الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوضع الاجتماعي في تونس الانفجار آت لا ريب فيه

حزب العمال التونسي

2005 / 9 / 17
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


كثر اللغط في المدة الأخيرة حول المجالس الوزارية المتتالية التي تمحورت أشغالها حول "دفع التنمية في عدد من المعتمديات ذات الأولوية". وقد وقع تحديد 8 معتمديات في البداية ثم أضيفت 44 معتمدية أخرى بعد "مجلس وزاري طارئ"! ولسائل أن يسأل ما سر هذه الحملة المفاجئة بعد أن خال الجميع أن الفقر قد اندثر في بلادنا بفضل "السياسة الاجتماعية الحكيمة التي أرساها سيادته"!

إن كل عاقل لا يخفى عنه الطابع الديماغوجي لهذا اللغط الذي كثيرا ما كان يخفي إجراءات رجعية جديدة بصدد التحضير، خاصة والجميع يعرف حجم المصاعب التي يمر بها الاقتصاد الرأسمالي العالمي في المدة المنقضية بسبب الارتفاع المهول لأسعار الطاقة مما أثر بشكل ملموس ومباشر في اقتصاديات دول العالم وخاصة منها غير المنتجة للنفط مثل بلادنا التي تستورد نسبة هامة من استهلاكها لهذه المادة الحيوية.

إن هذا التأثير في الاقتصاد التونسي هام جدا بحكم حجم الزيادة في الأسعار العالمية التي قفزت إلى الضعف في ظرف أقل من سنة. وقد تجاوزت في المدة الأخيرة بعد إعصار كاترينا الـ70 دولارا للبرميل الواحد، وإذا علمنا أن الموازنات المالية والاقتصادية للدولة الخاصة بهذا العام صيغت على أساس أن سعر البرميل سيتراوح بين 30 و40 دولارا، فإننا ندرك حجم "الرجة" التي طالت موازنات الدولة وبرامجها. وبما أن الدولة في بلدنا هي دولة الأقلية الجشعة فإنها ستلجأ ككل مرة إلى استخلاص هذه "الخسائر" من جلد الشعب، والإجراء المعهود في مثل هذه الحالات معروف وهو الزيادة في أسعار المواد الاستهلاكية لإرجاع التوازن للموازنات المختلة.

لقد قامت السلطة بعديد الزيادات في الأشهر الفارطة طالت مواد الطاقة ومواد التنظيف ولم تطل إلى الآن المواد المدعومة كما هو معمول به عادة. هذا وقد أكد وزير التجارة والطاقة في ندوة صحفية لشهر أوت أن وزارته لا تنوي الزيادة في الأسعار في المدى القصير. لكن السلطة بادرت بعد بالزيادة في أسعار المحروقات أياما قليلة بعد هذا التصريح (50 مليم في اللتر الواحد ابتداء من يوم 4 سبتمبر 2005). وينتظر الناس حصول زيادة أخرى قبل رأس السنة ليصل سعر لتر البنزين إلى دينار واحد. ومن البديهي أن الزيادة في أسعار المحروقات ستنجر عنها زيادة في أسعار المواد ذات الصلة.

إن أي زيادة في الأسعار في مثل هذا الظرف تشكل في حقيقة الأمر "إعلان حرب" على الكادحين والأجراء الذين يعانون من وضع اجتماعي مأزوم بفعل التدهور الحاد في المقدرة الشرائية وتضاعف نسب البطالة وخاصة منذ إلغاء العمل بالاتفاقية متعددة الألياف منذ يوم 1/1/2005 والتي كان من نتائجها الكارثية إغلاق عديد المعامل والمصانع الناشطة في حقل النسيج بما يعني ذلك من طرد لآلاف العمال وتجويع وتشريد لآلاف العائلات.

إن هذه الأوضاع وضعت دولة البرجوازية التابعة في حالة لا يحسد عليها. ولا نغالي إذا قلنا أنها حالة تأزم مطرد زادتها حدة الإشاعات الرائجة مؤخرا عن جرائم فساد من الحجم الكبير. إن وضعا كهذا لا تتجرأ السلطة على إعلانه لعموم الشعب، بل هي تعالجه كما تعودت دوما بأسلوبين: الأول هو الديماغوجيا الاجتماعية، أي التظاهر بأن "الوضع عادي" والسلطة مهتمة بأوضاع "الفئات ذات الاحتياجات الخصوصية". وفي هذا الإطار وقع تنظيم المجلسين الوزاريين الأخيرين للنظر في أوضاع عدد من المعتمديات وطالت الإجراءات أساسا مجال التشغيل وخلق فرص للكسب فضلا عن التنوير والربط بشبكة الماء الصالح للشراب. إن الطابع الديماغوجي يتضح من خلال الحديث عن أوضاع من المفروض أن البلاد قضت عليها حسب الخطاب الرسمي، الذي زعم دائما أنه بفضل صناديق "العار" (26/26 – 21/21 – بنك التضامن…) وقع "تطوير البنية التحتية والقضاء على الأمية ومد شبكات التنوير ومياه الشـرب وخلق مواطن الشغل.."، لكن ها أن الحديث عـن أكثر مـن 50 معتمدية "ذات أولوية" يؤكـــد أن مناطق الظل لم تندثر والفقر لازال منتشرا.

