الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى يوم الهول الأمريكي.. الفاعل والمستفيد 1-3

إكرام يوسف

2005 / 9 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


1ـ المخططون والمنفذون

لم تكن مشاهد من فيلم للخيال العلمي، ولم تكن كائنات فضائية هي التي أقدمت على الفعل، وإنما كانت وقائع حقيقية قام ببطولتها أشخاص من لحم ودم دفعوا العالم لأن يحبس أنفاسه ترقبا عدة ساعات من يوم الثلاثاء 11 سبتمبر 2001، في حادث الهجوم الإرهابي على الولايات المتحدة، الذي لم يكن يخطر على بال أكثر المحللين جنوحا للخيال.
ورغم إدانة العالم كله أعمال الإرهاب عموما، والدعوة إلى سرعة الكشف عن الفاعلين، ورغم إعلان تنظيم القاعدة عن مسئوليته؛ بعد فترة من إعلان الإدارة الأمريكية عن هذه المسئولية عقب ساعات من الحدث، إلا أنه لم يستطع أحد حتى الآن أن يؤكد ـ بثقة وبدلائل قاطعة ـ هوية "جميع الفاعلين" الحقيقيين فالسؤال: من الفاعل؟ ينبغي أن يسبقه سؤالان آخران هما: لماذا الفعل؟ ومن المستفيد؟
ويضع البحث عن إجابات لهذه الأسئلة الولايات المتحدة أمام حقيقة تجنبت كثيرا مواجهتها: أن غرور القوة ـ الذي دفعها إلى التطلع دائما إلى مواصلة بسط هيمنتها على شتى بقاع العالم ـ أنساها الالتفات إلى أولئك الذين داست أعناقهم بوحشية في طريقها لتكريس الهيمنة، كما أسفر عن التراخي الأمني الداخلي الذي أصاب أجهزتها. ولا يستطيع أحد أن ينكر أن قوى عديدة تطلعت طويلا إلى يوم تتجرع فيه الهيبة الأمريكية مرارة الهوان مثلما تجرعته شعوب كثيرة في أوروبا، وأفريقيا، وآسيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط، بل وداخل الولايات المتحدة نفسها. الأمر الذي رشح دماء الهيبة الأمريكية ـ النازفة بفعل حوادث ذلك اليوم المشهود ـ لأن تتفرق بين قبائل عدة.
وسيحتاج الرأي العام الأمريكي الذي لم يشهد حربا على أرضه منذ الحرب الأهلية قبل نحو قرن ونصف القرن ـ والذي ظل طويلا يشعر بالأمان اعتمادا على أن بلاده قارة بعيدة يفصلها محيطان عن بؤر الاضطراب في العالم ـ إلى مرور فترة طويلة قبل أن يسترد الإحساس بالأمان والثقة في قادته. وتكمن الخطورة في إقدام هؤلاء القادة على أعمال انتقامية بهدف تقديم كبش فداء لامتصاص صدمة الرأي العام الداخلي وحفظ ما تبقى من ماء الوجه على الصعيد الخارجي. ولكن أيا ما كانت الأسباب والنتائج، فالأمر المؤكد أن العالم لن يعود أبدا مثلما كان قبل هذا الثلاثاء

