الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نزعة الإستعانة بالخارج في السياسة العربية الحديثة

محمد سيد رصاص

2015 / 2 / 24
مواضيع وابحاث سياسية



منذ هزيمة العثمانيين في حرب1877مع الروس انتشر شعور لدى مواطني الدولة العثمانية بقرب تفكك الدولة . بعد قليل من تلك الحرب بدأت فكرة القومية العربية بالتكون كجنين لدى نخب متعلمة ومسيسة في بلاد الشام،فيماظل الجمهور العربي المسلم بغالبية كاسحة ينظر للسلطان عبدالحميد الثاني بوصفه خليفة للمسلمين وظل يرى في(الجامعة الاسلامية)الرابطة الوحيدة.كانت باريس متحمسة لموت الدولة العثمانية وعينها على سورية الطبيعية وساحلها عند شرق المتوسط.كانت لندن مترددة ولم تحسم أمرها إلابعد أشهر من دخول العثمانيين الحرب العالمية الأولى إلى جانب الألمان يوم5تشرين ثاني1914.
لم يمنع هذا التردد الانكليزي من أن يطرح شخص بريطاني هو ويلفريد بلنت في عام1882بكتاب صدر بلندن ،حمل عنوان"مستقبل الاسلام"،فكرة تحويل الخلافة الاسلامية إلى العرب ونزعها من السلطان العثماني وأن يتولاها شريف مكة ،سليل الرسول،في إطار"دولة بابوية اسلامية".بعد ثمانية عشر عاماً أعيد طرح الفكرة من قبل عبد الرحمن الكواكبي في كتاب"أم القرى"،وهو منفي حلبي عاش في مصر هرباً من العثمانيين،وقد حظي برعاية خصمين كانا يتنازعان في القاهرة:الخديوي عباس والمعتمد البريطاني كرومر.كان طرح الكواكبي نقل الخلافة للعرب وليس الاكتفاء بزعامة روحية.في تلك الفترة كانت هناك أفكار عند مسؤولين بريطانيين،مثل الجنرال كتشنر،تقول باطلاق رصاصة الرحمة على"الرجل المريض"، فيماكان كرومر ليس بعيداً عن فكرة تحويل القاهرة إلى وريثة بريطانية للممتلكات العربية العثمانية.بدوره كان الخديوي بين موالاة العثمانيين ،ولوكرهاً بالانكليز،ومعاداتهم يفكر بدوره بالخلافة.تحولت القاهرة بين عامي1895و1908إلى مركز للمعارضة العربية للعثمانيين وكانت متركزة في جالية(الشوام)،ومعظمهم من مسيحيي لبنان بجبله وساحله،تحت رعاية المعتمد البريطاني.كان آل تقلا في "الأهرام"أكثر ميلاً لباريس وليس لندن بخلاف فارس نمر صاحب"المقطم"و"المقتطف".لم تقتصر نزعة الاعتماد على الخارج على(شوام)مصر بل امتدت إلى الشيخ محمد عبده،صديق جمال الدين الأفغاني ونصير أحمد عرابي،ليعتمد على كرومر في تنصيبه مفتياً على الديار المصرية عام1899ضد إرادة الخديوي مستغلاً "توبته السياسية "ومراهناً على نزعة اصلاحية اسلامية رآها المعتمد البريطاني عند الشيخ المصري مفيدة للمصالح البريطانية في أرض الكنانة ويمكن أن تكون ضد السلطان العثماني الذي بدأت لندن تشعر في مستعمراتها الاسلامية بخطر طرحه ل(الجامعة الاسلامية).في المقلب الآخر كان المنظِر الأول للقومية العربية،وهو نجيب عازوري(مواليد جزين1870-1916)،ذوهوى فرنسي ومرتبط بالدوائر الرسمية في باريس،وقد تأسست(جمعية العربية الفتاة)عام1911من طلبة عرب في فرنسة،ويبدو أن جذرية باريس ضد العثمانيين بالقياس لتردد لندن قد جعلت (العربية الفتاة)و(حزب اللامركزية)يقبلان بالحضن الفرنسي لماانعقد (المؤتمر العربي الأول)في باريس بحزيران/يونيو1913،وقد كان دينامو المؤتمر هو شكري غانم المرتبط اللصيق بالدوائر الفرنسية،ورأسه الشيخ عبد الحميد الزهراوي،الذي قادته إلى المشنقة يوم6أيار1916ماكشفته وثائق القنصليتين الفرنسيتين في بيروت ودمشق حيث كان القنصل هو جورج بيكو الذي أبرم يوم16أيار1916مع البريطاني مارك سايكس (اتفاقية سايكس- بيكو).
