يستهدف تجهيّل وتسطيح العقل والذائقة العربيتين، وخاصة عبر إختيارها لعناصر لجان تحكيمها، أم هي هكذا تعكس مستوى ثقافة أصحابها الركيكة وضحالة أفق رؤيتهم؟
الأمر الذي يثير الشك في نفس المثقف العربي بترجيح السبب الأول هو أن البوكر العربية هي ظل للبوكر البريطانية وتعمل تحت إشراف مباشر منها، أولا، وثانيا هو تصريح مندوبة البوكر الأم، في دورة عام 2014 ، والذي دافعت به عن أهلية ونزاهة لجنة تحكيم تلك الدورة، وأيضا إمتدحت فيه النتائج والروايات التي منحت لها مكافئات الجائزة، وكلنا نعرف مستوى تلك الروايات ومستويات كتابها ومدى الحيف الذي ألحقته تلك النتائج بأهلية ومستوى الرواية العربية.
فهل للبوكر العربية أن تضيء لنا هذا الجانب المعتم، فقد توفرت بيدنا قرينتا ـ كي لا أقول دليلين ـ عامي 2014 وقرينة هذا العام، لتزيل اللبس عن نصاعة ذمتها التي صارت موضع تساؤل للمثقفين والروائيين العرب؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي


.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |




.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه


.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز




.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال