الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شخصية الدستور

خالص عزمي

2005 / 9 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


قد تختلف شخصيات المصلحين الكبار عبر التاريخ الانساني في بعض التفاصيل الجزئية والشكلية وكذلك في وسائل تنفيذ البرامج التي يتصورونها صالحة للتطبيق العملي بحسب زمانها ومكانها ؛ اما في الجوهر الحقيقي فتكاد الاختلافات تتضاءل في المعنى وتتجمع عند المبنىوفوارق العصر الذي تبرز فيه ؛ وهكذا الدساتير فشخصياتها متقاربة متوازنة ؛ ومبادؤها المركزية لا تتباعد عن بعضها الآخر الا في خصوصيات بالغة الضئالة لاتكاد تثلم القواعد الدستورية الراسخة عبر اجيال كثيرة من الممارسات والتطبيقات والبحوث والدراسات القانونية لكبار المشرعين والفقهاء . والشخصية الدستورية المبدعة لاتخنق كيانها في محليةلاتعيش عصرها ولا تمارس حقها في التواصل مع الشخصيات الدستورية المتقاربة معها ؛ بصيغة متآلفة ودودة لاتتعالى على غيرها من دساتير الجوار بخاصة ولاتتزاحم ولا تستفز . ان شخصية الدستور هي تلك التي تتسم بالرصانة والكبرياء وفرض المهابة والاجلال على الشعب الذي صوّت للدستور اولا ؛ ثم على السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ثانيا وعلىالقوانين والانظمة التي تصدر استنادا اليه اخيرا . و فيما عدا هذه الاسس المركزية ستكون الشخصية الدستوريةمهلهلة ؛ فضفاضة؛ مترهلة؛ مقعدة لا تستطيع ابدا ان تقف على قدمين حتى في مواجهة ابسط الظروف العادية ؛ فما بالك في الاوضاع المعقدة والصعبة حينما تحتاج سلطة الحكم الى ملجأ دستوري تلوذ به فلا تجد امامها غير تلك الشخصية البائسة الهزيلة التي حملّوها من التفاصيل والتفرعات ما اثقل كاهلها واسقطها في قبركانت جديرة به من الوهلة الاولى .... ولكن لات ساعة مندم . هنا لابد من التأكيد على قاعدة في غاية الدقة والاهمية وهي ان على من يعد مشروع الدستور ان يدرك تماما بأن لا تعديل او تغيير لفصوله ومواده وبنوده الا في حالات الضرورة القصوىالتي لامفر منها اطلاقا . لقد كان العلامة البروفيسور نوكس من كلية كنجز كولج يؤكد علينا نحن طلبة الدراسات العليا في القانون الدستوري قبل نصف قرن من الزمن ؛ ان على معدي الدساتيران يضعوا نصب اعينهم بأن ليس هناك من تعديل او تبديل بعد اقراره بالطرق المشروعة وفي هذه الحالة سيكون المعدون اكثر دقة واعمق صياغة وابعد مراجعة ليس للمباديء الاساسية بل جتى لابسط التفرعات الناشئة عنها . لأن استسهال التعديل يوقع المعدين في سلسلة من الاخطاء والافراط في البدهيات والعمومـيات التي تضيع جوهر المباديء الدستورية التي وضع هذا القانون الشــامخ من اجل ابرازها . ان رئيس الدولة والبرلمان والحكومة والقضاء وغيرها تستمد سلطاتها جميعا من هذه الشخصية السامية ؛ فما الذي يتوجب ان تكون عليه لكي تسود وتطاع ؟ فاذا كان بعض الساسة قد تصرفوا بارادتهم او خارج عن ارادتهم في ادارة شؤون البلاد والعبادبما ارتأوه من محاصصات وتوافقات ... الخ فان مثل هذه الاساليب لا تتفق مع شخصية الدستور التي هي بمثابة الاب الروحي المترفع عن مثل هذه المعايير المتدنية ؛ ذلك ان من اولى واجباته هو التوحيد لا التفريق ؛ والابتعاد عن العرقية والطائفية والاثنية والعشائرية لا تركيزها ؛ ونبذ وسيلة الابتزاز والترويع والتهديد من اية جهة صدرت لا تركها تسعى كيفما ارتأت ومتى ما شاءت . وشخصية الدستور تعتمد في مواقفها على ان الوطن للجميع وان المواطنين متساون في الحقوق والواجبات ولا شيء يعلو على سلطة القانون ؛ والعراق وحدة تاريخية وجغرافية وبشرية لاتتفتت ولا تتجزأ . بعد كل هذا وذاك لنرى كيف اعد مشروع الدستور وهل اعتمد واضعوه على هذه الاسس المحكمة عند اعداد ابوابه وفصوله ومواده ؟ وهل جعلوا شخصيته القيادية الموحدة والقانونية مادة ولغة لا تقل مكانة عن شخصيات الدساتير؛ االشرق اوسطية على اقل تقدير؟ على اية حال سوف نرى اذا انجلى الغبار ......!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيناريوهات خروج بايدن من السباق الانتخابي لعام 2024


.. ولادة مبكرة تؤدي إلى عواقب مدمرة.. كيف انتهت رحلة هذه الأم ب




.. الضفة الغربية.. إسرائيل تصادر مزيدا من الأراضي | #رادار


.. دولة الإمارات تستمر في إيصال المساعدات لقطاع غزة بالرغم من ا




.. بعد -قسوة- بايدن على نتنياهو حول الصفقة المنتظرة.. هل انتهت