الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العدوان التركي والمسؤولية الوطنية

بدر الدين شنن

2015 / 2 / 23
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


إن العدوان العسكري التركي الوقح على سوريا ، بذريعة نقل قبر الجد الأول للإمبراطورية العثمانية المنقرضة ، هو ليس العدوان التركي الأول أو الأخير على سوريا . فمنذ أن تم عسكرة المعارضة السورية ، وتبني تركيا للمسلحين المتمردين والوافدين الإرهابيين المرتزقة ، ومنحهم الملاذ الآمن ، والدعم العسكري والفني ، واستخدام تركيا معبراً لكل أشكال التدخل الأجنبي ضد سوريا ، بدأ العدوان . وقد اتخذ أشكالاً متعددة . كان أبرزها المشاركة التركية المكشوفة لاجتياح " كسب " ومحاولة اكتساح أوسع مساحة في الساحل السوري . ثم كان الدعم المكشوف " لداعش " للسيطرة على مدينة " الرقة " . وأسوأ من كل هذا ، احتضان " داعش " ودعمه بأوسع أشكال الدعم عبر تركيا للحصول على مساعدات عسكرية ، مكنته من احتلال مناطق واسعة من سوريا والعراق .

وهذا العدوان التركي المتواصل ، ليس تعبيراً عن هوى سياسي يتحرك حسب ظروف دولية عابرة ، وإنما هو جزء من مشروع مدعوم بخلفية بعث الإمبراطورية ، وإعادة انتشارها عبر سوريا إلى مساحات عربية أخرى . وذلك استنساخاً لعدوان السلطان " سليم الأول " في " عدوان مرج دابق " عام 1516 ، ومدعوم بخلفية الشراكة الإسرائيلية الأميركية ، لإعادة تقاسم النفوذ في الشرق الأوسط الجديد ، وخاصة في مجال امتلاك مصادر وتسويق الطاقة البترولية والغازية ، والتحكم بالاقتصاد العالمي ، وتكريس الأحادية القطبية الدولية في مواجهة تصاعد نمو دول كبرى جديدة .

وليس أدل على ذلك ، من حركة توزيع الأدوار القائمة بين أميركا وذيلها الأوربي ، وتركيا ، وإسرائيل ، وداعش ، في العدوان على سوريا .. إسرائيل من الجنوب .. وتركيا من الشمال .. " وداعش " من الشرق " والتحالف الأميركي الدولي من السماء . ولا يبرئ ادعاء التحالف من جريمة المشاركة بالعدوان ، زعمه أنه يضرب جواً أحد المعتدين " داعش " . فهو عدا عن تسريبات ومشاهدات عينية بإلقائه السلاح من طائراته لدعم " داعش " فإنه يستمر في الدعم العسكري والسياسي للعدوانية التركية والإسرائيلية .

بيد أن ما حققه العدوان التركي الأخير ، لنقل تراب الجد العثماني الأكبر ، قد نقل الوضع السوري إلى مرحلة تتسم بقدر كبير من الوضوح ، وهي أن سوريا ، قد استنفذت تماماً ما سمي صراع سلطة .. معارضة ، سواء حول تقاسم الناتج الإجمالي ، أو المناصب الرسمية والسياسية . واستهلك ما سمي صراع حول أولوية الإصلاح ..الإصلاح السياسي أولاً .. أم الإصلاح الاقتصادي .. أم الإصلاح الإداري . واستكملت مواصفاتها أنها حرب وطنية .. وأنها تتطلب سياسيون من طراز آخر .. هو غير ما عرفته سوريا في اللعبة السياسية في مراحل سابقة .. وتتطلب استنفاراً وطنياً .. وجودياً . وخلاف ذلك .. أي الاستمرار بالتنازع .. والتعارض .. والتذابح .. يعني ضياع الوطن .. وضياع الدولة والمجتمع .. وضياع الحاكم والمحكوم .. يعني باختصار شديد ضياع السلطة والمعارضة .

لقد انتهى زمن المعادلات السياسية التنافسية .. المزاودة .. والغبية .. والمشبوهة ، تلك التي كانت تطرح " الحرية قبل الوطن " بمعنى إذا تطلب الأمر تدمير الوطن للحصول على الحرية - والمقصود هنا حرية الطامعين بالسلطة والثروة - فليدمر . أو " الوطن قبل الحرية " - والمقصود هنا استدامة ما عارضته أجيال من المواطنين - أي عزل الدولة عن الشعب ، وعزل الوطن عن أهله وحماته ...
المعادلة الآن بالمطلق هي " كلنا للوطن .. والوطن والحرية لنا كلنا " ..

