الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأمن والجنسية الكويتية وحقوق المثليين

عبدالعزيز عبدالله القناعي

2015 / 2 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


الأمن والجنسية الكويتية وحقوق المثليين
تشكل تعقيدات الحياة الاجتماعية والسياسية والدينية، بالإضافة الي تعقيدات الحياة التكنولوجية، عوامل مهمة زادت من سيطرة الإنسان على الجوانب المادية في حياته، ولكن وبنفس الوقت أصبح يعيش قلقا داخل نفسه وذاته التي تتنازعها الأهواء والأفكار والمعتقدات، حتي بدا في لحظة تاريخية كأنه يفقد الأمن النفسي والاجتماعي. فالأمن والأمان هما من الركائز المجتمعية الأساسية للنهوض بالمجتمعات الإنسانية وتعزيز استقرارها بعد مشاهدات دامية وتفاعل متداخل بين الدين والسياسة أدى الي تعطيل الذات العربية من تقديم التصور الصحيح لماهية الفرد ضمن منظومة العالم المتحضر. يقول ستيوارت فرانسيس في ورقة عمل مقدمة الي برنامج التنمية الدولية واقتصاديات التنمية أن "أمن الإنسان، يشكل جزءا مهما من حياة الناس ورفاهيتها، وبالتالي فهو هدف التنمية". فأين تكمن حلقات انعدام التنمية في الكويت، وهي محور حديثنا، بعد أن أصبح المجتمع الكويتي عرضة لمخاوف شتي تنطلق من عوامل داخلية وخارجية بآن واحد. فحماية رفاه الفرد من واجبات الدول النفطية الريعية وهي ذات خلفية اقتصادية تابعة وأمن يعتمد في أغلبه على الاتفاقيات الخارجية ضمن محيط داخلي متزعزع طائفيا وقبليا. في الكويت وما يحصل فيها من مشاهدات وصراعات وتجاذبات نراها على شاشات التلفزة ونقرؤها بالصحف هي أقل ما توصف بأنها هادمة ومدمرة لإنسانية الإنسان وبشكل خطير جداً وله تداعيات مأساوية، وربما نحتاج من الوقت وأجيالاً أخرى لإزالة هذه الأثار والتشوهات التي تعصف بالإنسان وتعطل مسيرته.
إن الشخص الآمن نفسيا يشعر ان حاجاته مشبعة وان المقومات الاساسية لحياته غير معرضة للخطر ويكون في حالة توازن او توافق امني في المجتمع الذي يعيش فيه. وان احباط حاجات الامن يكون سببا في تطور كثير من الاعراض والاضطرابات الشخصية، مثل: العنف السلوكي، العصاب القهري والاعتقاد بالخرافات والممارسات الخرافية. فهل وصل المواطن الكويتي الي تحقيق مثل تلك الحاجات النفسية التي تؤهله للقيام بواجباته الحياتية في المجتمع؟. الأدلة والواقع يظهران تناقضا خطيرا في هذا الجانب، فمن الناحية المادية، تطالعنا الصحف يوميا بأخبار السرقات والفساد والتعدي على المال العام واستفادة المواطنين من تراخي الدولة في تحسين مستواهم المعيشي، ومثال على ذلك القضية المثارة مؤخرا من التلاعب في ملفات العلاج بالخارج وملف المعاقين الأصحاء، وأكبر مثال له تداعيات كبيرة مؤخرا هو ملف الجنسية الذي سنتكلم عنه لاحقا في الأمن السياسي. فكل هذه المؤشرات تضعنا أمام تغير نفسي يتجه للأسوأ، فبخلاف الرواتب المدعومة حكوميا بزيادات لا قيمة انتاجية لها، ومجانية التعليم والصحة والإسكان، إلا أن المواطن مازال يشعر بأن رغباته المادية بازدياد ويطالب بقوة محمومة بتعديل سلم الرواتب وباختصار مدة تسليم المنزل الحكومي المجاني وبتعديل النظام الصحي..