الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تل عفر تصحح مسار التاريخ بعد مائة عام

ثائر دوري

2005 / 9 / 18
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


استولى الاتحاديون،الأتراك،على السلطة في الدولة العثمانية عام 1909 بعد أن أزاحوا السلطان عبد الحميد.و هذا الأمر لم يكن هذا حدثا عابرا في تاريخ السلطنة العثمانية،أو كغيره من أحداث الصراع على السلطة التي حفل بها تاريخ هذه الدولة،سواء داخل العائلة الحاكمة أم من خارجها.بل كان انزياحاً عن جوهرها،و انغماسا إلى الحد الأقصى في علاقات العصر الرأسمالية.
إن جمعية الإتحاد و الترقي التي تشكلت في ميناء سالونيك،الميناء التجاري الكبير الذي يغص بالتجار و اليهود،كانت على علاقة وثيقة بالجمعيات الماسونية،والماسونية أكثر من يعبر عن روح العصر الرأسمالي،فوصل قادة هذه الجمعية إلى السلطة مشبعين بخلاصة الفكر الغربي الإمبريالي،و كان هاجسهم الأول إنشاء دولة على الطراز الغربي،و لإنشاء دولة على الطراز الغربي يجب أن تكون لك مستعمرات لتنهبها و تراكم فائض القيمة في المركز الاستعماري و قد رأينا هذا الوضع في أوربا في الحالتين الألمانية و الإيطالية بشكل خاص،فما إن استكملتا وحدتهما القومية حتى بدأتا تبحثان عن مستعمرات في جنوب العالم لنهبها.و ها قد جاء دور الاتحاديين ليقلدوا هذه النماذج و لاسيما أنهم حسبوا أن الظروف مواتية لبدء سياستهم هذه لأنهم أتراك و يسيطرون على بقايا الدولة العثمانية المتعددة القوميات،فدفعوا الدولة العثمانية في اتجاه آخر مغاير لمسارها. لقد دفعوها باتجاه استعماري ........
حتى لحظة تولي الإتحاد و الترقي السلطة كانت الدولة العثمانية دولة اتحادية،لا قومية،لا مركزية،تضم العرب و الأتراك و الألبان و الشركس،و تضم أغلبية إسلامية و أقلية مسيحية معتبرة.و كانت الجماعات المكونة للدولة متساوية في الحقوق و الواجبات،أما مشكلة الظلم و اختلال توزيع الثروة فقد كانت من الأمور التي ترتبط بإشكالية علاقة السلطة بالمجتمع و هي إشكالية موجودة في كل المجتمعات و عبر كل العصور بدرجات متفاوتة حسب طبيعة السلطة و حسب نظامها الاقتصادي ...الخ،و لم تكن هذه المشاكل ذات بعد ديني أو قومي أو طائفي إلا في المراحل المتأخرة من تاريخ الدولة بسبب النفوذ الغربي و نشاط القنصليات و السفارات.لقد كان الإطار الجامع لهذه الدولة هو الإسلام،دينياً و حضارياً بالنسبة للمسلمين،و حضاريا بالنسبة لغير المسلمين. لكن استيلاء الإتحاد و الترقي على السلطة قلب طابع الدولة فتحولت إلى دولة قومية شوفينية،قوميتها المركزية المستعمرة
( بكسر الميم ) هي الطورانية التركية،و القومية المضطهدة الأساسية المستعمرة ( بفتح الميم ) هي العربية،و اخترع قادة هذه المجموعة نظريات تمجد القومية الطورانية و تعتبر الأتراك أصل الحضارة الإنسانية إلى آخر ما هنالك من سخافات التفوق العرقي،كما حاولوا أن يطبقوا سياسات التطهير العرقي على بعض المجموعات الدينية و القومية،و التتريك على مجموعات أخرى ليحولوها إلى قوميات مستعمرة( بفتح الميم ) تمارس القومية التركية النهب عليها لتراكم الثروات في المركز الاستعماري.لقد وقع العرب ضحية هذه السياسة لأن الدولة لم تعد تضم سواهم والأتراك بعد خسارة الامتداد الأوربي للدولة،فقام من بين العرب،و كرد فعل على السياسات القومية الشوفينية،من تبنى بدوره فكرا قومياً عرقياً متأثراً بالغرب.و مقابل التمجيد الفارغ للطورانية،صار هناك تمجيد عرقي سخيف للعروبة.و نحب أن نوضح أمرا هنا كي لا نقع في سوء الفهم،و هو أننا نعتبر القومية العربية حالة حضارية و ثقافية و ليست عرقية ،فهي حالة إنسانية متقدمة تقوم على الإرث الحضاري و الثقافي ، و ليست قومية عرقية تقوم على أوهام العرق الصافي و الأصل المشترك،كما أننا نعتبر أن أسخف النظريات القومية هي النظريات التي تستند إلى الأصول العرقية و نقاء الدم،و إننا نعتبر نظريات الصفاء و التفوق العرقي طريقاً للانزلاق نحو النازية.
