الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عِلّةُ ذلكَ الإخفاقِِ

منعم زيدان صويص

2015 / 3 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


وأخيرا بدأت مجتمعاتنا تعترف بأنها مسئولة، على الأقل جزئيا، عن ظهور الطائفية والتعصب وانتشارهما في منطقتنا والعالم الإسلامي بشكل عام، وأعني بهذه المسئولية أننا سمحنا لذوي الفكر المغلق والمتطرفين باستلام زمام الأمور في حقل التربية والتعليم في المدارس والجامعات منذ عقود طويلة، انحرفت خلالها مناهج التربية عن طريقها الطبيعي لتتجه نحو الطائفية والتخلف والاقتتال وكره الإخوة شركاء الوطن ومحاربتهم. لقد غُرست مبادئ التكفير والتعصب الأعمى في عقول بعض أبناء هذا الجيل والجيل الذي سبقه، وهم يشكلون الآن أدوات ووقودا للحروب الطائفية التي نشهدها، وللتدمير الثقافي والحضاري الذي جعل العالم يعتبر بعضا منا أعداء للحضارة وللإنسانية.

رُبّ قائل إن دول الغرب هي المسئولة عن إثارة الخلافات الطائفية في المنطقة لكي تُضعِف الدول العربية، وتستمر في تفوقها عليها ماديا ومعنويا، وتقوية إسرائيل على حسابها. ولكن هذا عذر أقبح من ذنب، لأننا بذلك ننفذ رغبات العدو، ونغمض أعيننا ونبدأ بقتل بعضنا بعضا بأمر منه كلما اختلفنا على تفسير آية أو حديث، أو حتى على حدث تاريخي. لماذا نتهرب من المسؤولية ونحملها لغيرنا؟ هل نتوقع من الأجنبي أو العدو أن يحب بلادنا أو شعوبنا أكثر مما نحبها نحن فيتدخل للإصلاح بيننا؟

ولكن ما حصل قد حصل، وهيهات أن ترجع سوريا والعراق كما كانتا قبل الحروب الحالية. هل نستطيع أن نعيد المتاحف والتاريخ الذي دمر؟ ومع الحديث عن دورنا السلبي في معالجة مصائبنا، تقدّم بعض كتابنا ومثقفينا خطوة أخرى وأصبحنا نشكو هذه الأيام من انحدار مستوى التعليم في البلاد والحاجة الملحة لمعالجة المناهج التربوية، وهناك تصريحات لوزراء التربية والتعليم ومسئولين آخرين بهذا الخصوص لم نكن نتخيل أو نتوقع أن نسمعها في الماضي، ولكن الاقتراحات للإصلاح لا تزال شحيحة وغير صريحة ومترددة، والفرق بين ما يُظهر هؤلاء الكتاب والمثقفون وما يُبطنون لا يزال كبيرا.

الأطفال هم أهم سلعة يمكن أن نستثمر فيها لمستقبل أفضل. بناء شخصية الطفل، ومن ثم الفرد، من أهم واجباتنا. يجب أن نشجع أولادنا على الاستقلالية في الرأي منذ نعومة أظفارهم، وأن يميزوا بأنفسهم، أو بمساعدة بسيطة، الصحيح من الخطأ. ويجب ألا نخاف من مواقفهم الحرة ، لأنها غالبا ما تتفق مع الطبيعة الإنسانية. إن الحضارات الإنسانية تشترك بمبادئ عامة تتعلق بالصواب والخطأ، وبالفضيلة والرذيلة، ومن طبيعة الإنسان أينما كان أن يميل إلى الفضيلة وينبذ الرذيلة. دلوني على أي دين أو ثقافة في العالم تتعارض مع هذه الطبيعة؟ ما هي الديانة التي لا تحرّم الكذب، والسرقة، والغش، والخيانة الزوجية، والاعتداء على الآخر أو على أملاكه بدون وجه حق؟ مَن من الشعوب عندهم ثقافة لا تحض على الصدق ومساعدة المساكين، ولا تتبنى بقية الفضائل الأخرى التي تنبع من الضمير الإنساني؟ نستطيع أن نعلم أطفالنا كل هذه الفضائل بكل سهوله وبقليل من الجهد شرط أن لا نرتكب الأخطاء والرذائل أمامهم. وليس من الضروري أن نهددهم ونرعبهم إذا أخطأوا، بل يجب أن نشدد على التسامح، ونعطيهم فرصة أخرى. على الطالب أن يعتاد على استعمال العقل والمنطق في صنع قراره، بمساعدة قليلة من معلميه أو والديه. بعض طلابنا الجامعيين فقدوا القدرة على التمييز، ويلجأون أحيانا لرجال الدين ليحلوا لهم مشاكل بسيطة وواضحة تخضع للمنطق والتفكير السليم؟

