الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعقيل المستوطن الصهيوني

عماد صلاح الدين

2015 / 3 / 3
القضية الفلسطينية


تعقيل المستوطن الصهيوني
عماد صلاح الدين
إن المشكلة في الأساس تكمن في العقلية الاستعمارية الغربية في تعاملها مع الشعوب الأخرى، إنها مشكلة تقع أساسا في سياقين، من خلال التجارب الاستعمارية الغربية، السياق الأول هو الاحتلال العادي التقليدي، والسياق الثاني هو الاحتلال الاستيطاني الاحلالي القائم على التطهير العرقي والإبادة ونفي الآخر، وكأنه شيء من الأشياء يخضع للترانسفير النقلي من مكان إلى آخر أو الترانسفير الافنائي بالنقل إلى العالم الآخر .
إنها عقلية إما الاستعباد أو الاستبعاد كليا أو جزئيا بخصوص هذه الأخيرة، وهذه لها شواهد في الاستعمار الفرنسي للجزائر منذ أواسط القرن التاسع عشر أو في جنوب إفريقيا قبلا وبعدا من الناحية الزمنية، أو ما حل بالسكان الأصليين في أمريكا الشمالية.
والمستوطن الصهيوني لديه نفس العقلية الاستعمارية الغربية، بل هو بالأحرى وفي الوظيفية المرسومة له تطبيق وتجل من تجليات الفكر الاستعماري الغربي في المنطقة العربية الإسلامية، باعتبار فلسطين البلد الواصل بين دفتي المشرق العربي والمغرب العربي، وباعتبارها تطل على البحرين الأحمر والمتوسط والبوابة الشرقية لأعظم تجمع إنساني وسكاني في المنطقة العربية والمقصود هنا مصر .
من خلال تتبع سلوك المستوطن الصهيوني الإسرائيلي في تعامله مع الشعب الفلسطيني، سواء في بداية الاستيطان الاحتلالي في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، أو في مراحل التحركات الهوياتية والقومية الدينية للعرب الفلسطينيين مسلمين ومسيحيين 1929 ثورة البراق، أو في الثورة الفلسطينية والإضراب الكبير 1936- 1939.
أو ما بعد جريمة التطهير العرقي بحق الفلسطينيين عام 1948 وبعد ما تبقى من أرضهم وبلدهم عام 1967، نجد أن العقلية الاستيطانية الصهيونية وممارساتها على الأرض دائما تقوم على اعتبار أن الفلسطيني العربي غير موجود في الأساس، وانه عبارة عن كائنات حيوانية كالثعالب والذئاب في الفيافي والصحاري لا أكثر؛ لا حقوق طبيعية ولا قانونية ولا إنسانية ولا سياسية له في ارضه و في علاقته مع الآخرين وقت السلم والاحتلال. إنها مسألة نفي الهوية والقومية والتاريخ وحقيقة المشغولية الجغرافية بالمواطنين الفلسطينيين مسلمين ومسيحيين عبر قرون متطاولة في الإيغال والقدم، وما يتأتى على ذلك من حضور ثقافي وحضاري معروف ومشهود في الدائرة الإنسانية والتاريخية الكبرى التي نعيش.
إن المستوطنين الصهاينة ينكرون الوجود العربي الفلسطيني بمسلميه ومسيحييه من جانبين :
أ‌- الجانب الطبيعي الأولي والابتدائي كأناس لهم وجود إنساني هوياتي وقومي جامع.
ب‌- الجانب التحرري لحركاتهم القومية والوطنية؛ إذ أنهم يعتبرون ذلك من قبيل العصابات والجماعات الإرهابية المسلحة .
ومع أن طبقاتهم السياسية والأمنية العليا، سواء أكان بن جوريون أو شاريت أو اسحق رابين في لحظات الصدق مع النفس أحيانا، وأمام حشودهم وتجمعاتهم العاملة في الحركة الصهيونية والكيان الإسرائيلي، يقرون أن الحراك العربي الفلسطيني لا يمكن أن يفسر بتفسير العمل العصابي أو الإرهابي، وإنما هو لدوافع قومية ووطنية لا يمكن لعاقل تجاهلها أو إنكارها.
وحتى في الانتفاضتين الأولى عام 1987 والثانية انتفاضة الأقصى عام 2000 وما بعدها في الحروب المسعرة والمستمرة على الشعب الفلسطيني على قطاع غزة 2006 ، 2008-2009 – 2012 والحرب الأخيرة 2014 بما فيها الهجمة الشرسة الإجرامية والاستيطانية على الضفة الغربية المحتلة، وتدمير النمط الأخلاقي والاجتماعي الاقتصادي الممنهج، يرى المراقب أن عقلية الاستبعاد والتطهير العرقي ونفي الفلسطيني هوية وقومية بل ووجودا، لا زال مسيطرا على العقلية الأساسية للمستوطن الصهيوني ذي الوظيفة الاستعمارية الاستيطانية القتالية نيابة عن الغرب الاستعماري في أوروبا أو في أمريكا الشمالية .
