الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات بنية منتحرة ..القسم الخامس

عادل الحامدي

2015 / 3 / 3
الادب والفن


يوميات بنية منتحرة
القسم الخامس .....
وهاهي مستندة الى الحائط وقد ندت عنها وحوحة حاكت بها صدى الوحوحة التي وصلت الى سمعها تتلفظ بها امها وراء الحائط الفاصل بينهما وهي تغالب صهد الطابونة لتخرج الكسرات قبل ان تحترق .وانها لفي الطريق الى دكان جميلة تشق مسلكا يخلو جانباه من المناظر المبهجة وتسارع في مشيتها الى حد اوشكت معه على الوقوع فكل دقيقة لها ثمنها وكل تاخر يعني حريفا ضائعا ..تلج الدكان وفي داخله جميلة معروقة اليدين وجلد وجهها المتكمش يحكي بؤسا وهرما وعيناها تطرفان في اتجاه الباب في محاولة يائسة لاصطياد حريف ضن به عليها هذا الصباح ..تدلف اسماء نحوها والسلة في يدها .فتر شفتاها عن ابتسامة تنضح طيبة ومرارة ..كانت تقول في نفسها :عدد الذين يرغبون في ان يبيعوها بضاعة اكثر من عدد الراغبين في الشراء منها ...ولكنها لا تستطيع الامتناع عن التفكير في اسماء الواقفة امامها وامها بمودة وحنان خلقهما في نفسها ادراكها ما تعانيانه من حرمان لم تكن هي الاخرى بعيدة عنه ..جميلة كانت الانسانة الوحيدة التي ترتاح لها اسماء وتود لو تطيل البقاء قربها ففي كلامها وهي تشدها اليها وتلفها بذراعها مدركة تاثير قر الشتاء على جسد البنية الذي فاقمته الملابس الخفيفة التي كانت ترتديها ..في كلامها ينضح وجهها ما يشبه الرذاذ الخفيف من الامل الغامض والرجاء الذي هو كل ما بقي يشدها الى العالم ...يا لهول ما كانت ترى جميلة ....اكانت لامبالاة ام فقر مدقع ؟؟ان تاتيها البنية وفي قدميها " شلاكة "بلاستيكية مفتوحة ومثقوبة ودون جوارب تحمي قدميها ..مرت امامها ربيعة التي اعتادت التجول في تلك الانحاء وجمع القوارير البلاستيكية وعلى ظهرها شكارتين مشدودتين الى بعضهما امتلئتا قواريرا ..كانت في طريقها الى ما يسمونه " المعمل " على مسافة ثلاث كلمترات هناك ما يشبه المخزن حيطانه متداعية وسقفه من الزنك تفتقت قريحة اصحاب القرار على مخزنا لجمع القوارير البلاستيكية واوكلوا امر جمعها الى النساء الفقيرات المنسيات ..وكان ذلك كل شئ امكنهم او رغبوا في القيام به لصالح الاهالي ..هناك تفرغ ربيعة حمولتها وينقدها القائمون على المخزن اجرتها الجزيلة بعد ان يشبعوها تهكما وعبثا... 250مي للكلغ الواحد من البلاستيك ... نظرت اسماء الى قدمي ربيعة ..كانتا دون جوارب والريح تلفح ساقيها اللتان انحسرت عنهما " الفوطة "الريفية التي كانت ترتديها فبدوتا عاريتان الى منتصف الركبة ..قلبت اليها اسماء النظر وفي عينيها نظرة هلع ..
.ــ كم يلزم من ساعة يا خالتي لكي تتمكن ربيعة من جمع كلغ من القوارير؟؟
ــ بل قولي كم من يوم ..فمشتروها ومستعملوها هنا قلة وجامعوها كثر...ان اسماء لم تكن تدرك ان الشكارتين على ظهر ربيعة وهي ماضية في اتجاه " المعمل" كانتا حصيلة ثلاث ايام من العناء والدوران والتفتيش في المزابل وجوانب المسالك واحواش البيوت التي كان بوسعها ولوجها فلا شئ فيها كان يخشى اصحابها سرقته ...