إن المشهد السوري الواقعي ، بعد أربع سنوات من الخلافات الثأرية العبثية الغبية .. ومن عدوان الإرهاب الدولي .. مفجع ومؤلم . وذلك من حيث الخسائر المادية والعمرانية والبشرية والإنسانية . تقدر الخسائر المادية والعمرانية بثلاثمئة مليار دولار ، أي ما يعادل الناتج الإجمالي السوري لثلاث سنوات ، وبواقع سوريا المدمر فإنها تحتاج مئة عام لتغطية الإنفاق في هذا المجال . وتقدر الخسائر البشرية حسب الأمم المتحدة بمئتي ألف شخص . ويقدر عدد المشردين والمهجرين والمهاجرين في الداخل والخارج بأكثر من ست ملايين شخص . أما الخسائر الأكبر .. والأكثر إيلاماً ، فلم يجرؤ أحد بعد على تقديرها .. وهي الشروخ والجروح النازفة في البنية المجتمعية والإنسانية ، التي ستظل تنزف عشرات السنين على الأقل .

والسؤال الذي ينتج عن هذه الفجيعة وهذا الألم هو .. من المسؤول عن هذا كله ؟ هل هي المؤامرة ؟ .. هل هي مخططات إمبريالية خارجية حول سوريا والشرق الأوسط ؟ .. أم هو فشل الطبقة السياسية في رأب الصدع السياسي في البلاد ديمقراطياً ؟ .
لاشك أن هناك مؤامرة ولا ينكرها إلاّ من يشارك فيها والمستفيد منها . وسوريا حتى قبل تشكلها كدولة .. قبل تخلصها من العهد العثماني .. استهدفتها " مؤامرة سايكس - بيكو " عام 1516 . وبعد الاستقلال كان هناك العديد من المؤامرات ، مثل حلف بغداد ، والهلال الخصيب ، ومبدأ أيزنهاور . ومن ثم مؤامرة فصل سوريا عن مصر 1961 ، ومؤامرة عدوان حزيران 1967 . وما مؤامرات المرحلة الراهنة سوى استمراراً للنهج الاستعماري الدولي ضد سوريا ، وكل البلدان المستضعفة ، التي تملك " جيو - سياسية " متميزة وثروات طبيعية غنية .

لكن هذا التآمر لا ينفي مسؤولية القوى السياسية الداخلية على اختلافها في الحكم وخارج الحكم ، وإنما يؤكدها . إذ أن الشعوب الحية ، أي التي لديها طبقة سياسية وطنية ، مجربة ، وملمة بأوضاعها الوطنية ، وبما حولها إقليمياً ودولياً من الأعداء والأصدقاء ، تتوحد .. وتقاوم .. وتحاول ألا تقع فريسة التآمر والعدوان والحرب . ولدينا مثال فنزويلا وكوبا واليونان والجزائر .

ما يعني بكل جدية .. أن المسؤولية الآن .. بعد أن استفرس العدوان الإرهابي الدولي وحلفائه بأرضنا وشعبنا .. وبعد أن انكشفت الغايات اللئيمة القذرة للقوى والدول التي تقوم بهذا العدوان ، وبعد العدوان العسكري التركي الاستعراضي الأخير ، هي مسؤولية ما تبقى من الطبقة السياسية السورية ، التي ما تزال تتمسك بشرف بانتمائها الوطني .. لدحر هذا العدوان .. وتحرير سوريا من الإرهاب الدولي .. وإعادة بناء ما دمر في سوريا الحبيبة .. من عمران وإنسان .. وما دمر من مؤسسات الدولة .. ومؤسسات السياسة .. ومؤسسات حماية الحرية وحقوق الإنسان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نبيل بنعبد الله ضيف آشكاين مع هشام


.. اليمين المتطرف يحقق مكاسب كبيرة في انتخابات البرلمان الأوروب




.. تداعيات صعود أقصى اليمين المتطرف في أوروبا


.. اليمين المتطرف يتصدر النتائج في فرنسا والنمسا وإيطاليا ويحل




.. فرنسا.. احتجاجات ضد تقدم اليمين المتطرف بنتائج انتخابات الات