الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تنجح موسكو فيما فشلت فيه جنيف

منذر خدام

2015 / 2 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


هل تنجح موسكو فيما فشلت فيه جنيف
منذر خدام
رغم صقيع شتاء موسكو الطبيعي والسياسي، فإن الدبلوماسية الروسية ما انفكت تحاول بعث بعض الدفء فيه على الأقل من خلال محاولة إعادة تعويم المسار السياسي لحل الأزمة السورية. فمنذ نحو شهرين تقريبا، أي منذ بداية شهر كانون الثاني من عام 2014، والدبلوماسية الروسية تنشط لعقد لقاء في موسكو يجمع بين ممثلين عن المعارضة السورية وممثلين عن السلطة السورية ولهذا الغرض قام المفوض الروسي لشؤون الشرق الأوسط السيد فيتالي بوغدانوف بزيارات إلى اسطنبول وبيروت ودمشق التقى خلالها بقادة الائتلاف السوري المعارض في الخارج، كما التقى في بيروت بقادة من هيئة التنسيق الوطنية وتيار بناء الدولة وهما التجمعان الرئيسيان للمعارضة في الداخل، لينهي زيارته في دمشق حيث التقى الرئيس السوري ومسؤولين آخرين. وكانت موسكو قبل ذلك قد استقبلت السيد معاذ الخطيب رئيس الائتلاف السابق، ووفدا من بعض الأحزاب المرخصة في سورية. الملف الرئيس الوحيد الذي حمله بوغدانوف خلال زياراته للعواصم التي ذكرناها كان بعنوان إعادة إحياء المسار السياسي لحل الأزمة السورية، إنما على الطريقة الروسية.
وعلى الطريقة الروسية فقد وجهت الخارجية الروسية دعوات شخصية لنحو ثلاثين معارضاً يتمايزون فيما بينهم من حيث درجة معارضتهم للنظام، إلى لقاء تشاوري يعقد في موسكو، يحضره ممثلون عن النظام السوري. لقد برر الروس دعوتهم لأشخاص من الكيانات السياسية المعارضة وليس للكيانات السياسية ذاتها، بأنهم لا يريدون أن يتسببوا في مشكلات تتعلق بالاعتراف بهذه الكيانات السياسية، وحتى يتجاوزون أيضاً مشكلة ما أسموه بالتمثيل المتناسب مع حجم هذه الكيانات السياسية المعارضة. غير أن الوقائع تقول غير ذلك. فالدعوات الشخصية وجهت بالتنسيق مع المسؤولين السوريين، وهي مقصودة لذاتها من أجل عدم إحراج السلطات السورية التي ما انفكت تقول بعدم وجود معارضة وطنية، بل عملاء وخونة. إضافة إلى ذلك حتى لا يضطر الوفد السوري الجلوس على طاولة واحدة مع أناس لا يريدهم، ولذلك قبل الروس أن يكون للسلطة السورية حق الفيتو على كل مشارك في اللقاء.
وبغض النظر عن الملابسات التي رافقت التحضير للقاء، وطريقة الدعوات، وامتناع قوى معارضة كثيرة عن المشاركة فيه، فقد انعقد اللقاء أخيراً في موسكو تحت رعاية معهد الاستشراق التابع للأكاديمية الروسية للعلوم، وتولى رئيس المعهد السيد فيتالي نعومكين تيسير اللقاء. خلال اليومين الأولين من اللقاء( 26 و27 كانون الثاني) اجتمع المعارضون مع بعضهم واتفقوا على عشر نقاط لطرحها على الوفد الحكومي السوري، وهي تركز بصورة رئيسية على الجوانب الإنسانية للأزمة السورية. وفي اليومين التاليين أي 28 و29 كانون الثاني المخصصين للقاء وفد الشخصيات المعارضة مع وفد الحكومة السورية الذي ترأسه مندوبها في الأمم المتحدة السيد الجعفري، عمد الجعفري وزملاؤه إلى تحويل اللقاء إلى مجرد علاقات عامة، ورفض التحدث في النقاط العشر التي اتفقت عليها الشخصيات المعارضة، بل رفض استلام أي شيء مكتوب منهم باليد، وأحالهم إلى الجانب الروسي ليسلموه ما لديهم من مطالب مكتوبة، وهو سوف يستلمها من الروس لاحقا كما قال في ازدراء واستهانة كبيرة بهم، تكشف عن عدم جدية النظام في الدخول في أي حوار جدي للوصول إلى حل سياسي للأزمة في سورية.
