الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب على الإخوان

يعقوب بن افرات

2015 / 2 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


منطقة الشرق الأوسط تشهد اليوم حالة من الحرب الأهلية الشاملة، المشهد الذي عرفه لبنان منذ سنوات السبعين من القرن الماضي أصبح اليوم حالة عامة تشمل سوريا، العراق، البحرين، اليمن، ليبيا، مصر وحتى فلسطين. الأطراف المتنازعة تختلف من ساحة إلى أخرى، شيعة وسنة في كل من العراق وسورية واليمن، أما في مصر، ليبيا وفلسطين فيتعارك النظام القديم والإخوان المسلمون الذين أصبحوا محور الصراع في المنطقة. إن الائتلاف ضد الإخوان المسلمين هو أوسع بكثير من الائتلاف ضد الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) ويشمل أطرافاً ذات مصالح متضاربة، فعلى رأس هذا الائتلاف نجد السعودية وحلفائها في الخليج إلى جانب الأردن والسلطة الفلسطينية ولكن إسرائيل من ناحية وإيران من ناحية أخرى تحاربان الإخوان المسلمين أيضاً. ولا بد من أن نضيف نظام الأسد، عبد الفتاح السيسي وخليفة حفتر الليبي وفوق كل هذه اللائحة الغريبة نجد أيضا داعش التي جاءت لتستبدل الإسلام السياسي بالإسلام السلفي الجهادي وهي المستفيدة من هذه الحرب "المقدسة" على الإخوان.
لا شك في أن الربيع العربي هو الذي منح للإخوان المسلمين الفرصة التاريخية للوصول إلى السلطة من خلال الانتخابات الحرة لأول مرة في تاريخ العرب، وصحيح أيضا أن توجّه الإخوان المسلمين نحو الربيع العربي كان انتهازياً منذ البداية فكل ما فكروا به هو كيفية الوصول إلى السلطة دون أن يدركوا طبيعة الثورة الديمقراطية أو أن يمنحوا للشباب الثائرين الذين بادروا لهذه الثورة مكانة مركزية في تقرير مصيرها. ولكن رد فعل الشباب الثوري والأحزاب اليسارية والديمقراطية كان خاطئاً وجلب الكارثة على مصر ومعها المنطقة العربية برمّتها. إن الانقلاب العسكري في مصر أصبح حادثاً مفصلياً يحدد مصير الربيع العربي في كل دول المنطقة. هذا التحالف بين القوى الليبرالية واليسارية مع الجيش المصري ومن ثمّ مع السعودية كان بمثابة انتصار كبير لهؤلاء في المنطقة وكثيرون هم الذين يتخوفون من التحول الديمقراطي، بداية من السعودية وإيران وانتهاء بإسرائيل التي تروج لفكرة مفادها أن الديمقراطية لا تتماشى مع طبيعة المجتمع العربي.
إن المحاكمات التعسفية ضد الثوار الذين صنعوا ثورة 25 يناير هي أكبر برهان على الكارثة التي يستجلبها الانقلاب العسكري الذي أطاح بأول رئيس مصري تم انتخابه بشكل ديمقراطي. إن هؤلاء الثوار الذين يتم زجهم في السجون بتهم مفبركة وتافهة لا يتقبلها عقل الإنسان هم من شاركوا في المظاهرة الكبرى التي مهدت الطريق للانقلاب العسكري. وبعد أكثر من سنة على الانقلاب وبعد اغتيال شيماء الصباغ بدم بارد، ومحاكمة أحمد دومة، أحمد ماهر وعلاء عبد الفتاح لا بد أن نسأل أنفسنا هل كان من المجدي بل هل كان صحيحاً الدخول في الحلف المشبوه مع الفلول والجيش والسعودية للتخلص من حكم الإخوان؟ هل الإخوان أخطر من الجيش؟ من ينظر إلى ما يحدث في ليبيا، أو في سوريا اليوم لا يمكن إلّا أن يصل إلى الاستنتاج بأن نتيجة الانقلاب كانت أسوأ من استمرار محمد مرسي في الحكم. فالإطاحة بمرسي من خلال انقلاب عسكري مدعوم من الخارج قطعت العملية الديمقراطية برمتها، ومنعت قيام انتخابات تشريعية نزيها وبررت ما يقوم به النظام المصري الفاشي اليوم بحق المواطن المصري الذي خرج للشوارع من أجل لقمة العيش والحرية.
وإذا أخذنا النموذج التونسي فمن الممكن أن نتعلم درساً مهماً جداً، ربما يتحجج البعض بأن راشد الغنوشي يختلف عن محمد بديع، وبأن الجيش التونسي يختلف عن الجيش المصري ولكن ومع احترامنا لكل هذه الفروق بين الحالة التونسية والمصرية يبقى الشيء ثابت هو أنه من خلال عملية ديمقراطية من الممكن التغلب على الإخوان المسلمين في حال عدم استجابتهم لمطالب الشعب أو في حال انقلبوا على العملية الدمقراطية برمتها. محمد مرسي أخطأ كثيراً، فقد تحالف مع الجيش ومع من قاموا بالانقلاب عليه ولكن أخطاءه هذه لا تبرر الانقلاب العسكري عليه. من دعم الانقلاب العسكري ساهم بشكل أو بآخر بإنهاء العملية الدمقراطية التي كانت أكبر إنجاز لثورة 25 يناير. وللأسف كان هذا الانقلاب نقطة انطلاق لانقلابات لاحقة إن كان في ليبيا أو اليمن هدفها واحد ووحيد وهو دفن العملية الديمقراطية التي دشّنها شباب الربيع العربي، دفنها إلى الأبد.
