الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عراق من ؟ أو أبوة الدكتاتور القسرية وتأثيراتها في حاضرنا

حسين التميمي

2005 / 9 / 17
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


خلال العقود الثلاثة المنصرمة تم ترسيخ فكرة (الأب القائد)، وهذه الأبوة القسرية ألقت بظلالها على الكثير من مفردات حياتنا وتم بسط نفوذها على الوعي الجمعي للشعب العراقي – من حيث يعلم أو لا يعلم –، فصار الواحد منا يحيا تحت طائلة هذه الأبوة، شاء أم أبى، مثقفا كان أم متعلما أم شبه متعلم. ولا نريد هنا أن نذهب بعيدا فنفصل آليات هذه المؤثرات وكيفية اشتغالها تفصيلا دقيقا يضع كل نموذج من النماذج في أعلاه على طاولة التشريح النفسي (اذا صح التعبير) لكن أشير الى أن اكثر النماذج تطرفا في رفض هذه الأبوة لم يمارس أكثر من دور الابن المتمرد الرافض لهذه الأبوة، وحتى هذا الرفض يمكن تفسيره احيانا بأنه نوع من الاعتراف الضمني بهذه الأبوة القسرية. وفي خط مواز لهذه الأبوة (للشعب)، يقع خط آخر هو خط ملكية هذا الأب للأشياء والموجودات، فنحن نعلم مثلا أن الطاغية كان يتعامل مع كل ما يقع ضمن حدود الخارطة الجغرافية للعراق بوصفه ملكا شرعيا له، ولا يحق لأي كان أن ينازعه على هذه الملكية، وما عطاياه من المال والاراضي وكل أنواع الهبات الى أناس معينين إلا تأكيد لهذه الملكية، وما بيعه الكثير من المعامل والمصانع الحكومية الى القطاع الخاص. إلا تأكيد وترسيخ لهذا الحق الأبوي. وقد فعل هذا التأكيد والترسيخ فعله في نفسية المواطن العراقي وعزز من سطوة الدكتاتور ونفوذه داخل كل أسرة عراقية، حتى صار كل أب يخشى من أن يجد نفسه في الشارع بين ليلة وضحاها، لأنه مهما امتلك من وثائق واوراق رسمية تؤكد ملكيته لما يملك، فإن الأب القائد يستطيع بكلمة واحدة منه ان ينتزع هذا البيت أو ذاك.
وفي خط مواز آخر، أدت حرباً (قادسية صدام) و(أم المعارك) الغرض المرجو منها في اشغال الإنسان عن الإحساس بإنسانيته وجعله دائم الشعور بالذنب والتقصير، فهو إما أن يكون هاربا من الخدمة أو متخلفاً عنها، وهذا مهما امتلك من وعي فإنه سيكون ثمة عار وهمي يلاحقه. هذا العار متأتّ من غباء جمعي جعل الأغلبية يصدقون بأن ثمة مؤامرة على الوطن وأن عليهم أن يؤدوا واجبهم المقدس في خدمة العلم والدفاع عن حياض الوطن، لذا، هم ينظرون الى من يهرب من الخدمة العسكرية نظرة دونية. هذا بالنسبة لمن كان يمارس دور المتمرد على هذه الأبوة (العسكرية)، أما بالنسبة لمن كانوا منضبطين داخل حدود ومحددات القطيع، فهؤلاء كانوا يعيشون حالة خوف مزدوج،. هو الخوف من زبانية الطاغية الذين كانوا يسدون منافذ الهروب والخوف ممن يدعى بـ (العدو) الذي يترصد خلف الساتر، وحتى أولئك الذين لا تشملهم شروط الالتحاق بالخدمة العسكرية ممن تزيد أعمارهم عن السن القانونية كانوا يعيشون خوفا مضاعفا، لأنهم يخشون على انفسهم من الجيش الشعبي من