وفي تجاهل فاضح لما جرى في اللقاء فقد فوجئ اغلب المعارضين بعرض الميسر الروسي ورقة من عشر نقاط أمام وسائل الإعلام زعم أن المشاركين في اللقاء قد اتفقوا عليها، في حين هي لا تعدوا كونها وجهة نظره الشخصية، كما أوضح لاحقاً في بيان رسمي وقعه باسمه.
ماذا جاء في النقاط العشر للسيد نعومكين؟
بداية ينبغي الاعتراف بأن النقاط العشر للسيد نعومكين معدة بصورة ذكية، وهي، في الأغلب الأعم، ليست من عنده، بل هي ورقة معدة من قبل الخارجية الروسية بالتعاون مع الخارجية السورية. حقيقة يصعب على المعارضة رفضها جملة، بل تفصيلاً. ثمة بنود في ورقة نعومكين يصعب رفضها مثل البند 3 الذي ينص على " الحفاظ على سيادة الجمهورية العربية السورية ووحدتها واستقلالها وسلامة أراضيها " ، وعلى الشطر الأول من البند 4 الذي ينص على "مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله وتجلياته"، في حين الشطر الثاني منه والذي ينص على " والسعي إلى تضافر الجهود الداعية لمكافحة الإرهابيين والمتطرفين على الأراضي السورية" يمكن أن يفسر على أنه تغطية سياسية ليس فقط للتحالف الدولي الذي تقوده أمريكا، بل وكذلك تبرير تدخل إيران وحزب الله وأية جهة أخرى تحت عنوان مكافحة الإرهاب. بدوره البند 5 الذي ينص على " تسوية الأزمة في سورية بجميع الوسائل السلمية على أساس توافقي انطلاقا من بيان جنيف بتاريخ 30 حزيران 2012" يصعب رفضه، رغم صياغته الملتبسة بعض الشيء والتي تسمح بقراءات مختلفة له. ما هو غير مقبول البند 2 الذي ينص على ضرورة " وضع أسس للحوار الوطني السوري والتي من شأنها تمكين السوريين كافة من تسوية المسائل الملحة بالأجندة الوطنية، وذلك عن طريق الحوار الوطني الشامل وبلا شروط مسبقة". فهو ليس فقط يلغي البند 5، بل يلغي فكرة بيان جنيف ذاته.
البند 6 الذي ينص على " تقرير مستقبل سورية على أساس التعبير الحر والديمقراطي عن إرادة الشعب السوري" وكذلك البند 7 الذي ينص على " رفض أي تدخل خارجي في الشؤون السورية" والبند 9 الذي ينص على " سيادة القانون واحترام المواطنة وتساوي المواطنين أمام القانون " يصعب رفضها، بل يمكن تدقيق صياغتها لا أكثر. أما البند الأخير رقم 10 الذي ينص على " عدم قبول أي تواجد مسلح أجنبي على أراضي الجمهورية العربية السورية دون موافقة حكومتها" فينبغي أن يتركز الرفض على العبارة الأخيرة فيه ".. دون موافقة حكومتها" لأن ذلك سوف يشرعن كل القوات التي تقاتل إلى جانب النظام. البند 8 الذي ينص على " الحفاظ على الجيش والقوات المسلحة كرمز للوحدة الوطنية وعلى مؤسسات الدولة " يصعب رفضه رغم الإحراج الذي يتسبب به بالنظر إلى الدور الذي أداه هذا الجيش في قمع الانتفاضة السلمية، إضافة إلى تجاهل ضرورة إعادة هيكلته. أما البند 1 الذي ينص على " جميع القوى المحلية السلمية في المجتمع السوري والمحبين لوطنهم مطالبون باتخاذ إجراءات حاسمة تضمن تغيير الوضع بأسرع ما يمكن" لا يعدو كونه إنشاء فارغ. وأخيرا طلب وفد النظام إضافة بند يتعلق بالجولان السوري المحتل، وكأن السوريين مختلفين على ضرورة تحريره؟!!.
باختصار لقاء موسكو لم يكن ناجحاً بالنسبة لمن توقع منه الكثير، لكنه لم يكن فاشلاً أيضاً لمن لم يكن يتوقع منه بالأساس أكثر مما نتج عنه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مجلة المراسل 01-06-2024 • فرانس 24 / FRANCE 24


.. حزب الله يعلن قصف بلدتين في شمال إسرائيل وسط تصعيد متواصل




.. تصعيد بجنوب لبنان.. مسيّرات وصواريخ حزب الله تشعل حرائق في ا


.. الانقسام الداخلي في إسرائيل يتفاقم.. ماذا تعني تهديدات بن غف




.. تصاعد المعركة المالية بين الحكومة اليمنية والحوثيين يهدد بان