بدأ الشرخ يكبر بين الطرفين،العرب و الأتراك،تحت حكم الاتحاديين حتى كان خيار الشريف حسين بالتحالف مع بريطانيا ضد الدولة العثمانية و ما تلا ذلك من خديعة البريطانيين للشريف حسين.و بقية القصة المعروفة من انهيار الدولة العثمانية إلى تفكيك المشرق العربي بواسطة معاهدة سايكس بيكو،و إنشاء الكيان الصهيوني.
لقد علت الأسوار بين العرب و الأتراك خلال قرن كامل،فالأتراك اتهموا العرب بالخيانة لأنهم تحالفوا مع الغرب،رغم أن ذلك كان رد فعل.و رد العرب بوسم الدولة العثمانية بسمة الاستعمار مع أن هذا غير حقيقي،و إن كان هناك سياسة استعمارية عثمانية فهي لا تتعدى سنوات حكم الإتحاد و الترقي.و كان المستفيد من هذا الشرخ بين العرب و الأتراك هي القوى الغربية فقد استخدمت الأتراك ضد العرب و العرب ضد الأتراك،كما ساهمت الأنظمة التابعة برفع مزيد من السواتر بن الشعبين حتى وصلنا في مرحلة من المراحل إلى وجود من يقبل بالصلح مع الكيان الصهيوني و لا يقبل بذلك مع الأتراك!!
لكن اليوم و على أرض العراق و في تلعفر تحديداً يدور التاريخ دورة كاملة،ليقف العرب و التركمان في خندق واحد ضد الاحتلال الأمريكي فيمتزج الدم العربي بالدم التركماني،و في شوارع تلعفر المقفرة حيث تسطر المقاومة العراقية أروع ملاحم التاريخ ضد الهمجية الأمريكية تمتزج دماء العرب و التركمان بشكل يعيد تلك اللحمة التاريخية،التي استمرت عشرة قرون من الدولة العباسية و حتى القرن العشرين قبل أن يفصل الغرب الشعبين عن بعضهما منذ مائة عام. إن العرب و التركمان بتلعفر يشاهدان بشكل واضح أنهما مستهدفان بنفس الدرجة و إن القاتل الأمريكي لا يفرق بين عربي و تركماني.
إن الإستراتيجية الأمريكية الثابتة هي تفتيت الأمم و الشعوب و تمزيق المكونات الحضارية،و قد شاهدنا ما حل بالدولة السوفيتية،و كيف تم تفتيتها إلى قوميات متناحرة خائفة من بعضها.و قد جاء الأمريكي إلى العراق ليطبق سياسة التفتيت و التمزيق هذه،فالعربي يجب أن يتقاتل مع الكردي،و الكردي مع التركماني،و السني مع الشيعي.ليتسنى للأمريكي بعد ذلك حكم العراق كما يريد،وإن هؤلاء الذين يظنون أنهم ناجون من مشروع التفتيت الأمريكي إما بسبب تحالفهم الآني مع الأمريكان أو بسبب بحثهم عن مكاسب ضيقة،هم واهمون لأن الأمريكان يطبقون في العراق استراتيجية كونية فإن نجحت فستعمم على المنطقة و من ثم على العالم.فالعراق الذي هو من أكثر دول العالم تجانسا سكانياً لأن أكثر من ثمانين بالمائة من سكانه من القومية العربية هو نقطة انطلاق المشروع الأمريكي،فإذا فتت العراق المتجانس فهل يحسب الإيرانيون أن دولتهم بمعزل عن مصير مماثل ؟!!لاسيما أن التعدد القومي في إيران أكبر بكثير منه في العراق فأقل من نصف سكان إيران فقط ينتمون إلى القومية الفارسية،و يتوزع الباقي بين أكراد، و عرب ، و أذريين. و كذلك الوضع في تركيا،و سوريا،و دول الخليج،و باكستان ........الخ.و إني أجزم أن التفتيت في هذه الحالة سيعم العالم من بريطانيا العظمى إلى سور الصين العظيم،فداخل كل دولة من هذه الدول وكل أمة من هذه الأمم تعدد عرقي أو لغوي أو ديني أو مذهبي يجعله ذريعة مناسبة للتفتيت في حال نجاح المشروع الأمريكي،لذلك تساءل الكاتب نصر شمالي في إحدى مقالاته (( هل سيصبح العالم خمسة آلاف دولة ؟ )) بالتأكيد سيصبح كذلك إذا نجحت سياسة التفتيت الأمريكي في العراق.و ما أضيق أفق هؤلاء الذين يتناسون هذا البعد الخطير مقابل مكاسب آنية صغيرة لا يلبث أن يخسروها في حال تقدم المشروع الأمريكي!!!