المواطن الكويتي اصبح في ظل الدعم الحكومي والتراخي بتطبيق قوانين الخصخصة مشاركا في فساد الحكومة وداعما للأسس المخالفة للأمن النفسي وحدوده. لقد اصبح ارتباط المواطنين بالمجتمع او الحكومة او حتى الدولة مرهون بإشباع الدوافع والحاجات المادية التي تمكنهم من العيش فوق مستوي المعدل الطبيعي للإنفاق مقابل الإنتاج والعمل، وهو ما أدي الي أن يشعر المواطن الكويتي بفقدان الأمن النفسي بشكل معكوس لأن رغباته الذاتية غير محققة حكوميا، وهو ما أدي تاليا الي تكوين لوبيات ضغط شعبية ممثلة بأعضاء مجلس الأمة للمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية دون تقديم أي بديل استراتيجي وطني يحمي البلد والاجيال القادمة، ومع إننا لا نغفل هنا عن التصاعد الدولي في ارتفاع الأسعار أو التغيرات العالمية في الطلب والعرض وعولمة الاقتصاد، أو مقولة أن الكويت تسبح على بركة نفطية، ولكن هذه كلها عوامل تتناقض أصلا مع مفهوم الأمن النفسي وهو الحالة التي يكون فيها "إشباع الحاجات مضموناً وغيرَ معرضٍ للخطر. فالأمن النفسي مركبٌ من اطمئنان الذات والثقة بها، مع الانتماء الى جماعة آمنة". هذا التناقض هو لب الأزمات التي تفرعت تاليا في المجتمع وطغت على التنمية وبناء المجتمع والدولة. فماذا نعني بالأزمات التي تفرعت تاليا. لقد نتج عن التناقض النفسي في اشباع الحاجات الأساسية الي نوع ما من "الفرعنة" السلوكية التي اصبحت تلامس كل مجالات المجتمع، السياسية والاجتماعية. ففي الجانب السياسي نجد أن المجتمع الكويتي في غالبيته اصبح متآلفا وراضيا مع مفهوم المال السياسي في تغيير التوجهات السياسية في الترشيح والانتخاب لمجلس الامة كأبسط مثال، وفي جانب آخر أصبح العزف والتلاعب على وتر المذهبية والقبلية تجارة رائجة وهدف لكل من يسعي الي المتاجرة والوصول الي مركز السلطة وكرسي البرلمان، فلم يعد الأمن السياسي يعني للمواطنين المحافظة على الحقوق الأساسية وحرية الاعتقاد والتعبير لكل فئات المجتمع، بقدر ما اصبح يعني أن يكون لكل مواطن او مذهب او قبيلة الحرية لهم فقط. ووفقا لمسح أجرته منظمة العفو الدولية، والقمع السياسي والتعذيب المنهجي، كانت النتيجة "كان لا يزال ممارسة سوء المعاملة أو الاختفاء في 110 بلدا من محبطات الأمن السياسي. ويليها انتهاكات حقوق الإنسان وهي الأكثر شيوعا خلال فترات الاضطراب السياسي. جنبا إلى جنب مع الأفراد والجماعات وقمعهم حين تحاول الحكومات ممارسة السيطرة على الأفكار والمعلومات". الشاهد، أن الوضع السياسي في الكويت لم يصل الي هدم مقومات الأمن السياسي، وإن كان هناك بعض التراخي، ونرجع أيضا الي قضية تطبيق القوانين، في تعزيز قيم الولاء والمواطنة وحقوق الانسان وخصوصا فيما يتعلق بحرية الاعتقاد والتعبير، إلا أن الوضع السياسي في الكويت ما هو إلا إفراز ونتيجة حتمية لتهتك الوضع الاجتماعي وضبابية الدولة في تحديد نمط سلوكها وتوجهها، فهل الكويت دولة مدنية أو دينية او تطمح الي العلمانية؟.
وفيما يتعلق بما يثار حاليا وما تتفاعل معه فئات المجتمع من قضية سحب الجنسية الكويتية من بعض المواطنين، فإن هذه القضية كمثيلاتها من القضايا التي يختلف عليها المواطنون ما بين مؤيد ومعارض، وهو وضع سليم وحالة طبيعية في مجتمع يتمتع بنسبة لا بأس بها من الحريات في التعبير. فالأمن السياسي ينبع ويتجذر من حقوق الإنسان، ولأن حقوق الانسان ليس لها تعريف محدد بل هناك العديد من التعاريف التي قد يختلف مفهومها من مجتمع إلى آخر أو من ثقافة إلى أخرى، لان مفهوم حقوق الإنسان أو نوع هذه الحقوق يرتبطان بالأساس بالتصور الذي نتصور به الإنسان، فإن سحب الجنسية الكويتية يعتبر حق أصيل وممارسة سياسية تهدف في المقام الأول الحفاظ على الأمن السياسي وبالتالي الأمن الاجتماعي من التأثر بمسببات تدفع الي تهديد الأمن القومي للبلاد..