والمراقب يلحظ أيضا المفارقة التالية في صورة المشهد للمستوطن الصهيوني، وهو أن هذا المستوطن تحديدا منذ اتفاقات أوسلو سنة 1993 وحتى قبل قيام انتفاضة الأقصى عام 2000، وحين كان المستوطن الصهيوني منتعشا ومنتشيا بسبب فترة الهدوء، وان كانت على أي حال متقطعة بسبب العمليات الفدائية والاستشهادية التي كانت تشنها حركتا حماس والجهاد الإسلامي في عمق إسرائيل ومدنها، هذا المستوطن يزيد وبوتائر متعالية من نشاطه الاستيطاني سواء في الضفة الغربية أو القدس المحتلة، تحديدا في قطاعها الشرقي ومن ثم تضاعف الاستيطان تبعا لذلك مرات ومرات مضاعفة.
وهذا يدل في مؤشره الرئيس والدال، على أن العقلية الاستيطانية الصهيونية، تنظر إلى الفلسطيني على انه غير موجود، وان كانت له علامات للوجود من خلال حراك انتفاضي أو ثوري وصم حراكه على انه إرهابي، وهو في الأساس والحقيقة حراك مقاوم يريد التحرر وتقرير المصير كبقية شعوب الأرض صاحبة الحضور والثقافة والحضارة المختلفة والمتنوعة.
ومع أن المستوطن الصهيوني في أحوال الهدوء، قد يقدم بعض التسهيلات المرورية والتحركات الاجتماعية والاقتصادية النشاطية هنا وهناك، لكنها لا تعبر ولو بالحد الأدنى عن حقوق شعب يريد حقه الإنساني في الحرية أولا ومن ثم الاستقلال .
في المقابل وتحديدا في الانتفاضتين الفلسطينية الأولى والثانية، وهذا الحراك المقاوم في غزة، والحضور المتواضع جدا لأسباب معروفة في الضفة الغربية، نجد المستوطن الصهيوني حينما يتعرض للخوف الحقيقي على حياته وأمنه ونشاطه الاقتصادي ومستوى استهلاكيته ورفاهيته من أعمال المقاومة الفلسطينية، والتي تعمل على هزهزة وزعزعة أمنه الكياني العام، نجده قد بدأ يقتنع بدرجة نسبية ما ومعقولة في مؤشراتها، بان هناك بالفعل شعب اسمه الشعب الفلسطيني؛ له ارض مغتصبة وقد شرد عنها، وله أيضا ثقافته وهويته الوطنية.
نعم يتعقل هذا المستوطن ولو قليلا، وان كان يعاند ويرد بعنف إجرامي وجنوني في مراحل زمنية بعينها، ثم يدرك، ولا بد له أن يدرك، أن الشعب الفلسطيني له حقوق؛ من حقه الطبيعي والسياسي أن يحصل عليها. وتخرج عندها أصوات المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية، ومن قطاعات الناس في المجتمع الإسرائيلي، ومن بعض مثقفيهم، ومن بعض ضباطه الاحتياطيين للعسكرية الإسرائيلية، والذين يبدؤون بالفرار من الخدمة العسكرية، بل والاختباء حتى ولو في خزانة ملابس بيتية ، معلنين انه لا بد من التعقل والانسحاب من مناطق سكانية فلسطينية هنا وهناك في الضفة الغربية، أو كما جرى عمليا في الانسحاب من قطاع غزة عام 2005 .
لان الحال، وتحت ضغط المقاومة والمحاورة المسلحة، كما ذهب إلى ذلك المصطلح المرحوم العالم الدكتور عبد الوهاب المسيري سوف يتشكل على إثرها وعي إسرائيلي، يدرك، ولو تدريجيا ورويدا رويدا، بان الشعب الفلسطيني حقيقة إنسانية وتاريخية وحضارية، لا يمكن إلغاؤها أو تجاوزها .
ويكون هذا الوعي الصادم مناقضا وهادما للأسطورة الخرافية الصهيونية القائمة على شعب بلا ارض لأرض بلا شعب.
ومن هنا تأتي أهمية العمل المقاوم في جانبه العسكري المسلح، في تعقيل هذا المستوطن الصهيوني الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس المحتلة، إلى جانب الأدوات الأخرى في الصراع مع المشروع الصهيوني الاستعماري التطهيري والتمييزي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغرب.. قطط مجمدة في حاوية للقمامة! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. موريتانيا: مع تزايد حضور روسيا بالساحل.. أوكرانيا تفتتح سفار




.. إسرائيل تحذر من تصعيد خطير له -عواقب مدمرة- بسبب -تزايد اعتد


.. هدوء نسبي مع إعلان الجيش الإسرائيلي عن -هدنة تكتيكية- انتقده




.. البيان الختامي لقمة سويسرا يحث على -إشراك جميع الأطراف- لإنه