لم نكن لنتطرق إلى موضوع الانقلاب العسكري في مصر والذي عارضناه منذ البداية لولا استمرار الصراع بل واحتدامه بين القوى الدمقراطية في مصر وبين النظام الفاشي. فقد أصبح إطلاق صراح المعتقلين السياسيين مثل أحمد ماهر ورفاقه مطلباً محورياً مهماً في النضال من أجل الحريات الديمقراطية ولهزيمة النظام القديم الذي عاد إلى السلطة. غير أن هذا المطلب يقتصر عند كثيرين للأسف على سجناء الحركات الشبابية والأحزاب التي ما زالت تدعم النظام الفاشي حتى الآن ويستثني سجناء الإخوان المسلمين. إن هذا السلوك هو خطأ فادح وهو يقدم خدمة بطريقة غير مباشرة لممارسات النظام الذي يبرر كل إجراءاته القمعية بالحرب على الإرهاب ويتهم شباب الثورة بدعم الإرهاب. على القوى اليسارية والليبرالية أن تحدد بشكل واضح هل الإخوان المسلمون هم إرهاب مثل ما يدعي السيسي، الأسد نتنياهو والسعودية؟ وإذا الإخوان هم إرهاب فكيف نفسر هذا الدعم الشعبي الكبير الذي يتمتعون به؟ وماذا يعني اتهام ثلث الشعب المصري أو الليبي أو الفلسطيني بأنه يدعم الإرهاب؟
نعم، الإخوان المسلمين يشكلون الخصم الفكري والسياسي لليسار والقوى الديمقراطية ولكن التغلب على نفوذهم لا يمكن أن يتم من خلال دعم الانقلاب العسكري وشطب النظام الديمقراطي بل من خلال الاحتكام للجماهير. من يستند إلى الجيش وإلى شعار "الجيش والشعب يد واحدة" لا يثق بالجماهير رغم ادعاءه بأنه يتحدث باسمها. الديمقراطية هي سيادة الشعب، الإخوان لا يتفقون مع هذا المفهوم هم يرون بالشريعة الإسلامية مصدر التشريع ولكن العسكر لا يؤتمنون أيضا في الديمقراطية ويرون في الشعب عبيداً يجب عليهم إطاعة أسيادهم بشكل أعمى. ومن هنا لا يمكن الحصول على حرية بعض معتقلي الرأي دون أن يتم الإفراج عن كل معتقلي الرأي بما فيهم قياديي وكوادر الإخوان المسلمين. فقط الوحدة بين كل سجناء الرأي على اختلاف آرائهم واعتقاداتهم من الممكن أن تعيد ثورة 25 يناير إلى مسارها الثوري. إن النظام يمارس السياسة المعروفة بفرق تسد، هو يستفيد من هذا الانقسام بين القوى المعارضة له وما دام هذا الانقسام مستمراً سيستمر النظام القمعي والانتهاك السافر لحقوق الإنسان وحرمة الحياة.
إن مصير الثورة الديمقراطية في مصر ستحدد مصير بقية الثورات في المنطقة، ما تقوم به اليوم دول الخليج من ناحية وإيران من ناحية أخرى هو منع التحول الديمقراطي بكل الأساليب الممكنة. إنهم يستفيدون من هذا الانقسام بين القوى الإسلامية والقوى الديمقراطية ليبسطوا الفوضى، الحرب الأهلية والدمار البربري الذي راح ضحيته مئات الآلاف من الأبرياء في كل المنطقة العربية. إن السعودية وإيران هما وجهان لعملة واحدة، هما يمثلان الوجه القبيح للدين الإسلامي على شكل الدولة الإسلامية في العراق والشام او حزب الله أو عصائب أهل الحق العراقية ومن هنا لا بد من تشكيل جبهة ديمقراطية عريضة تشمل كل القوى الإسلامية والليبرالية لمواجهة إيران والسعودية وحلفائهما في المنطقة من الأسد إلى السيسي ومن حفتر إلى الحوثي، فبغض النظر عن خطابهم يبقون أعداء للربيع والعربي وما يمثله من تقدم نحو نظام ديمقراطي عصري ينقذ الشعوب العربية من الكارثة التي تعيش فيها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس الحرب الحالية.. ما الخطر الذي يهدد وجود دولة إسرائيل؟ |


.. مجلس النواب العراقي يعقد جلسة برلمانية لاختيار رئيس للمجلس ب




.. هيئة البث الإسرائيلية: توقف مفاوضات صفقة التبادل مع حماس | #


.. الخارجية الروسية تحذر الغرب من -اللعب بالنار- بتزويد كييف بأ




.. هجوم بـ-جسم مجهول-.. سفينة تتعرض -لأضرار طفيفة- في البحر الأ