الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البوح الساخر في - ماذا تحكي أيها البحر...؟- للكاتبة المغربية فاطمة الزهراء المرابط

نجية جنة

2015 / 2 / 25
الادب والفن


" ماذا تحكي أيها البحر ...؟" عنوان معبر يوقعنا في حبال القص الهادر كأمواج البحر، الانسيابي كحفيف رياحه ذات النسمات الأنثوية التي تحمل بين جوانحها لغة شعرية ذات دلالات انزياحية ، حيث إسناد الكلام إلى البحر ، فيكون القارئ فكرة حول القصص التي جلها جاءت بوحا مستمرا ، و بالرغم من الذبذبات الشعرية التي نستشعرها إلا أن جل المواضيع تلامس الواقع بكل همومه ومشاكله ، وتلامس أيضا ذات الكاتبة برغباتها وأمنياتها وانكساراتها. فالمجموعة القصصية هي الولادة الأولى لفاطمة الزهراء لمرابط ، لذلك كان وجعها مضاعفا ، ورغبتها أكيدة في طرح قضايا تؤمن بها وتتوخى من خلالها التعبير عن رسائل إنسانية.

تضم المجموعة تسعة عشر قصة قصيرة ، جلها اعتمدت تقنية إبداعية متميزة ، حيث اعتمدت أسلوبا سهلا محملا بتلميحات لا تخلو من سخرية لاذعة، ووصفا موجزا لا يحمل تفاصيل مملة ، تقتفي أثر المعلومة مع سبق الإصرار والترصد فتأتي الحكاية منسجمة انسجاما كليا من البداية حتى النهاية . بعض القصص جاءت كقصيدة نثرية أو كخاطرة تحمل أسلوبا رقيقا ولغة شعرية شفيفة كما في ص 8 " أنت القصيدة" " هذا المساء كان هناك ، عبث بالحروف والكلمات، لهفة الشوق ، لم تبدد رغبة الصمت و السؤال ، لم تمح بقايا الحروف الملتهبة...." ،
كما أن استخدامها لبعض العبارات بالدارجة المغربية في بعض النصوص يزيد التعبير تأكيدا وتأثيرا وواقعية ، كما في ص 15 "آآآآآآه على زمان الحكرة...." وفي ص 75 " الله يا ربي ، بنت وحدة ومسخوطة".

لكن في جل القصص نشتم رائحة البحر ، يندثر زبده ، وتمحي أحزانه مع المد والجزر فتتملكنا نوستالجيا للطفولة وللشباب حيث الإحساس بالأمان تارة والخيبة تارة أخرى. شأن الكاتبة التي نجدها في كل القصص بجانب البحر أو وسط أمواجه بدون منقذ ، دلالة على وضعية المرأة الحائرة ، كما توحي صورة الغلاف ، بفضاء ضبابي ، وكأن السيدة على الشاطئ بخطواتها المتأنية تحمل أسرارا سوف تشاركها مع البحر ، أو سوف تسائل أمواجه عن الحلول لمشاكل وأسرار أثقلت كاهلها.

فالكاتبة تنطلق من أحداث واقعية كلها ممزوجة بأحاسيسها المرهفة ، الشيء الذي يؤكد طغيان الذكريات و الأحلام على المتن السردي ، فينطلق الحكي من أعماق الذات لينكأ جراحات القارئ ، ويتناوب ضمير المتكلم والغائب في القصص ، ورغم استخدام وجوه مقنعة للشخوص ، ندرك جيدا أن شخصية الساردة قوية وتطغى على الأحداث. فكل النصوص تحمل وجهين مختلفين ( الإعلان والإضمار) الشيء الذي يزيد الخطاب السردي تنوعا و جمالية.

نبشت الكاتبة عميقا بين هموم المواطن ، وأضافت همومه لهمومها ، ففضحت معاملات وعادات كثيرة تنخر واقع المجتمع المغربي ،
في قصة " انتظار" ص 14 " الرجل القصير يختفي بين المكاتب المتشابهة ، ويعود بعد خمس دقائق بورقة صغيرة مزينة بتوقيع أحمر ، لون الدم الهارب من وجهه ، وهو يتجول كل يوم بين المواطنين ..." أسلوب التلميح يزيد الوصف حدة وجمالية " ادهن السير يسير" تنتقد تفشي الرشاوي والغش والرداءة في الإدارة العمومية حيث ينبئ الوضع بإفاضة الكأس وسط جموع الشعب .

