الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحكومة والمعارضة و بلبلة الانسحاب النيابي

صادق الازرقي

2015 / 2 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


يجمع المهتمون بالشأن السياسي على ان المعارضة النيابية هي من أشكال المعارضة السياسية للسلطة التنفيذية التي تعني في النظام البرلماني مجلس الوزراء؛ ويخلصون الى انه كلما كان النظام التمثيلي أكثر تناسباً، زاد احتمال ظهور أحزاب سياسية متعددة في قاعة المناقشات داخل مجلس النواب.
وفي معظم التجارب البرلمانية السليمة فان ممثلي الاحزاب المعارضة في البرلمانات يصرون على البقاء فيها حتى في الاحوال التي يختلفون فيها جذريا مع سياسات الحكومة؛ بل انهم يحاولون توسيع تواجدهم وكسب المزيد من المؤيدين من الاحزاب الاخرى وحتى من الاحزاب الحاكمة. وقصارى القول، ان ذلك الاسلوب في العمل يشكل دعماً كبيراً للناخب ويجعل من مجلس النواب ممارساً حقيقياً لدوره المطلوب رقيباً حقيقياً على الحكومة يقوّم اداءها ويسعى الى تغييره، و يدفع باتجاه تشريع القوانين التي تخدم الناس؛ تمهيداً لأداء دور اكبر في انتخابات مقبلة، قد يكون تسلم السلطة التنفيذية احد اركانه الاساسية.
في بريطانيا مثلا ـ وفي دول أخر ـ توجد ما تسمى حكومة الظل تمثل بحسب القوانين التي وضعت المعارضة الرسمية للحكومة القائمة، و تستعمل الالقاب التنفيذية نفسها التي لأعضاء الحكومة الفعلية، رئيس وزراء ظل ، مقابل رئيس الوزراء الفعلي ، و وزير خارجية ظل في مقابل وزير الخارجية الفعلي و هكذا دواليك، وعلى صعيد الممارسة يجلس أعضاء حكومة الظل، بمن فيهم رئيسها ، في مواجهة الحكومة الفعلية في البرلمان البريطاني، ويقول واضعو تلك الاسس في العمل البرلماني، وكذلك تعلمنا التجارب؛ ان العملية السياسية بذلك النهج تنتج معارضة قوية مقابل حكومة قوية، ويشددون على ان هذا يضمن سلامة العملية السياسية و يصون الديمقراطية، و عدم انجرار الحكومة القائمة الى ممارسة سلطة مطلقة، أو إساءة استعمالها من جهة، و عدم انقياد المعارضة الى ما من شأنه أن يؤدي الى هبوط مستوى الأداء السياسي لها من جهة ثانية.
توفرت لدينا في العراق، لاسيما في اوساط مجلس النواب في جميع الدورات البرلمانية السابقة وكذلك الحالية، معارضة للحكومة بصورة لافتة، ولكن جرى تشخيص عجزها بوقت مبكر، فكان يقال انها تضع قدماً في المعارضة وقدماً في الحكومة، وتتفاقم تلك الازدواجية بصورة مريرة في الوقت الذي يجري التفاوض على المناصب الحكومية اثر الفراغ من كل انتخابات، فيصر "الفائزون" في الانتخابات، المتفاوضون لحيازة الحقائب الوزارية على التمسك بأي امل لنيل الوزارة، في الوقت الذي تطرح كتلهم السياسية ومقربوهم دعاوى تمثيلهم للمعارضة موجهين الانتقاد الى كل شيء؛ وجرى في حالات كثيرة الاصرار على نيل الحقائب لوزارات غير سيادية بحسب ما كان يجري تصنيفها، عرفت بمشاريعها الكثيرة لأنها توفر لهم اموالاً لا يوفرها لهم التواجد تحت قبة مجلس النواب.
لقد شهدت الدورات البرلمانية انسحابات وتهديدات بالانسحاب ليس من الحكومة الذي هو اجراء منطقي معمول به في كل العالم في اوقات الازمات؛ بل من مجلس النواب، وهو تصرف غريب اذ ان الازمات التي تنبثق تتطلب بالعكس تواجداً مكثفاً من النواب الذين يرون خلافاً مع الحكومة، حتى ينجحوا في عرض المشكلات والاحتجاج على الاخفاقات وطرح البدائل واي علاجات يرتؤونها، وفضح السياسات التي يرون انها غير صحيحة من الادارات و السلطة التنفيذية.
وبما ان دور مجلس النواب تشريعي ورقابي مثلما يصر اعضاؤه على التأكيد على ذلك بمناسبة او من دونها، فان المطلوب منهم ان يتواجدوا فيه بكثافة لعرض مواقفهم، اذ ان الانسحاب يعني تراجعاً عن دورهم وتعهدهم بتمثيل الناس والدفاع عن قضاياهم، بتشريع القوانين المطلوبة لإدامة حياتهم بالصورة الصحيحة.
اننا لا نعني احداً من دون غيره بكلامنا هذا، اذ ان جميع الكتل هددت في اوقات سابقة او انسحب نوابها بالفعل على خلفية خلافاتهم مع رأس السلطة التنفيذية، او مع ادارات بعينها؛ غير انهم لم ينسحبوا من الحكومة وابقوا وزراءهم فيها، في تناقض فاضح، اذ ان من يعترض على الحكومة وعلى ادائها في الوقت الذي هو جزء منها، يعني انه يسهم في اخفاقها وان المطلوب من الكتل والائتلافات السياسية الممثلة في مجلس النواب، التي تشترك في الحكومة ان تسحب اولاً وزراءها من الحكومة كي لا يتحملوا وزر الاخفاقات اذا كان ثمة اخفاقات، وان عليها بالمقابل ان تبقي على ممثلي كتلها في مجلس النواب وان تحاول استمالة آخرين من الكتل الاخرى لمساندة مواقفهم وتشكيل معارضة قوية في مجلس النواب؛ اذ ان بقاءهم في المجلس ورفد وتعزيز مواقفهم، يدفع الآخرين من الاعضاء الى مؤازرتهم ودعمهم حين يطرحون ظلاماتهم ويتحركون باتجاه الى تشريع القوانين التي تخدم ناخبيهم؛ فتلك هي المهمة الرئيسة للنواب المنتخبين ازاء ناخبيهم، والا فان الامر ينتج بالضرورة معارضة برلمانية عرجاء ليس بمقدورها ان تطرح برامجها بفاعلية و جرأة، كما انه بالمقابل يؤدي الى الفوضى في العمل الحكومي بسبب تعطيل وفقر الاجراءات التشريعية وكذلك الرقابية، ما يؤدي الى مفاقمة تذمر الناس من الحكومة ومجلس النواب بل من العملية السياسية برمتها.
ان ذلك لو تواصل، اقتراناً بسلبيات اخرى تحولت في السنوات الماضية الى مشكلات، ومنها اقرار القوانين والقرارات بالتوافق، على وفق نهج المحاصصة البغيض؛ فانه يؤدي الى انتاج معارضة كسيحة وحكومة مكسورة الجناح، وشعب، يظل يعاني من ضنك العيش والوضع الامني والاقتصادي والسياسي غير المستقر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية #سوشال_سكاي


.. بايدن: إسرائيل قدمت مقترحا من 3 مراحل للتوصل لوقف إطلاق النا




.. سعيد زياد: لولا صمود المقاومة لما خرج بايدن ليعلن المقترح ال


.. آثار دمار وحرق الجيش الإسرائيلي مسجد الصحابة في رفح




.. استطلاع داخلي في الجيش الإسرائيلي يظهر رفض نصف ضباطه العودة