على الجميع أن يدرك أنه في العراق سيتقرر مصيرنا جميعاً،فإن اقتتل العرب و التركمان في العراق فلا يمكن بعدها أن تقوم علاقة سليمة بين العرب و الأتراك،و إذا اقتتل السنة و الشيعة فإن التوتر سيسود بين العرب و الإيرانيين و ستحل علاقة الاحتراب بينهما،و قس نفس الأمر على علاقة الأكراد بالتركمان و الأكراد بالعرب .......الخ.و هذا الأمر ليس في مصلحة أي شعب من شعوب هذه المنطقة،و لا أية قومية من قومياتها لا سيما و أن الأمريكي يتربص بها جميعاً و يتحين فرص الانقضاض.
إن ردنا على إستراتيجية التفتيت الأمريكية يجب أن يكون بتبني استراتيجية توحيدية و هذا يتطلب التسامي على جروح الماضي و نسيان خلافاته و التركيز على نقاط اللقاء و هي كثيرة و إبعاد نقاط الخلاف،و علينا أن ننتهز الفرصة التاريخية التي أتاحتها ملاحم المقاومين البطولية في العراق لإعادة اللحمة لهذه الأمم،العرب و الأتراك و الأكراد و الإيرانيين،و هي أمم تنتمي إلى وعاء حضاري واحد،و مصالحها مشتركة،و العدو المتربص بها واحد و إن توهم البعض أنه صديق أو حليف،كما أن مستقبل هذه الأمم مرتبط بشكل لا فكاك منه إلا إذا كان المرء يستطيع أن يهرب من التاريخ و الجغرافيا،و يبدو أن بعض ضيقي الأفق يفكرون بالهرب من التاريخ و الجغرافيا!! لقد صهرت حضارة الإسلام الخالدة هذه الأمم في بوتقة واحدة ........
إن الرد الوحيد على المشروع الأمريكي في العراق يكون بمحاربة جوهر هذا المشروع التفتيتي و ذلك بمزيد من التوحيد،كما ذكرنا،و إبداع صيغ حضارية للعلاقة بين هذه الأمم و بذلك يتحول العراق إلى مركز إعادة بناء الفضاء الحضاري العربي – الإسلامي و على أسس عصرية تستفيد منه ليس شعوب هذه الأمم فقط و إنما كل شعوب العالم.لأن هذه المنطقة هي قلب العالم و خلاص البشرية مرتبط بخلاصها.و يبدو أن تلعفر بعربها و تركمانها المقاومين للهمجية الأمريكية يقدمون درساً بليغاً بهذا الأمر،لأن الوحدة التي تكتسب في ساحات المعارك لا يمكن أن ينفصم عراها بعد ذلك فهي وحدة معمدة بالدم،أما هؤلاء الذين ما زالوا يراهنون على مهادنة المحتل مقابل مكاسب آنية فنحن متأكدون أنهم سيدفعون ثمنا باهظاً لهذه السياسة قصيرة النظر و ذلك عندما يتفرغ العدو لهم،أو عندما تقتضي مصالحه تبديل تحالفاته .......
إن طريق تلعفر هو الطريق الوحيد لخلاصنا جميعا ( عرباً و أكراداً و أتراكاً و فرساً ) من هذه الرأسمالية المتوحشة.بل هي طريق خلاص لكل البشرية فمعارك العراق معارك كونية و فيها يتقرر مصير البشرية،فإما الفناء على يد الرأسمالية المتوحشة و إما نظام عالمي جديد.فتمعنوا جيداً في الدرس الذي تقدمه تلعفر .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما محاور الخلاف داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟


.. اشتعال النيران قرب جدار الفصل العنصري بمدينة قلقيلية بالضفة




.. بدء دخول المساعدات عبر الرصيف الأمريكي العائم قبالة سواحل غز


.. غانتس لنتنياهو: إما الموافقة على خطة الحرب أو الاستقالة




.. شركة أميركية تسحب منتجاتها من -رقائق البطاطا الحارة- بعد وفا