بين ليلة وضحاها، بات الجميع يتسابق إلى التأكيد على تبرئة نفسه من تهمة تشجيع الإرهاب، ويكاد كل منهم أن يقسم بأغلظ الإيمان على إدانته للأعمال التي تزهق أرواح الأبرياء مهما كانت دوافعها،
حتى أن هذه الإدانة ابتذلت بالفعل وفقدت قيمتها الحقيقية من كثرة ما ترددت على ألسنة كثيرين ممن تلطخت أيديهم ـ ومازالت ملطخة ـ بدماء أبرياء. ومن هنا فلسنا بحاجة إلى التدليل على أنه ما من إنسان عاقل لم يتمزق فؤاده عندما شاهد على شاشات التلفاز صور أولئك المساكين الذين ظلوا يلوحون دون جدوى من شرفات المبنى العملاق أملا في أن تأتيهم النجدة لتنتشلهم من هذا الرعب، فلما تأكد بعضهم من قسوة المصير الذي ينتظره بادر بإلقاء نفسه من الشرفات إلى المجهول. وليس منا بالتأكيد من لم يعتصر قلبه الحزن على مصير أولئك الذين شاء لهم حظهم وحظ أهليهم التعس أن يكونوا على متن الطائرات الأربع التي تحطمت.
إلا أنه لا ينبغي أن نغفل مغزى بعض ردود الأفعال التلقائية والعفوية في أوساط البسطاء بالذات، في العديد من مناطق العالم، كأنهم اكتشفوا فجأة صدق مقولة ماو تسي تونج أن أمريكا ليست سوى نمر من ورق وليست ذلك «الغول» الذي كاد الكثيرون أن يؤمنوا بأن الخضوع له والرعب منه بات قدرا مقدورا، ليس أمام الجميع سوى التسليم به دون أي أمل في الفكاك من قبضته.
ولاشك في أنه ما من عمل إرهابي إلا و يحمل في طياته رسالة ما، يهدف لتوصيلها إلى من يهمه الأمر، إما لتحقيق مصلحة ما (لفرد أو جماعة أو دولة أو تحالف دولي) أو للتنفيس عن غضب عارم تراكم عبر تاريخ طويل من الإحساس بالقهر والغبن. فإذا ركزنا النظر بالتحديد على العمليات الانتحارية (أو فلتسمها الاستشهادية بحسب موقفك من منفذها) سنجد أننا بصدد شخص (المنفذ) لا ينتظر تحقيق مصلحة شخصية، فهو موقن انه ذاهب لحتفه لا محالة. ومن ثم، فهو إما شخص تشبع طويلا بالإحساس بسخط ما يشعر معه أن حياته لا تساوي شيئا طالما استمر بقاء الطرف المستهدف بالعملية، ومن هنا يستوي لديه الموت مع الحياة الذليلة، بل ربما وجد الموت أشرف له وأكثر احتراما. أو أن لديه إيمانا قويا بعقيدة أو بمبدأ يدفعه لاسترخاص الحياة في سبيل نصرتهما، وإلى جانب المنفذ فهناك شخص آخر أو جماعة أو جهاز أو دولة (المخطط) هو في الأغلب من ينتظر أن يجني ثمار العملية تحقيقا لمصلحة يهدف لتحقيقها. ومن هنا، نجد أن الإجابة على سؤال من الفاعل فيما يتعلق بأحداث الأسبوع الماضي في نيويورك وواشنطن، تتطلب البحث عن طرفين في حقيقة الأمر وليس طرفا واحدا: المنفذ الذي نذر حياته فداء لما يعتقد أو تنفيسا عن غضب دام طويلا، والمخطط الذي ربما كانت أهدافه تختلف كليا أو جزئيا عن أهداف المنفذ، بيد أنه وجد فيه ضالته لتحقيق مصالحه. وانطلاقا من هذه الرؤية، نستطيع أن نرصد نطاقا واسعا من الجماعات والقوى التي يهمها أن تذيق القوة العظمى بعض ما ذاقته على يديها طويلا من هوان وقهر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تبدو النتائج الأولية غير الرسمية للانتخابات العامة البري


.. مراسل الجزيرة يرصد أبرز تصريحات وزير المالية الإسرائيلي سموت




.. بايدن يعترف: لقد أخفقت في المناظرة وكنت متوترا جدا وقضيت ليل


.. استطلاعات رأي: -العمال- يفوز في الانتخابات البريطانية ويخرج




.. أبرز المرشحين الديمقراطيين لخوض انتخابات الرئاسة في حال انسح