الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا والسيدة أم كلثوم

عبدالله عيسى

2015 / 2 / 23
الادب والفن



غطى أبي ، محمود عيسى ، بيديه النحيلتين وجهه المنهك النحيل ، وكأنه يدفن دمعتين عزيزتين كبيرتين . وإذ دار ظهره ، لرجال المخيم الذين أخذوا يدورون حول قاماتهم كمن أغشي عليهم ولنسائه اللواتي علت صدورهن وهبطت على وقع نشيج بلا رحمة ، واضعاً يديه خلف ظهره ، ميمماً شطر نهر " شق العجوز ". اقتفيت أثره بخطى طفلية مرتعشة في طريق بدا يهتز من خبط مشيته القلقة ، فيما عيناي تعودان بي إلى مرأى أمي ، فوزية الحسن ، التي ظلت واقفة تشير لي بأن أتبعه بلا هوادة ، حتى غابت وغاب المخيم معها .
ظل يرمي حصى شاردة يلمّها بذات اليمين وذات اليسار دون أن يلتفت إليها في النهر ، فتحدث دوائر حول الدوائر ، يحدق بها طويلاً حتى تختفي في الماء ، ويلفني بذراعه اليمنى كلما وطأت نسائم سبتمبر المسافة التي تلتصق بنا .
كالسماء الشامية تلك التي كانت صافية قبل قليل ، تلبدت عيناه السوداوان الكبيرتان بحزن نبلّل بخيوط حمراء طفرت منهما من غضب مكبوت ، فيما شيّعتنا زخات مطر عجول وخجول في آن ، ونحن ندخل المخيم ، وجمهرة أهله تتلقف عودتنا بهمهمات غامضات ، بالكاد يخرج من فجّها العميق توحيد الله ، والصلاة على النبي .
وكأنه أسند يده على رأسي ، ولعله أراد أن يكلأه من قطر المطر الخفيف ، وقف قبالة الأجساد التي بدت تستند على ظلال واهية ، مرتعشة . قال ، كمن يلقي خطبة الوداع : " زعيم الأمة مات ، ويا خوف قلبي أنهم قتلوه . مات دفاعاً عن دمنا المهدور في أيلول الأسود . عمّروا بيوتكم هنا . حلمنا بالعودة انكسر " .
وضرب الناس كفاً بكف ّ ، ومنهم من تمتم راجيا ً لطف الله إن قدّر : " محمود عيسى ، راح عقله مع موت جمال عبد الناصر " .
وبكيت ُ كثيراً إذ رأيت ُ ما رأيت ُ ، وسمعت ُ ما سمعت ُ .
وظل ّ عاقد الحاجبين , حتى خرجت علينا ، أنا وأبي وأمّي ، السيدة أم كلثوم . وكأنها مسٌت أبي بجِنِيّ صوتها ، فظل ّ يغني لأمي ، طيلة الطريق من سينما غازي ، حيث يعرض فيلم " سلّامة " وسط دمشق إلى مخيم ببيلا المرمي ّ على خاصرتها ، : " غني لي شوي ،شوي. غني لي غني ، وخذ عيني " ، حتى حفظها سائق سيارة الأجرة ، وبقيت أرددها حتى يومي هذا .
ولم تتركني السيدة وشأني بعد ذاك .
( نص من سيرة لم تكتمل )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم شقو يضيف مليون جنيه لإيراداته ويصل 57 مليونًا


.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس




.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى