الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذي لم يصل ........ قصة قصيرة

عقيل الواجدي

2015 / 2 / 28
الادب والفن


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ قصة قصيرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عقيل فاخر الواجدي
ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي لم يَصِـــــلْ
اِرتباكُ الخطوات المسرعة وهي تتعثرُ ببعضها ألزمهُ ان يستند على يديه كثيرا لينهض من جديد ، كل ما حوله كان يسبقه ، الاّ خطواته يكاد يجزم انها لم تتحرك خطوة واحدة ، احساسٌ بالخيبة انْ تركضَ نحو المجهول ، انْ تسابقَ الموتَ الى الموت ، التقاطاتُ عينيه لمحيط المكان يزيد من خيبته ، واسعة هذه الارض وهي من ضاقت على ان تَسَعَهُ وامَّهُ ببضعة امتار ، شحَّت عليه ، لكنها الان ما اوسعها !!!
صوتُ لهاثهِ وارتفاعُ انفاسهِ يغطي على كل صوتٍ من حوله حتى اصواتِ الرصاصِ الذي يلاحقه ، الركضُ ، حِرْفَةٌ متوارثة لم تنفك عن ايامه او عما سبقه ، الركض خلف الايام لكسب القوت لم ينتهِ مضماره كما توقع ، التحاقه بالخدمة العسكرية التي يؤمن سلفاً ان ثمنها اكبر حتى من الرِشوة التي دفعها كي يحظى بمكان في هذا الجيش لم تُنهِ فصول التعب من حياته .
البيوتُ التي يسعى نحوها لتلافي الرصاص تَنداحُ بعيدا كأنما تمنح الموت فرصة الانقضاض عليه ، كل ما حوله اصبح بعيدا الا الموت ، عاهرةٌ هذه الارض ، فلطالما فتحت فخذيها للقادمين من خلف الحدود يُعَمّدون انوثتها بفحولة الحقد ، ويقيئون على مفاتنها مَنِيِّ الوهم ليتناسلَ التاريخُ مجدداً هاهنا ، هم البقايا من سِفاحِ القصورِ وفتاوى الانحراف ، الراكضون معه ابتلعتهم الابواب التي اشرعتْ فكيها لتلقيهم جثثاً يتراقصُ من حولها الغادرون وهم يفصلون الرؤوسَ عن الاجساد لمن استجار بهم ..
هُمْ نِتاجُ الارض ، وهذه الارض حتى نباتاتها تمدُّ سويقاتها لتُعَثّره ، موغلة بالحقد ، تقيء حتى رفاتِ الميتين ، عارية تلوّحُ للراكضين خلفه انه هاهنا ، يَحِسُّ نباتاتها تنحني حتى لا تمنحهُ مساحة للاختباء ، كم انت عاهرة ايتها الارض ، هي الارض التي تطلب ثأر الجرذِ الذي اطاح به الغزاة فتمكن المتشبثون بالقشة – على غير موعد - ان يعتلوا ظهر السفينة التي ما ان صعدوها حتى خرقوها لتغرق من جديد ، هم الطالبون بثأر المآذن التي اسكتها ( حي على خير العمل ) ..
بحجم هذا الفراغ تساءل مالذي يحدث !! أهي غيبوبة سيفيق منها ! ام حقيقة مايجري !!
اجتهد كثيرا في ان لايتخلى عن بندقيته رغم شواجيرها الفارغة ، ربما لانها شرفه كما اخبروه ! او ربما انه خشي ان يُغَرَّمَ ثمنها – الذي لايستطيع دفعه - اِنْ نجى ويعرِّضُ نفسه للعقوبة !! كثيرة هي التصورات التي مرَّت به ، وكثيرة هي المواقف التي تسلقت الى مخيلته ، كأنما زمن من الركض مرَّ لم يدرك بدايته ، ويقيناً لايعلمُ ختامه ، ضابطُ السيطرة بنجمتيه لم تُفلِحْ معه التوسلاتُ في ان يصوّبوا نيران بنادقهم نحو حاملي الراياتِ السود ، وهم يدركون سلفا انه – الضابط - اقل قدرا من ان يواجه عدوا او ان تذهب به الحمية لحماية وطن ، هو من الذين تبرعموا من خاصرة المصالحة الوطنية وتسوَّروا اسيجة الخنوع التي احاط بها السياسيون كراسيهم خوف الانهيار ..
نهرهم بشدة : الاوامر تُوجبُ ان نعود نحو القاعدة ونخلي المكان ،
- لكنهم الان قريبون ، والانسحاب سيمكنهم من اللحاق بنا ومحاصرة القاعدة !!
كان شديداً هذه المرة : ومن انتم حتى تقولوا هذا !! ما انتم الا جنود وعليكم تنفيذ الاوامر ...
انصاعوا على غير رغبة منهم لتنفيذ امر الضابط الذي اوهمهم انه سيسبقهم بالعودة للقاعدة ، لكنه غادر الى جهة مجهولة ... ، تاركهم يلتمسون العودة بافئدة صفعها التوجس ، فالسواد يقترب كما غيمة ممطرة ستحيل الارض الى وحل .