جهة ويخشون على ابنائهم الذين هم إما منخرطون في الخدمة ويمكن أن يموتوا في أي لحظة أو هاربون منها وممكن أيضا أن يموتوا برصاص (الرفاق). لذا يمكن القول أن العقود الثلاثة التي مضت (لحسن الحظ) كانت عقود خوف جمعي وأبوة قسرية مفروضة بطريقة دكتاتورية بشعة، لكن المفارقة أن ماحدث بعد ذلك هو إزالة الأب الظالم من دون الاتيان بأب بديل، وقد يبدو كلامي هذا لأي مواطن (في سويسرا مثلا) كلاما غبيا وساذجا، لكن المواطن العراقي سيفهم ما أعنيه، أكثر مما يفهم الحرية والديمقراطية، وكل ماحدث ويحدث منذ 9/ 4/ 2003 حتى هذه اللحظة يشعر هذا المواطن بأنه تائه، لأن ما ترسخ لديه طوال العقود الماضية يصعب تغييره بين ليلة وضحاها، وأنا هنا لا أدعو الى إعادة صدام الى الحكم فهو قبل غيره بات يعلم جيدا بأنه أصبح ورقة خاسرة ولا يمكن المراهنة عليها مجددا، ولا أدعو أيضا الى تنصيب دكتاتور جديد، لأن هذا الأمر أصبح في حكم الماضي، لكن أظن أننا بحاجة الى شخص يشعرنا حقا بأنه عراقي صميم، وبأنه قادر على تحمل المسؤولية، شخص يتحدث الينا بصراحة ومباشرة بعيدا عن الديبلوماسية والحذلقات السياسية، شخص يقول لنا بصراحة ما الذي يجري الآن داخل الغرف البرلمانية المغلقة، شخص لديه من الشجاعة ما يدفعه الى مصارحة الشعب بأن لديه المشروع الذي سينقذ البلد، والذي يتلخص بالفقرة كذا وكذا، من دون لف أو دوران، وإذا كان ثمة أناس داخل البرلمان يعارضون طروحات هذا الشخص فليبادر هو ويطرحها على الشعب والشعب أولى من الساسة في معرفة الحقيقة. متى سيوجد هذا الشخص؟ ومتى تكون أبوتنا للحقيقة وحدها وليس لأي دكتاتور من دكتاتوريي الماضي والحاضر ؟ أظن أن وجود شخص أو مجموعة أشخاص رهين بوجود قاعدة مغايرة لما عهدناه في الماضي، قاعدة لها القدرة على الإيمان بقيم ومثل مغايرة لتلك التي ربينا عليها طيلة العقود المنصرمة، قاعدة ذات مرونة عالية ولها القدرة على استيعاب المتغيرات الحاصلة في عوالم أخرى أكثر تقدما وتطورا منا، قاعدة لها القدرة على الايمان بالانسان بوصفه قيمة عليا، قاعدة لها القدرة على استيعاب حقيقة أن التغيير لا يعني استبدال صنم الدكتاتورية بصنم العرقية أو الطائفية أو القومية أو أي مسمى آخر من مسميات التخلف والنكوص.
وإلى أن يحدث هذا سنظل (نتلفت) حولنا بحثا عمن يدلنا على الطريق، فيما الطريق أمامنا واضح بيّن ولا يحتاج الى أكثر من مجرد النظر بحيادية وعقلانية بعيدا عن كل المؤثرات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معركة رفح.. إسرائيل تتحدث عن خيارات بديلة لهزيمة حماس | #غرف


.. العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران.. عقبات -لوجستية- و-سياس




.. قصص ومعاناة يرويها أهالي منطقتي خزاعة وعبسان الكبيرة بسبب تو


.. شهداء غزة من الأطفال يفوقون نظراءهم الذين قضوا في حروب العال




.. نتنياهو: قمت بكل ما في وسعي لإضعاف قوة حماس العسكرية وقضينا