من المهم تنمية الذوق لدى الإنسان في جميع الأمور، فالتغيير والتقدم في العالم يعتمدان إلى حد بعيد على المنطق والذوق السليم، ومن حق التلميذ و التلميذة أن يظهرا بمظهر لائق يدل على حسن الذوق وقيمته في حياة الناس. علينا أن لانغلق عقول أولادنا وبناتنا إزاء الفن بأنواعه، بل علينا مساعدتهم على الانفتاح على الفنون وتقدير قيمتها، وتنمية إبداعاتهم.

على جيلنا الجديد أن يعترف ويقدّر وحدة العالم العلمية والمعرفية ومبدأ الاستفادة من المعرفة بدون قيود، وتسخير العلم والمعرفة لخدمة الإنسان وسعادته. على الكبار أن يكونوا قدوة للصغار في الانصياع بمحض إرادتهم للقوانين التي تسنها الدولة وأن لا يتهربوا منها أو يفاخروا بمخالفتها، وهذا إثبات لحب الناس وإخلاصهم للوطن الذي يرقى إلى مستوى القداسة. يجب عدم الإصرار عل أن يحفظ التلميذ عن ظهر قلب ما لا يستطيع فهمه. يجب أن لا نخلط بين الدين والعلم لأنهما خطان متوازيان لا يلتقيان مهما امتدا، واحد يعتمد على الإيمان والآخر يعتمد على الشك، ومعنى هذا أن العلم لن يقلل من قيمة الدين وأن الدين لن يقلل من قيمة العلم، وكلاهما لا غنى عنه، وعلى هذا الأساس لن نُهمل مبادئ الفضيلة والأخلاق والقصص والأمثلة الدينية التي تشدد عليها، فهي جزء من ثقافتنا وتاريخنا ومصدر فخر للمجتمع.

لقد أثبتت الدراسات أن التعليم المختلط، على الأقل في المرحلة الابتدائية، ينشىء أطفالا مستقرين عاطفيا وأثبتت كذلك أنهم لا يواجهون في مستقبلهم كثيرا من المشاكل التي يواجهها الطلاب والطالبات الذين درسوا في أجواء يكون فيها الذكور مفصولين كليا عن الإناث. نحن نعيش في عهد يشهد تغييرا مستمرا والأجيال القادمة يجب أن تؤمن بهذا التغيير، وإلا سنجد أنفسنا متأخرين عن العالم وفي النهاية لن نعود صالحين للحياة.

في زمن المد القومي اليساري العربي كان العرب على الأقل يحاربون إسرائيل شبه مجتمعين، ولكن منذ بدأ المد الديني لم نر مثل هذه الحروب واقتصرت المقاومة العربية على الشعب الفلسطيني – الانتفاضات وحروب غزة – ومقاومة حزب الله من جنوب لبنان. يجب أن نعترف أيضا أن التربية والتعليم في زمن المد القومي واليساري كانتا على مستوى أفضل مقارنة بالوضع الحالي، وكان هناك تقدم ثقافي على جميع المستويات، غير أن العقود الماضية خلت من الإبداع، وكان هناك وقف للتطور ومحاربة، أو إهمال، للفنون.

قصيدة الشاعر الكبير حافظ إبراهيم التي يقول فيها: (من لي بتربية النساء فإنها في الشرق علّة ذلك الإخفاق)،
من أروع القصائد، وأرى أن "علّة ذلك الإخفاق" حاليا تعود ليس فقط إلى التقصير في تعليم الإناث، بل إلى الفشل في ميدان التربية والتعليم بشكل عام لأن الإخفاق اليوم أعم وأشمل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مجلس صيانة الدستور في إيران يوافق على 6 مرشحين للرئاسة


.. عقب استقالة بني غانتس.. بن غفير يطالب نتنياهو بالانضمام إلى




.. غسان أبو ستة: لو أردت أن تمحو شعبا امحي تعليمه


.. يديعوت أحرونوت: عملية النصيرات ستقللُ بشكل كبير من فرصة إنقا




.. مجهول يعتدي على السفارة الأميركية في سيدني والشرطة تحقق