عن كثب لاح لهم الدخان وهو يغطي ابراج المراقبة التي تحيط بالقاعدة فادركوا حينها ان جميع السيطرات غادرت اماكنها لتمارس نفس الدور في ان تفسح الطريق للمسلحين للاحاطة بها .... هي ( نَجْماتٌ ) أُخرَ بلاشك ، تمارس خيانتها ، معلومات مُسَرّبة ، اسماء مزورة ، ارزاق مقطوعة واسلحة لاتصلح حتى للصيد ...
ماكان على موعد مع حفرة الجِراءِ التي غادرت مكانها تحت وقع صوت الرصاص لولا تعثر رجليه ببعضهما ، تكوَّر فيها كطفل يلفُّ نفسه ابتغاء الدفء ، انحشر فيها بما لم يبقِ اثراً من جسمه خارجها ، الاصواتُ تقتربُ منه وثقلُ الخطواتِ على الارض حتى خالَهم انهم سيسمعون صوت دقات قلبه واضطراب جسده ، اغمض عينيه وهو يهمس لله ان يدفع عنه ما به ، الباحثون عنه يسالون الله ذاته في ان يحظوا به ويجدوه ...
يسمعهم وهم يحثون بعضهم على ان لا يتركوا منهم احدا ، ان يطهروا الارض من رجس الرافضين لحكم الرب ، الربُّ الذي انحازَ الى جانبهم على عادته ، هو ربهم وحسب .
اختلطت الاصوات ببعضها بالقرب منه ، كأنما اجتمع العالم كله هنا وبكل لغاته ، زاد من التصاقه بالارض حتى خُيِّلَ له انه اخترقها فما عاد يسمع صوتا الا همهماتٍ تخفتُ رويداً رويداً ،
هل غادروا ؟ ام انهم يخدعونه بهذا الصمت ليظهر فيقبضون عليه ؟
اصطفافُ اطفال الصفيح على طرفي الشارع وهم يلوّحون للرتلِ المتوجهِ من اقصى الجنوب حيث البصرة الغافية على بحارٍ من العوز وتلال من الاعين المهتضمة ، على بطون تطوي جوعها وتتوسد احلامها التي لم تتخلَ عنها اَثارَ النشوة بداخله فبدأ يلوّح لهم ويوزع القبلات كأنما بطل يتوجه لمنصة التتويج ، العباءاتُ المُتْرَبَةُ التي تطلّ برؤوسها من خلف جدران الصفيح اَخْفَتْ وجوهاً بلونِ التعبِ وهي تلوّح لهم بأذيال عباءاتها لتمنحهم العزيمة وربما هي تلويحات الوداع ، راى الوطن في كل هذه الاعين التي تحدق بهم ، راى امه فيهن فكانت اولَ الوجوه التي حطّت امامه في ظلام اغماضته ، تفرَّس في عينيها المغرورقتين بالدمع وخدّيها المخدشتين وهي تسمع انباء ما حدث لهم في ( سبايكر ) ، ايّ حزنٍ سيجلد روحها ! اي موتٍ سيأكلها تباعا فلا يُبقي منها شيئا ، اُمّه التي آثَرَتْهُ على روحها فاكتفت به بعد ان اَوْدَعَتْ اباه التراب ، التحفتِ العوز في كل شيء من اجله ، هل ستغفرُ له ذهابه عنها وهي من اخبرته انها ستقنع من التراب فراشاً ومن المعاش فتاته ، يكفيها ان تراه امامها دائما ....
اتستحقُ امّه ان يمنحها حزناً ابدياً ووحدة قاتلة !!!
مِنْ اجلِ مَنْ ؟؟
كم تمنى لو انه لم يُسَلّمْ تلفونه النقال لينصت لصوت امّه ، ليعتذر لها ، لتهدأ روحه التي تشتت مِلأ المكان ، امُّه وحدها مَنْ بوسعها انْ تُضْفي الطمأنينة على روحه ، لكنه الان سيتركها في مهبِّ الحزن تدفعها رياحُ الفقْدِ نحو سواحلِ الموت البطيء ، لَكَمْ انتَ خؤونٌ ايها الضابط حتى صوت امّي تصادره ، اغلقتَ ملفَّ اِدانتكَ مبكراً بمصادرتك اجهزة الهاتف ، كم انت عبقري في خيانة الوطن !
اَفزعهُ المشهدُ كثيرا ، حين خُيّلَ انه سيتم فصل راسه عن جسده حال القاء القبض عليه ، مؤلم بلاشك ، رغم يقينه ببراعتهم في قطعها ، هم بارعون في زراعة الموت ، المشاهد التي رآها كفيلة ان تثيرَ القيء وتوهنَ جسده ، ليته احتفظ بطلقةٍ واحدة ليتخلص من كل هذا الوجع ، وهل كان بوسعه ان يفعل هذا لو امتلكها !! انصافُ الشواجير هي كل ما منحوه اياه في مواجهة عدو يتناسل كخيبات هذا الوطن ،
الوطن الذي لا يُبقى في ذاكرته الا المنتفعون وما سواهم الى نسيان ،
يُحْكى انه بعد سنين عُثِرَ هاهنا على بندقية صدئة وبقايا عظام .....


الناصرية 15/11/2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء


.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان




.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي


.. كلمة أخيرة - بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء




.. كلمة أخيرة - ياسمين علي بتغني من سن 8 سنين.. وباباها كان بيس