الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أجنحة المعاني. .....!؟

عبد الرزاق عوده العالبي

2015 / 3 / 4
الادب والفن


اجنحة المعاني...!

عبد الرزاق عوده الغالبي

كلمات الحق وقحة تتأبط اجنحة كلسانها الطويل ، تحلق عاليا في اثير المعنى والتبليغ ، تستمد عقيدتها من المنابع الدافقة في جغرافية التصرف والمثل وحقول الممارسات الانسانية المترعة بالخضرة والنضارة في تشكيلات الاطياف اللونية والمزاجية لشخوص المجتمع المخططة انواعها بخطوط اجنحة الفراشات المحلقة فوق مياسم الزهور تقبلها بشهوة وتكرع بنهم رحيق التجارب والخبر الذي يثملها فتتنقل مترنحة من زهرة الى اخرى فوق اجنحة الالوان المبعثرة في اثير منهك من موجات الجمال المكثفة في حرب يشتعل اوارها بين مياسم الزهور حول احزمة الضوء الذهبية التي تنثرها الشمس بكرم يديها الناعستين في هذا الاثير السرمدي....!
تأخذ كلماتي منحى مجنح احيانا بجناحي ذبابة حين تطارد وجها دبقا يطرد الخير والخبز ويتزين بقباحة الشر العقيمة واخرى جناحي فحل نحل لسعته موجعة ، ينتفخ موطئها في الحال وهو يطارد اشرعة الخبث ، و اجنحة حمامة بيضاء تزين اكتاف حدث يكافح جبروت الفقر من اجل رمق يومي وآخر وضع صدره سدا للوطن وزندة مسندا للسلاح واصبعه ملتصقا بالزناد ذودا عن حياض موطأ الرأس والجسد ويفترش ساحة اهتمامي وجه من وجوه الانسانية المعمدة ، بالبؤس طريقا والحرمان منهجا والفقر رداء و يحمل في قيضته مصير عائلة وفي فلبه حقوق مسروفة لشريحة مسحوقه نذرت نفسها للعطاء والدفاع فقط......!
لم يتجاوز العاشرة ، يتوسد بلاط الرصيف غائبا تماما عن الواقع الصباحي المكتظ بجلبة وفوضى توقظ اهل المقابر الا جزء من حزمة نومته الصباحية قد بتر بفعل مغيب لي على الاقل حين غلبه الوسن في باب بيتي ليكملها ، تخطيت المشهد بهدوء وجسده المتهالك محشورا بين الحائط وبلاط الرصيف وراسه يتدلى فوق عتبة الباب ، غلبتني عجالة العمل والقتني بعيدا عن متناول الفضول وعبرت نحو الجهة الاخرى للشارع استوقف مركبة للذهاب لعملي و ذهني وافكاري واحاسيسي جزءا يرتع في اطار تلك المأساة التي لم تبلغ من الرشد سنا وتحمل ثقلا كبيرا وهي تواطن اثير البراءة المفترض وتصبح وتمسي تحت رفيف علم رسمي تغطي الوانه جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وحتى التشريعية ، و اخذني عملي من كل المفترضات التي تساكن اخيلتي وغاب المشهد بقية اليوم على الاقل...!؟
وتوالى المشهد بالروتين صباحين ، اثار دهشتي وسمك فضولي لملاحقة هذه المأساة ، وفي اليوم التالي استيقظت مبكرا وجلست في باب المنزل منتظرا ، وهلت بوادر المأساة و اخرى صبية اكبر قليلا بالمقارنة ، افترقا عند باب المدرسة المقابلة وعبر الشارع نحو المعتاد ، فاجئه وجودي ولصق ظهره في الحائط ، يبعد عني مسافة المترين وقبل ان يخطفه النعاس المعتاد من وافعي ، بادرته السؤال:
" ما اسمك....؟" اجابني من اعماق نوبات التثاؤب التي تهاجمه بين حين وآخر:
" علي...!"
" وما هو عمل والديك...!؟" اجاب هذه المرة بانتباه كامل يظهر نجاحي باهرا بطرد النعاس من عينيه واختلاس انتباهه كاملا :
" لقد توفى والدي قبل سنة وتبعته والدتي بعد شهرين ....!"
" يا الله ....!" ومع من تعيش...؟"
اطرق رأسه قليلا وتحسر بعمق وبدأت عيناه تلألأ وقبل ان يتفجر بالبكاء قال:
" مع اختي التي ارافقها الى المدرسة كل يوم وانتظرها هنا حتى ينتهي دوامها.....!"
ضاق صدري قليلا وتحاملت على نفسي لالتقاط انفاسي وتفاقم الحاحي وفضولي كثيرا وقررت بلوغ نهاية المطاف من بؤس متفرد لا مثيل له ولا مقارنة فيه مطلقا فهو لباس فصل بدقة متناهية لكي يلائم اجساد اهلنا واطفالنا العراقيين فقط ويشكل موصى به ومصير محتوم ان نرتضيه قسرا شئنا ام ابينا ، مسحت بيدي على رأسه وقلت :
"لا تهتم يا ولدي ، ربك كريم ورؤوف بعباده ولا يقبل الظلم ابدا...لتكن ثقتك كبيرة به....!" هدأ قليلا عندما لاحظ تفاعلي معه واهتماني بقضيته وقال:
" ونعم بالله....!
ساد صمت بينا عند تكاثف ضوضاء المركبات المكتظة في الشارع العام ما جعل استمرار المحادثة مستحيلا وبعد انحسار هذا الموقف عدنا للحديث مجددا وقلت:
" وكيف تعيش انت واختك وهل لديكم مورد رزق ثابت....!؟" اجاب بتلعثم واحراج:
" لا والله.....!.... فانا اخرج في الصباح الباكر، قبل شروق الشمس لالتقاط الفضلات من مزابل المحلة والقناني الفارغة وعلب الالمنيوم لبيعها ثم اكمل بقية اليوم في السوق لبيع اكياس البلاستيك وما يخرج عن ذلك قوتا لنا وبالكاد يسد الرمق ...!" مسك قليلا ثم استأنف الحديث قائلا:
" احيانا تمدنا بعض المناسبات مثل المآتم والاعراس بوجبة دسمة حين املا كيسا من فضلات المدعوين ليعيننا يومين او ثلاثة ايام ونلقي ما يفسد في القمامة لعدم وجود مجمدة او ثلاجة في بيتنا في حي الصفيح المكان الذي صار علامة واضحة ومعروفة لقياس درجة العوز والبؤس في جميع محافظات العراق وخصوصا المحافظات الجنوبية...!؟"
لمحت عقارب ساعتي وهي تعدو نحو الظهيرة بشكل متسارع غطى فترة عملي لهذا اليوم وانا افكر بقضية علي و الملايين مثله من فقراء وبؤساء في بلد يطفو على بحار من ذهب...!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طنجة المغربية تحتضن اليوم العالمي لموسيقى الجاز


.. فرح يوسف مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير خرج بشكل عالمى وقدم




.. أول حكم ضد ترمب بقضية الممثلة الإباحية بالمحكمة الجنائية في


.. الممثل الباكستاني إحسان خان يدعم فلسطين بفعالية للأزياء




.. كلمة أخيرة - سامي مغاوري يروي ذكرياته وبداياته الفنية | اللق