ولأن قانون الجنسية الذي أقره مجلس الأمة، وهو الممثل الشرعي عن الشعب، قد استمر طويلا ولم يتعرض لأي تغيير إلا في تضييق الحصول على الجنسية ومنعها عن غير المسلم، فإن اجراءات سحبها بقيت قانونية بموافقة اعضاء مجلس الأمة. والمادة (27) من الدستور الكويتي والتي تنص على "الجنسية الكويتية يحددها القانون، ولا يجوز اسقاط الجنسية او سحبها الا في حدود القانون". تشير بما لا يدع مجالا للشك بأن الدولة أو السلطة خولت الحكومة بالتصرف في قضية الجنسية الكويتية. وإن تأخرت الحكومة في تفعيل هذا القانون كثيرا لظروف لم تكن تستدعي ذلك أو لفشل الحكومات ومجالس الأمة المتعاقبة من اصلاح أي خلل، إلا أن التحرك الأخير وبعد شيوع الفوضى السياسية والتطاول على مقومات الأمن الوطني أدي الي أن تمارس الحكومة دورها في ضبط المتلاعبين ومثيري الفتنة والشغب، أو ما يعرف بمزدوجي الجنسية ومن زور وتلاعب بكشوف التجنيس، وهو تصرف يعيد للدولة بعض المكاسب السياسية التي أضاعتها بتراخيها بمحاسبة الفاسدين والخارجين على القانون.
لقد ساعد الشعب الكويتي الحكومة في ايصال الأوضاع الي ما هي عليه من تراخي وفساد، لم يتغير الشعب الكويتي في غالبيته من بعد الأزمات الطاحنة التي مرت علينا، ولم يتعلم معني المواطنة وحقوق الانسان إلا في أضيق الحالات، كما بقيت المذهبية والقبلية تسيطر على العقول والتعليم وكل مجالات التعامل في الحياة..لقد أصبحت الذاتية والفردية والأنانية تطغي على العمل الجمعي وتعزز المصالح الشخصية فوق مصلحة الوطن. إن حقوق الانسان التي يتباكى عليها مدعي الحريات، ليست فقط في الجنسية وحرية التعبير، بل امتد تعريفها في العصر الحديث الي مدارات أوسع وحقوق مثالية أكبر، فهل يؤمن الشعب الكويتي أو من يطالب بالحكومة المنتخبة، في حقوق المثليين التي صدرت في مارس/آذار 2007 وفق "مبادئ يوغياكارتا بشأن تطبيق القانون الدولي لحقوق الإنسان بالعلاقة مع الميول الجنسية وهوية نوع الجنس". قبل أن يطالبوا بالحرية بشكل عشوائي ومزاجي أو مقيد بحسب الدين والعادات والتقاليد البالية، وهل يؤمن الشعب الكويتي بالحقوق الجنسية باختلاف تنوعها ومساراتها؟..إن الأمن والأمان الذي تسعي اليه الشعوب لا يمكن تجزئته ولا يمكن الأخذ بالبعض وترك الآخر، فإن لم نصل الي هذه الدرجة من التعاطي مع القوانين والحريات وحقوق الانسان المختلفة، فلا يمكن أن نقيس أي أزمة أو قضية إلا وفق قناعاتنا المسيرة وفقا للمذهب والقبيلة والدين، وهذا هو سبب تخلفنا وعجزنا عن التطور والتقدم.




د. عبدالعزيز عبدالله القناعي
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة : أي دور للمثقفين والنجوم؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مذيعة CNN تواجه بايدن: صور الأطفال في غزة مروعة وتكسر القلب.




.. تغيير العقيدة النووية الإيرانية.. هل تمهد إيران للإعلان الكب


.. المستشفى الإماراتي ينفذ عشرات العمليات الجراحية المعقدة رغم




.. الصين تتغلغل في أوروبا.. هل دقت ساعة استبدال أميركا؟| #التاس