لم تنتج"الثورة العربية الكبرى"المندلعة بقيادة شريف مكة وبرعاية بريطانية في يوم10حزيران/يونيو1916 أكثر من جعل الانهيار العثماني باباً للدخول إلى مبنى تنفيذ(سايكس- بيكو)ومرافقه(وعد بلفور).كانت تجربة (القوميون العروبيون ) لمرحلة ماقبل1918خائبة ومريرة من حيث حصيلة عملية الإستعانة بالخارج الأجنبي،وقد كانت هذه التجربة هي السبب في نزعة الاستقلالية الوطنية ورفض الارتهان للخارج عند الجيل العروبي الثاني في (حزب البعث العربي)عام1947وفي (حركة القوميين العرب)/1951/ ثم عند عبد الناصر،وربماهنا كان مليئاً بالرموز مشهد عودة الأسرة الملكية الهاشمية في بغداد على ظهور الدبابات البريطانية بحزيران /يونيوعام1941بعد هزيمة رئيس الوزراء العروبي رشيد عالي الكيلاني .كان العروبيون الجدد ذوي وسواس يقيهم ويمنعهم من الاستعانة بالخارج(المقصود هنا الخارج الأجنبي غير العربي)فيماكان المعادون للعروبيين في معسكر اليمين في وضعية السلف لعروبيي ماقبل1918:في أسبوع الهجوم على سيناء وقناة السويس من ثلاثي(تل أبيب- لندن- باريس)،28-31تشرين أول/أوكتوبر1956 ،اكتشف العقيد عبدالحميد السراج مخططاً لسياسيين وعسكريين سوريين كان يهدف بالتوازي إلى حركة لقلب الأوضاع في دمشق تحت رعاية لندن وبغداد(مع دور لم ينجلي حتى الآن لواشنطن)،ضمت سياسيين من حزب الشعب(عدنان الأتاسي- منير العجلاني)وسياسيون يمينيون مستقلون(ميخائيل ليان- حسن الأطرش- هايل سرور)والحزب القومي السوري وضباط منفيون منهم الرئيس السوري السابق أديب الشيشكلي.
في عام2006قدمت أطروحة للدكتوراة في التاريخ بجامعة ولاية كاليفورنيا التقنية من قبل(وليام ج. زيمان)بعنوان:"العمليات الأميركية السرية في العراق:1958-1963"يكشف فيها بالوثائق تعاون حزب البعث العراقي مع وكالة المخابرات المركزية الأميركية في تنفيذ انقلاب 8شباط1963ضد عبدالكريم قاسم وحليفه الحزب الشيوعي العراقي.يبدو أن التوق للثأر من مذابح الشيوعيين للبعثيين في موصل آذار1959بعد فشل حركة العقيد عبد الوهاب الشواف قد دفعت البعثيين إلى مد الأيدي للخارج في مجتمع ضعيف اللحمة الداخلية ويكون الدم ممر نزاعاته السياسية الرئيسي.في الشهر الأول من عام1970كشف البعثيون العائدون للسلطة بين يومي17-30تموز1968مخططاً انقلابياً عسكرياً تحت رعاية شاه ايران وبزعامة العميد عبد الغني الراوي كان يشارك في التخطيط له الملا مصطفى البرزاني والسيد مهدي الحكيم(شقيق محمد باقر وعبد العزيز أبناء المرجع السيد محسن الحكيم)وصولاً لرئيس الوزراء السابق عبد الرزاق النايف. في عراق 17تموز1968-9نيسان2003تعاونت قوى عراقية عديدة مع الخارج الايراني واستعانت به لمحاولة الإطاحة بالسلطة القائمة في بغداد،وكان التعاون علنياً سياسياً وعسكرياً(الملا البرزاني في تمرد1974-1975،فيلق بدر،جلال