كما تتضح الديماغوجيا من خلال بعث الأوهام و"الحلول" حول مشكل بطالة أصحاب الشهادات(100 ألف حسب إحصاءات غير رسمية) التي أصبحت عنوانا دعائيا لا يعكس في عمقه إلا الإقرار باتساع المشكل الذي لن تحله "القروض الصغيرة" و"التشجيع على الانتصاب للحساب الخاص" في ظل اقتصاد مافيوزي لا فرص فيه لغير الحاشية وزبانيتها.

كما أن الديماغوجيا الاجتماعية تتضح أكثر من خلال الكذب على الشعب وذلك بالحديث عن "إجراءات رئاسية" هي أصلا مبرمجة في "المخطط الخماسي للتنمية" وهو مخطط نظامي ودوري كما يعرف الجميع. وهذا السلوك هو من ثوابت السلطة وخاصة أعلى هرمها الذي كلما قام بزيارة لإحدى الولايات إلا وأصبغ الإجراءات المتخذة بصبغة سياسوية دعائية وانتخابوية وهي إحدى ميزات الحكم الفردي المطلق الذي لا يؤمن بالمؤسسات بل بقرارات "سيادته".

والمظهر الأخير لهذه الديماغوجيا هو المحاولة الفاشلة لتغطية وضع اقتصادي ومالي، منهار في الأساس. فالسلطة تصر دائما على الظهور بمظهر المتماسك وأن "الأمور بخير" وما يقال هنا وهناك هو من قبيل "الصيد في الماء العكر"، وأن "سيادته" يفكر في أبناء الشعب ويتخذ لفائدتهم "الإجراءات اللازمة". إن هذه السياسة الديماغوجية لا تعكس في الأصل إلا وضعا حرجا تمر به السلطة، وهي إذ تتخذ هذه السياسة فمن أجل ضخ شيء من الأكسجين في رئتي اقتصادها المنخرم، فالإجراءات الأخيرة لا هدف لها سوى مغالطة الشعب وكسب تأييده و"تحييد" أكثر ما يمكن من عناصره عن الاحتجاج عن زيارة المجرم شارون لبلادنا، و"لتحييد" أكثر ما يمكن من أبناء الشعب عن المشاركة في الاحتجاجات الاجتماعية القادمة. فالسلطة هي أكثر من يعرف حقيقة الصعوبات التي يمر بها الاقتصاد، وهي أكثر من يعرف حقيقة الهزات الاجتماعية القادمة خاصة وأن الأسعار ما تنفك تلتهب والانكماش الاقتصادي والركود في تصاعد. وبالتالي فإن الأوضاع الاجتماعية هي أيضا تسير نحو مزيد من التعقّد والتوتر. وقد بدأت بوادر هذا التوتر تظهر في مناطق الجنوب (الرديف، أم العرائس…).

في هذا الإطار نفهم "انشغالات السلطة في المدة المنقضية، فهي من جهة تريد الظهور بمظهر المتحكم في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ومن جهة مقابلة تتعطل المفاوضات الاجتماعية ولا يتجاوز عدد القطاعات التي توصلت إلى اتفاقيات الـ22 من جملة 51 قطاعا (إلى حدود 31 أوت) في القطاع الخاص ومازال التفاوض في القطاع العام متعطلا في الأمور المالية بين مطلب قيادة اتحاد الشغل التي تطالب بزيادة في الأجور بـ5,75% والسلطة التي تتمسك بزيادة 1,25% فقط.

إن أياما عصيبة تنتظر الدكتاتورية النوفمبرية التي فضلا عن أسلوب الديماغوجيا الاجتماعية فإنها دائما تلجأ إلى الأسلوب الثاني وهو أسلوب القمع. وإذا كان الأسلوب الأول هو أسلوب الجزرة فإن الثاني هو العصا، وهي في تقديرنا أسلوب حكم ثابت عندها، وفي هذا الإطار نفهم التوتير المتصاعد للوضع الأمني في المدة الأخيرة بدعوى "التوقي من عمليات إرهابية" الذي ظل ذلك المشجب الدائم لإطلاق أيدي قوات القمع كي تعتدي وتراقب وتفتش وتمنع وتعنف وتحاكم… ومظاهر التوتر الأمني ما هي في الحقيقة سوى الغطاء لحجم اللصوصية المافيوزية التي تنخر جسم البلاد في أدق جزئياته. إن الدكتاتورية في بلادنا تسابق الزمن لإدامة صمت الشعب ومزيد نهبه واضطهاده، فهل يسابق الديمقراطيون والثوريون الزمن لتحرير الشعب وفك قيوده.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السيسي يحذر من خطورة عمليات إسرائيل في رفح| #مراسلو_سكاي


.. حزب الله يسقط أكبر وأغلى مسيرة إسرائيلية جنوبي لبنان




.. أمير الكويت يعيّن وليا للعهد


.. وزير الدفاع التركي: لن نسحب قواتنا من شمال سوريا إلا بعد ضما




.. كيف ستتعامل حماس مع المقترح الذي أعلن عنه بايدن في خطابه؟