انتاب اسماء احساس مريع بانها قد لا تفلت من مصير شبيه بمصير ربيعة ونظرة من جميلة الى قدمي ربيعة غرست في داخلها ادراكا فوريا بانها وتلك المراة في حال واحدة ومصير واحد ..كلتاهما عاريتا القدمين ومشققتهما ..وكلتاهما معرقتا اليدين بما يرسم صورة اسيفة لبنية ادركها الهرم وتيبس جلدها وشاخ وهي في موعة الصبا ومستهل الشباب... سخرت من نفسها ومن خوفها ان تصير يوما مثل ربيعة فهي كانت مثلها سلفا ولا ريب وكان ذلك اكتشافا داميا لحقيقة ماثلة امامها انكرتها طويلا او لم تفلح في استيعابها قبل هذا اليوم ...اول يوم من فصل الربيع اختلف الامر عن الايام السابقة وغمر الارض دفء افتقدته طويلا لحد خالت معه اسماء ان يوم امس الذي كان شديد البرودة ينتمي الى زمن بينها وبينه امدا بعيدا ..ظل الصقيع يلف اعماقها رغم الدفء المنسكب مع اشعة الشمس التي خلت سماءها من السحب ..مرت ربيعة قريبا منها فحاولت جهدها ان تتجنب النظر اليها او الكلام معها ..كانت شكارتها شبه فارغة ...ادركت اسماء ان الباحثين عن القوارير قد انتشروا في الانحاء مدفوعين بالطقس الدافئ بما يعني حصيلة هزيلة لكل منهم من القوارير قياسا الى عددهم ....وادركت ايضا ان حصيلة اليوم من الكسرة قد لا يباع منها شيئا فالاهالي الذين سجنهم الطقس طويلا واقتصروا في قضاء حوائجهم على ما تبيعه جميلة في دكانها ويعتاضون عن رداءة خبزها بكسرة ام اسماء قد انحدروا الى البلدات المجاورة يطاردون امالهم الضائعة في مسالكها الملتوية وعند عودتهم ـ وقد ادركوا ان تلك الامال ذهبت دون رجعة ــ يقضون لوازمهم من هناك ولا يمرون امام دكان جميلة فتظل سلتها مليئة بالكسرة التي بردت وتيبست ...تابعت الطريق مطرقة كانها خجلة من جمال الطقس ويملئها الخزي من شح الارض واهل لارض ..على مسافة قريبة من الدكان استوقفها شاب تبين على وجهه علائم الجدية ومن عينيه تنبعث نظرة واثقة خالطها اسى غير قليل ..سالها :
ــ الى اين انت ذاهبة ابتها الصغيرة في هذا الصباح ؟؟ ليس الى مدرستك ؟؟
اجابت بعد ان تفرست في وجهه واطمانت اليه قليلا:
ــ اذهب الى المدرسة بعد ان اوصل الكسرة الى الدكان....
ــ اي كسرة واي دكان ؟؟
ــ كسرة والدتي التي تصنعها في الطابونة وتبيعها في دكان جميلة القريب ...
ــ اه ..قال وقد فهم ..ونظر اليها متفحصا كانه يرغب ان يقرا حالها من ملامح وجهها ...
ــ وهل تبيعينها كلها ؟؟
ــ لا ادري ..كل نهار وقسمو ...فابتسم الشاب لكلمتها الاخيرة
ــ وهل بيع الكسرة هو كل ما تعيشون عليه ؟؟
ــ تقريبا ...ابي بائع متجول ...ولكنه نادرا ما يكسب شيئا ...نظر اليها الشاب وقد اتسعت مساحة الاسى حتى ملئت وجهه
ــ ايتها الصغيرة ..ما رأيك ان اريحك من عناء انتظار اليوم بطوله لتعودي بمقابل الكسرة ..
ــ ماذا تعني ؟؟
ــ أعني أشتريها منك كلها الان وتعودي بثمنها لوالدتك ...فشخصت فيه بعينيها والحيرة تملئهما ..وهو تدليلا على جدية عرضه سالها كم عدد الكسرات ؟؟ واخرج قطعا نقدية من جيبه فلم تجد مفرا من وضع السلة على الارض وانشات تحسب العدد وعند انتهاءها من الحسبة نقدها المال وتسلم الكسرات فولت هاربة من امامه راجعة القهقرى غير مصدقة انها تخلصت من ذلك العبء ودون ان تفكر في عذر تخترعه لجميلة تبرربه عدم جلبها الكسرة هذا اليوم..الا انها كانت على كل حال تدرك بعد ان قطعت نصف المسافة ان جميلة قليلا ما تهتم بها في يوم كهذا بل ان الكسرة المكدسة امامها على الكنتوار كانت تمثل عبئا واحراجا تتوق للتخلص منه ....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جائزة العين الذهبية بمهرجان -كان- تذهب لأول مرة لفيلم مصري ?


.. بالطبل والزغاريد??.. الاستوديو اتملى بهجة وفرحة لأبطال فيلم




.. الفنان #علي_جاسم ضيف حلقة الليلة من #المجهول مع الاعلامي #رو


.. غير محظوظ لو شاهدت واحدا من هذه الأفلام #الصباح_مع_مها




.. أخرهم نيللي وهشام.. موجة انفصال أشهر ثنائيات تلاحق الوسط الف