طالباني وقواته العسكرية التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني)،وكان حزب الدعوة له علاقات مع نظام الشاه ومع نظام الثورة على الشاه،فيماتم تأسيس "المجلس الأعلى للثورة الاسلامية"في ايران عام1983،ولم يكن الحزب الشيوعي بعيداً عن العلاقة مع ايران في فترة الحرب العراقية- الايرانية. بعدحرب1991أقامت كل القوى العراقية المعارضة لصدام حسين علاقات مع واشنطن،وصولاً إلى مؤتمر لندن للمعارضة العراقية بالشهر الأخير من عام2002تحت رعاية المسؤول الأميركي زالمان خليل زاده.بعد ثلاثة أشهر من سقوط بغداد جمع الحاكم الأميركي للعراق بول بريمر يمين ويسار المعارضة العراقية في"مجلس الحكم".
في مؤتمر لندن لخص جلال طالباني فلسفة عملية الاستعانة بالخارج،قائلاً:"لم نستطع التغيير بواسطة قوانا الذاتية.يجب أن نكون واقعيين ونقر بذلك.القضية تم تدويلها ولنا الحق بالمطالبة بدعم دولي ويجب أن لانخجل"("السفير"،16كانون أول2002).
هذه النزعة العراقية وجد مثيل لها في مجتمع منقسم مثل سودان عمر البشير عند كل أطراف المعارضة.كان العجز عن احداث التغيير عند المعارضة السورية ،والضعف الذاتي للمعارضة وعدم توفر العامل الموضوعي للتغيير أولحراك اجتماعي نحوه، مجموعة عوامل دفعت نحو تنامي جنين لنزعة الاستعانة بالخارج في أوساط واسعة من المعارضة للسلطة في دمشق تشجعاً بالمثال العراقي المعارض الذي استعان بالأجنبي في اسقاط صدام حسين.جسد(اعلان دمشق)/16تشرين أول2005/ولادة لهذا الجنين،ولوأنه انقسم يوم1كانون أول2007مع خروج الناصريين والماركسيين منه ضد سيطرة الليبراليون الجدد والاسلاميون على خلفية تأييد الأخيرين ل(نزعة الاستعانة بالخارج)لاحداث التغيير،وهومافعله (اعلان دمشق)منذ زيارة ساركوزي لدمشق في أيلول2008 وتقارب أوباما منها بالعام التالي، ولكن للاستعانة بالخارج نحو "تحقيق انفراج"وتخفيف القيود على المعارضة.بعد درعا18آذار2011خفت نزعة الاستعانة بالخارج عند المعارضين تشجعاً بالحراك السوري،ولكن عندما فشل هذا الحراك في تحقيق ماجرى بتونس ومصر عاد معارضون سوريون كثر إلى التشجع بالمثال الليبي لماأسقط (الناتو)القذافي من باب العزيزية يوم23آب/أغسطس2011.أتى تشكيل (المجلس الوطني السوري)في اسطنبول يوم2تشرين أول 2011أملاً في تكرار سوري للمجلس الليبي وفي أن يكون أردوغان في مكان ساركوزي.ورث(الائتلاف الوطني السوري)/11-11-2012/ (نزعة الاستعانة بالخارج) من المجلس،ولوأنه ارتطم أيضاً بحيطان فشل الرهانات المتكررة والخائبة.
السؤال الآن:لماذا وجدت أمثلة حميد كرزاي وأحمد الجلبي،والجنرال بيتان وحتى سعد حداد،هذا الانتشار في السياسة العربية الحديثة؟........
عدد الكلمات:1017








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بثلاث رصاصات.. أخ يقتل شقيقته في جريمة بشعة تهز #العراق #سوش


.. الجيش الإسرائيلي: دخول أول شحنة مساعدات إنسانية عبر الرصيف ا




.. الاحتلال الإسرائيلي يدمر مستوصف الزيتون بمدينة غزة


.. بحضور نقابي بارز.. وقفة لطلاب ثانوية بباريس نصرة لفلسطين




.. من أذكى في الرياضيات والفيزياء الذكور أم الإناث؟