الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بناء الشخصية الروائية قراءة في رواية الرهائن للأديب محمد صوف

محمد يوب

2015 / 2 / 26
الادب والفن


بناء الشخصية الروائية
قراءة في رواية الرهائن للأديب محمد صوف
من جماليات الرواية أنها كائن حي يساعد على توليد الدلالات من خلال طبيعتها المنفتحة على وظائف تداولية مختلفة؛ وعند قراءة رواية الرهائن للأديب محمد صوف، نجد بأنها تراعي مجموعة من تقنيات الخُدع المستخدمة لتوريط القارئ في مستويات مختلفة :
1- في السرد الروائي
2- في الوصف
3- في إنتاج الخطاب
4- في نمو وحركية الشخصيات
و في هذه الدراسة سينصب اهتمامي على كيفية نمو ونهوض الشخصيات؛ باعتبارها مكون أساسي من مكونات الرواية الحديثة؛ التي تقدم الشخصية كوعاء فارغ في نسيج الجسد الروائي؛ كل قارئ يملأه بما يناسب؛ حسب ما توحي به هذه الشخصيات من قراءات ودلالات تداولية.

1- بناء الشخصية الروائية

الروائي يبني شخصيات روايته من خلال طريقتين:
أ- بناء الملامح الخارجية للشخصية؛ وذلك حين يلجأ الكاتب إلى رسم شخصياته من الخارج؛ فيشرح اسمها ؛ وعمرهـا ومهنتها وعلاقـاتها الاجتماعية؛ فـضلا ً عن مظهرها الخارجي كالملابس والأسماء والتكوينات الظاهرية ؛ و الكاتب أراد أن يجعل من رسمه الدقيق لهذه الشخصية مسوغاً لتهيئة المتلقي لاستقبال ما ارتبط بهذه الشخصية من مغامرات عاطفية وتناقضات كثيرة.
وهذه الملامح الخارجية للشخصية ليست ملامح مجردة قائمة بذاتها؛ وإنما هي مرآة تكشف أغوارها النفسية والفكرية؛ فهيئة ومظهر الشخصية ما هي إلا مرآة لجوهر فلسفتها الإنسانية.
ب- بناء الملامح الداخلية للشخصية: وهنا ينحي الكاتب نفسه جانباً ليتيح للشخصية أن تعبر عن نفسها وتكشف عن جوهرها بأحاديثها وتصرفاتها الخاصة؛ وذلك بالدخول إلى أعماق الشخصية؛ ومحاولة استقراء ما يعتمل داخلها من أفكار(اسمي منية؛أحب أن أحب؛ أعيش في غرفة لا أحبها؛لا أحب الديكور فيها؛ أشعر بالاختناق وسط الأرائك والأثاث و الجداريات الصغيرة؛ أعيش فيها مكرهة لا بطلة؛ كلما عدت من عملي ودخلت الغرفة أشعر بالرغبة في البكاء ولا أبكي) وهنا تبدو الشخصية وكأنها في حوار صامت مع ذاتها أو مع شخصية أخرى غير مرئية تكشف أمامها ما يدور في عقلها وما تعتمل بها نفسها؛ فقد استطاع الروائي الدخول إلى أعماق الشخصية محاولا استقراء ما يعتمل داخلها من أفكار.
فالروائي يكشف ما يدور في ذهن الساردة منية من خلال هذه العودة إلى الذات؛ فالكشف عن الأبعاد الداخلية لهذه الشخصية من شأنه أن يكمل رسم لوحتها العامة؛ التي لم تكتمل ولم تتضح كلية في الرسم الخارجي.

