الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكلاب لا تعمر طويلا

دينا سليم حنحن

2015 / 2 / 28
الادب والفن


الكلاب لا تعمّر طويلا– دينا سليم
نَهَتني جدتي ذات عصر:
لا تقتربي من هذا السّياج، ولا تتخطي هذا الممر، وإياك أن تعبري من هذا الطريق الضّيق، ولا تختصري السبيل فتقعين في جحر مكيدة لا يمكنك الخروج منها، فربما تتغير الطّريق معك فجأة، فما عدو الإنسان سوى الإنسان.
وعندما سألتها لماذا كل هذا الحرص بينما ننعم بالعيش الرغيد ولا يوجد لنا أعداء، ولماذا هذا الخوف طالما تربينا على احترام الجميع من الصّغير إلى الكبير، واعتدنا مراعاة شعور الضّعيف وإطعام الفقير وتهدأة خاطر الذليل!
فأجابتني: أخشى من هذا اليوم الذي سيأتي وكل من ذكرتِهم يصبحون أقوى من العدالة الإنسانية، نحن في هذا العصر جميعنا أخوة، في النهار يضحك كل في وجه الآخر ونغمّس كل بطبق الآخر، وعندما تحين ساعة المساء يترك كل منا الآخر ويذهب بمعية ضميره إلى مخادع عقله القلق ليضعها على وسادته البيضاء، منهم من يلوثها بأفكاره السلبية ومنهم من يزيدها طهارة، سيأتي يوما ويتبدل كل شيء ويصبح الأخ عدوا لأخيه، ربما اليوم سيتأخر لكنه سيأتي، المهم هو ألا تفقدي إيمانك بالمحبة، لأنه من يزرع محبة يجدها ومن يزرع كراهية يحصدها، وصافي القلب سيبقى قلبه صافيا، وهذا الدنيء السّيء، حامل المعاصي، سوف ينكشف حتى لو بعد حين.
لم أعد أثق بأحد جدتي، فالعصر منذ غادرتنا، أي قبل عشرين سنة ونيف، لم يعد هذا العصر الذي عشناه، لكن مشاهد كثيرة جميلة ما تزال تلوح داخل ذاكرتي، رأفة فلانة ورحمة فلان، وإيمان فلانه وتقوى فلان، قبح فلان أمام حسنات فلانة، نيّة فلانة المتلحف عقلها بالسواد مقابل النيّات الصادقة القليلة لفلان، لكني من بين كل هذا أتوقف عند مشهد ربما لا أهمية له، عندما أتذكر هذا الكلب المتشرد الذي ينتظر لقمته بوداعة خلف سور بيتنا، تخصصينها له كل يوم، ولكي لا نتشاجر، أنا واخوتي، وزعتِها فيما بيننا حسب عدد الأيام لكي نفعل ذلك مسرورين راضين، والدّرس الأهم في الرّحمة أصبح ملقنا ومفهوما ضمنا وهو ألا ندوس على ظهر نملة وندع القوقعة تمر بسلام، فمن يشفق على حيوان طريد لا يمكنه أن يكون قاسيا... هذا الذي لحق به صبية الحارة لرجمه وجاء في يوم ما ليلتجيء في ساحة دارنا، لم نخش من اقترابه بل بكينا أمام نظراته الحزينة، ولم نحترس منه حتى لو كان موبوءا بمرض، هذا الذي نبح كثيرا عندما سقطت عينه على ثعبان تسلق جدارنا وتحيّن فرصة مهاجمته ولو على حساب حياته، هذا المسكين الذي أتت نهايته وسُحق تحت عجلات سيارة شحن كبيرة ولم يجد من يلملم أشلاؤه من الطريق، هذا المنبوذ علّمنا هو أيضا كيف يكون الوفاء.... لكن الكلاب لا تعمّر كثيرا، لو تعيش زمانا طويلا!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصيدة الشاعر عمر غصاب راشد بعنوان - يا قومي غزة لن تركع - بص


.. هل الأدب الشعبي اليمني مهدد بسبب الحرب؟




.. الشباب الإيراني يطالب بمعالجة القضايا الاقتصادية والثقافية و


.. كاظم الساهر يفتتح حفله الغنائي بالقاهرة الجديدة بأغنية عيد ا




.. حفل خطوبة هايا كتكت بنت الفنانة أمل رزق علي أدم العربي في ف