أما قصة " لعنة" ص 23 فتحمل بين طياتها انتقادا لاذعا لوضعية الثقافة
و المثقف بالمغرب ، والواقع المتدني للملتقيات الأدبية ، حيث تصور واقع المبدعين المبتدئين واندهاشهم وخيبة أملهم أمام من يعتبرون أنفسهم أوصياء على الأدب ، في حين لا يملكون من الإبداع سوى حقيبة مهترئة وبيرية، يلهتون وراء مصالحهم الشخصية وفتات الموائد، " تلعن في صمت ، الحروف التي جعلتها تقف أمام رجل بائس لا يفقه في الكتابة سوى انتقاداته التافهة ، ثم يحمل حقيبته المهترئة ويرحل بعيدا في انتظار لقاء آخر " ص 24 " ما الجدوى من السفر لساعات وساعات ..؟ و الوقوف لدقائق أمام الميكروفون ، أمام الكاميرا، تتساءل في أعماقها، وهي تتأمل الوجوه المنصتة ، الوجوه المتجهمة، المتبرمة، الأنامل العابثة بأزرار الأجهزة المحمولة" ص: 25 " لم جئت إلى هنا ؟ ألتكوني صفراء مثل هؤلاء ، ستعودين خاوية الوفاض كما جئت ، ستلملمين شظايا حروفك اليتيمة ، وتحمين شهادة كرتونية مع أوراقك المنسية".
في ص 69 القصة "التباس " أيضا تفضح بعض التصرفات الدنيئة لبعض المحسوبين على الثقافة والصحافة ، بحيث يتعرض مبدع مبتدئ لسرقة عمله الأدبي من طرف كاتبة مشهورة في ص 70-71 " آه ما أحلى الشهرة.
...
قال وهو يتقدم بروايتها الأخيرة.
...
هل يمكنك الاطلاع على نصوصي المتواضعة، إنها منشورة على صفحتي بالفايس بوك.
...
هذا الصباح كانت هناك ، تبتسم ، تبستم له وحده ، ذكرى اللقاء العابر لا يزال حلما يداعب خياله ، لم يحتس القهوة السوداء كعادته ، بل تمتع برشفات من عصير البرتقال ، فرحا بجديد كاتبته الغالية ، وعلى حروف الجريدة تجمدت عيناه، يا لسخرية القدر، إنها قصته القصيرة..." قفلة القصة ختمت باندهاش القارئ من الحقيقة الصادمة لواقع الساحة الأدبية .

في قصة " أمواج" ص 33، توظف أسلوب الإسقاط ، والحوار الداخلي الذي يبدو عاديا مع الجدار ، يأخذنا إلى زمن الطفولة ، حيث الكاتبة تستمتع بحكايات أبيها، بشغبها ،لعبها ورسوماتها ، وفي نفس الآن تستشعر حزن الجدار وتوظف همومه لصالح نفسيتها البئيسة ، قصة تعبر عن ذات الكاتبة الحزينة التي تسعى للتخلص من كآبتها، وتبدأ من خلال موهبتها ( الرسم) في ص 39 "
- صباحك مشرق أيها الجدار العظيم ..؟
ألقيت التحية وأنا ألتفت حولي ، وكأني أخشى أن يسمعني أحد المارة فيتهمني بالجنون...
وأين هي العظمة؟؟
رد الجدار منكسرا
-أنت عظيم، ألا تنظر على شموخك، انظر إلي ألا تتذكرني ؟؟ كنت طفلة قبل سنوات ، وها أنذا أغادر الثلاثين ، هل تعلم كم هو عمرك ؟ و الجدران بعدك أصابها الفناء منذ زمن طويل.
نبرة الحزن والانكسار تغلف صوته...

طرحت القاصة عدة قضايا جريئة تهم المرأة، و عرضت بعضا من خبايا الأنثى وهواجسها على الخصوص ، وما يتعلق بها نفسيا وجسديا واجتماعيا واقتصاديا ، بحيث أعطت لعناوين النصوص دلالات ، إيحائية :ك " أيام الباكور" ص75 و "شمعة" ص 83 و "أبواب مفتوحة "ص 87 " ثرثرة" ص 103 و " برج الهوى" ص 109 و "عبور" ص 113 و" تلك الشقراء " ص 119 ، وبذلك جاء الكتاب محملا بأبعاد إنسانية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم


.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب




.. -صباح العربية- يلتقي فنانة الأوبرا السعودية سوسن البهيتي


.. الممثل الأميركي مارك هامل يروي موقفا طريفا أثناء زيارته لمكت




.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري