الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خاطرة حول محاضرة في متحف أنيق

نبيل علي صالح

2015 / 2 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


استمعت اليوم بإمعان وتشوق كبير لمحاضرة ألقاها أحد المختصين السوريين في موضوع العمارة، وهو الدكتور هاني ودح، عميد كلية العمارة بجامعة تشرين.

كانت المحاضرة قيمة وغنية بالمعلومات التاريخية الهامة الواردة طبعاً في كثير من الكتب والمراجع والمظان التاريخية المعروفة، والتي تحدثت عن مدينة اللاذقية منذ أكثر من 4000 سنة خلت..

طبعا لابد بداية من توجيه بطاقة شكر للمحاضر على أسلوبه معالجته للمعلومة التاريخية، خاصة لجهة المقارنة بين ما كان، وما جرى.. كذلك على جهده المبذول في إعداد وتجهيز وإخراج المحاضرة على الصورة الزاهية والبهية التي رأيناها، وكانت محط اعجاب واستمتاع عموم الجمهور الحاضر.

يعني كانت المحاضرة عموما جيدة وممتعة كما قلنا، ولكني لاحظت وجود عدة ثغرات عديدة منهجية وأكاديمية، تمحورت حول آلية العرض السريع "الاختزالي" الذي تم في سياقه تضييع الكثير من المعلومات والتواريخ والمفاصل التاريخية المهمة التي كان يفترض عدم نسيانها، بل وتسليط الضوء عليها بقوة أكثر من غيرها، حيث لاحظنا أنه تم "سلق" مرحلة بأكملها، لم يذكر فيها وحولها أي شيء حول تاريخ ومعالم عمرانية مهمة وحيوية في هذه المحافظة.. لا ندري ما السبب؟ ربما يخبرنا المحاضر بها بعد حين!!!!!..

لكن حقيقة ما آلمني وحز في نفسي ووجداني أكثر، هو شعور المحاضر، واحساسه العميق ونفحات الحزن التي بدت عليه، وهو عميد كلية عمارة، التي تمثل أعلى موقع هندسي معماري رفيع بنائي وتخطيطي بالبلد، شعوره بالأسى والحزن لما آلت إليه الحالة المعمارية والهندسية العامة المزرية (عمرانيا ومعماريا كما قلنا) لمدينة اللاذقية وتأثره الصادق لتلك الحالة مع أنه مسؤول معماري فيها!!!.. فأين هو دوره وقراره وحضوره مع الاحترام والتقدير؟!!!! كما ونسأل: إذا كان هذا الشعور بالعجز شبه الكلي، وحالة الشلل التام تقريبا المسيطرة عليه (وعلى غيره من "أركانات" القرار الهندسي بالمحافظة كما يظهر!!!)، والمتمثلة في عدم القدرة على فعل أي شيء من قبل رجل يمثل حالة هندسية راقية ورفيعة، ويفترض أن يكون لها دور وحضور واضح، ليس بالمحاضرات والندوات فقط والحزن والأسى على ما فات من أزمان العمارة الجميلة بالمدينة (بعدما تم تهديم معالم ومباني تراثية وحضارية وتاريخية مهمة وحل محلها البناء البيتوني الشاقولي المسلح)، ولكن بالمشاركة في صنع القرار الهندسي للمحافظة، اذا كانت هذه هي حالة العجز والضعف لدى هكذا موقع متقدم علمي رفيع، فماذا نقول عن باقي مواقع المجتمع، أفراداً وهيئات ومنظمات وغيرهم ممن لا علاقة لهم بشيء اسمه هندسة وعمارة وتخطيط مدن؟!!.. ثم أين هم "صناع القرار الهندسي" العلمي في هذه المدينة؟ لماذا لا نراهم إلا في سرادقات العزاء الهندسي وأجواء المناحات، وحفلات الردح والندب والشجب فقط بلا طائل ولا معنى ولا مغزى؟ أين هم عن مواجهتهم لمن يتهمونه (من حيتان البيتون المسلح وتجار وسماسرة البناء العشوائي المخالف) بتدمير البنى المعمارية العتيقة والتاريخية في المدينة وتشييد الأبراج البيتونية محلها؟ ولماذا يواصلون نقدهم المتواصل لبعض المشاريع الهندسية التي شوهت منظر المدينة كتشييد المرفأ في قلب وخاصرة المدينة وهم طبعا محقون في ذلك، مع عدم أخذهم العبر والدروس لمنع تشييد مباني ومشاريع أخرى قد تشوه (وقد شوهت منظر المدينة لاحقا)؟..

يعني حقيقةً، تخيلت أحد هؤلاء المتعهدين من متعهدي اخر زمان، ممن يبنون المخالفات (إياهم ما غيرهم)، لو كان يحضر ويستمع لهذه المحاضرة، لكان سقط مغشيا عليه من الضحك والتهكم والسخرية؟!!!!! لماذذا: لأننا –كمهندسين- ليس لنا الا الكلام والتحليلات النظرية والاسى والحزن والتأسف والتباكى على أيام زمان، والله يرحمها... لن تعود.. يعني نحنا قاعدين نتحسر على صور وذاكرة توثيقية جميلة أجاد المحاضر في ضبطها وعرضها ومقارنتها، وهو (أي المتعهد ومن معه ولف لفه، من باقي جماعات السكن العشوائي) يضحك في قرارة نفسه، ويتخيل نفسه كيف كان يعد الاموال المقبوضة إلى جيبه، من جراء بيع أبنيته البيتونية التي أقامها على أنقاض (نعم أنقاض) تلك الصروح المعمارية الفريدة الجميلة!!!!!!!!
كما وآلمتني كثيرا الطريقة التراجيدية المؤثرة التي أنهى المحاضر من خلالها وعبرها محاضرته، وكأني به (أي بالمحاضر) يريد أن يقول:
أولئك (تجار الحروب الذين دمروا آثار حلب) هم مثل هؤلاء (سماسرة وتجار المخالفات والبناء المخالف)، قاموا بما قاموا به من تدمير لمباني ومواقع وتلال ومعالم اثرية وتراثية مهمة ونوعية وحيوية كان يفترض أن تكون شواهد حضارية مشعة عن حضارة وتراث البلد التاريخي..!!..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توسع الاحتجاجات الجامعية في أنحاء العالم


.. إجراءات اتخذتها جامعات غربية بعد حرب إسرائيل على غزة




.. استشهاد فلسطينيين أحدهما طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزلا شر


.. على خطى حماس وحزب الله.. الحوثيون يطورون شبكة أنفاق وقواعد ع




.. قوة روسية تنتشر في قاعدة عسكرية في النيجر