2- فقر في الوصف وغنى الوظيفة

غير أن هذه الشخصيات تظل فقيرة بالرغم من الوقوف على جوانبها الخارجية و الداخلية؛ لأن الكاتب لم يفصل في مواصفاتها؛ فقد أشار فقط إلى ما يتعلق بالانتماء الاجتماعي و المهني وما يتعلق بالهوية الاسمية؛ غير أن هذا الفقر في المواصفات ليس عيبا وإنما هو تقنية في بناء الشخصيات؛ لأنه عندما يتحدث عن امتداداتها خارج هذه الذائرة يحيل على كيانات ممتلئة تمنحها عمقا يميزها عن غيرها؛ فشخصية المختار شخصية بسيطة لكن التحول الذي حصل لها أعطاها بعدا جديدا في السرد زاد من توتر الرواية وشد انتباه القارئ.بمعنى أن ندرة مواصفات الشخصيات جعل منها عناصر رمزية بالمعنى العميق للكلمة؛ فالرمزية تتحدد من خلال العام و المجرد الغامض و القابل للتأويلات المتعددة؛ حيث يتحول الفقر في الوصف غنى في الحضور الوظيفي؛ وهذه الأبعاد الوظيفية ليست علنية وإنما تظهر من خلال مقروئية و استراتيجية النص الروائي عامة.
وهذا الفقر في المواصفات له در كبير في توسيع الهوة الفاصلة بين عالم المتخيل و العالم الواقعي؛ لأن الإكثار من المواصفات في الرواية وكل ما يمكن أن يخبر عن كيان هذه الشخصيات؛ يقلص بشكل كبير من المسافة الرابطة بين عالم الرواية وبين العالم الوقعي؛ ويقلل من توقعات القارئ.
وعندما نعمق النظر في الرواية تطرح علينا علاقة النص الروائي بصاحبه؛ حيث إن رواية الرهائن تكشف اللاشعور الأيديولوجي لمنتجه/محمد صوف باعتباره الشخصية الأساس؛ وفي الاتجاه المستقبل تكشف شخصية أخرى هي شخصية القارئ المجهول؛ فيصبح ؛احدى الشخصيات المؤثثة لفضاء الرواية؛ لأن هذه الأخيرة هي إعادة بناء دلالي وسردي للواقع؛ بمعنى كيف يمكن أن تنهي أنت أيها القارئ هذه الرواية لو كنت مكان الكاتب

3- غموض الشخصية الروائية:

يلاحظ القارئ في المتن الروائي (الرهائن) لمحمد صوف بأن الشخصية الساردة في هذه الرواية شخصية غامضة مهيمنة في منطوق الرواية (اسمي منية؛ سني ثلاث وثلاثون سنة؛ هذا كل ما تسمح لكم الرواية بمعرفته عني حاليا؛ لن تعرفوا أكثر ولو حرصتم) فمنية شبيهة بشهرزاد؛ كانت تبوح في كل ليلة بحكاية جديدة من مخزونها السردي الذي لا ينضب؛ لكنها كانت تتعمد دوما أن تقطع هذا السرد؛ ويتوق شهريار كل يوم أن يحظى بليلة جديدة تكمل فيها شهرزاد ما انقطع؛ حتى اكتملت الليالي الألف؛ إن منية تركت باب السرد مفتوحا لكي تجلب اهتمام القراء وتسحرهم بحكيها وسرد أحداثها.
إنها شخصيات تقدم الأدوار المنوطة بها بحرفية عالية؛ وكأنها لا تتأثر بفعل الزمن؛ و هو سبب خلودها واستمرارها في ذاكرة المتلقي؛ والسبب في ذلك هو أنها ليست شخصيات واقعية من دم ولحم؛ وإنما هي شخصيات منفلتة من إبداع الواقع المتخيل.
رواية الرهائن؛ تتتبع دور المرأة المغربية في السياسة و الثقافة و المجتمع؛ تكشف خبايا النفس الانسانية وما يعتمل في داخلها؛ تحكي أحداثَها البطلة منية التي تأخذ دور القائد الذي يوزع الأدوار بالنيابة عن الكاتب؛ بلغة تنمو وتتطور من اللغة الشعرية إلى اللغة الدينية وتتطور معها الشخصيات؛ من مولاي المهدي الجلاد إلى مولاي المهدي المتدين؛ و من المختار السكير إلى المختار المتدين...
في الأخير نقول بأن رواية الرهائن عبارة عن منظومة متشابكة يحكمها الجدر اللغوي "رَهَنَ" كل شخصية رهينة بما/من تحب؛ حب التحرر؛ حب المرأة؛ حب الخمرة؛ حب السلطة و التملك؛ حب التقاليد الاجتماعية و المعتقدات الدينية و الأيديولوجية؛ لكي ينجر القارئ في النهاية ويدخل في شباك الرواية ويصبح رهينة في غابة السرد الروائي.
محمد يوب
ناقد أدبي
13/02/15








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد


.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد




.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد


.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا




.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس