الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القامرة- التي في خاطري و-القاهرة-التي في خاطرك -المحطة السابعة

محمد البكوري

2015 / 3 / 4
الادب والفن


الاموات تنتقل مبتهجة الى مثواها الاخير ...منتشية الى دار البقاء... محتفية بمغادرتها لدار الزوال ... توارى الاجساد تحت الثرى ... تطمر تحت "البرية" ... وتحلق الارواح الى الاعالي ... تصعد الى الباري ... تغسل ،تكفن، تدفن الاجساد ...معلنة عن بداية رحلة الخلاص /التخلص من براثن هذا العالم الوغد . تفوح من الارواح الطاهرة ارقى الروائح العطرة :مسك النقاء و عنبر الصفاء... تعلن الاجساد القابعة في الدهاليزالمعتمة للقبر، حيث السواد القاتم و الارواح المحلقة في الارجاء الفسيحة للسماء ،حيث البياض الناصع، عن الحقيقة الاكثر بداهة "كل من عليها فان و يبقى وجه ربك ذو الجلال و الاكرام" . يرقص الميت رقصته الاخيرة "اكرام الميت دفنه"... تنتهي مسارات الحياة العاجلة وتبدا مسارات الحياة الاجلة ...يواصل القطارسيره بخطى بطيئة كانه "فكرون " متعب ،وهي الخطى التي تشحذ ذاكرتي وتجعلها متقدة على طول الرحلة التي اضحت اكثر امتاعا بتذكر لحظات الشغب الطفولي الجميل ،خاصة اللحظات التي اتسمت بفضولنا المتنامي في معرفة الاشياء و اكتشاف الحقائق التي تميز عالم الكبار ... تزداد رغبتنا الملحة في الظفر بهذا العالم والامساك بتفاصيله الجميلة ... و لنفاجئ ونصدم حينما نسمع : ليت عالم الصغار يعود يوما ... لا مشاكل ...لا مسؤوليات ...اللعب... الضحك ...وكل الاشياء البادخة بالروعة و التي تؤثث المشاهد الحياتية التي نعيشها ... استمتعنا بالماضي ،دون ان نضرب الحساب للمستقبل الغامض ... "كنا نشدها من ما خففت ماشي من ما ثقلت " "شادين الدنيا من الزنطيط ديالها" لا نكترث الابعبارة " مدبرها حكيم " ... كانت كلمات نشيدنا على الدوام هي: "الله ينعل بو العالم ...ولي بغا يوقع يوقع ...الدينيا هانية و السما صافية ...و لي ليها ليها ربي يحضيها ..." كنت صغيرا ، احاول ان اتقن دوما لعبة الواعظ ...ارشد نفسي اولا واوجه الناس جميعا ثانيا ..." تدارك زلاتك التي تاسرك .تجاوز خطاياك التي تكبلك . تفادى ثغراتك التي تعرقلك." لكن هيهات لااحد يبالي ،كاني احاور الطرشان .لا يابه بكلامي اي مخلوق ، لايهتم بارشادي اي "بندم" . مسالة واحدة وطدت علاقتي بالاتباع و المريدين ، وهي حينما اعلنتها و باعلى صوت: الحمام موعظة كبرى ... عروة وثقى ... خوذوا العبرة ... امتحوا الحكمة من منطق "بارد وسخون ... لا نقدر على المكوث ولو لوقت قصير في البيت السخون فكيف ستحتمل جلودنا ،لحومنا ،عظامنا حمم النار التي "وقودها الناس و الحجارة " ... تسافر بي الذاكرة الى اللحظات التي كنا نقضيها في "التحميمة" ... وهي اللحظات التي تنعش في حميمية نادرة احاسيسي ،و التي اصر كلما اتيحت لي فرصة العودة الى المنبت الطيب و الاصل الرفيع"تاونات " باحياء طقوسها الضاربة في اعماق نفسي ... المتجذرة في لواعج كينونتي ... لحظات التحميمة بحمامات "حجدريان ، شنبار، الدمنة ،الاثنين ، الفيلاج... " هذا الاخير سينغرس في احشاء ذاكرتي ابد الابدين... كنا صغار ... كنا عصافير فوق السطح ... كنا كلنا "نورا" شخصية الفيلم التونسي "الحلفاويين" التي تسرق خلسة مكنونات عالم النساء العجيب ،عالم الاجساد المحتفية بانوثتها الناضجة ... حيث عبق "الغاسول" ورائحة "الصابون البلدي" ونعومة "شامبوان البيض" وروعة الجغرافية الفيزيقية التي لاتخاف منا بقدر خوفها علينا "مشي تزليقة قدام البرمة السخونة "...لا تخاف منا لاننا مجرد "سنان الحليب" ...لا نعرف للانتعاظ سبيلا... لم ينبت بعد شعر عانتنا او شعر ذاك "الفريخ" الصغير، المنبت بين فخدينا، والذي يرواغننا الكبار- ومنهم الحجام ذو المقص القاسي- عند "ختنه" :"شوف اولدي فديك الشجرة ،شوف ديك الطوير" وبمجرد رفع نظرنا الى السماء يكون مول الامانة دا امانتو" ، فقدنا عذريتنا التي مافتئنا نلهو بفحولتها... يطير الدم... يختلط بالحنة ... بعد اخذها للباروك "قوالب السكر وواحد الكاشة" ، اعلنت الام بزغردة رنانة دخولنا الى "دين الحق " والخروج من" العصر الجاهلي" ، يتم "تدويخنا" ب"حلوة الماكنا وبشكيطو" من اجل ايقاف صراخ بكاءنا او "زواكة درمضان" ... نمتطي انا وابي صهوة الجواد ذو السرج المزركش... يبدا "الباردية" باطلاق البارود من فوهة المكحلات ديالهم ...تبدا الايقاعات الصاخبة "لمول الغيطة و الطبل "على لحن "اصحاب البارود و الكاربيلة" ... تشطح "البنيتات" ...يفرح"الدراري"، يشتري الجميع حلوى العيد" السيد"،وهي حلوى ملونة تذوب في الفم واخرى معسلة دهرس سنان ... ينتقل الاطفال من "قيطون"الى قيطون " "شي واحدين كيشريو النفخات و الفرفرات ... وشي واحدات كيشريو مقابض دسلك و مرايات وماسكة حمرا كانها عكار كيخلطو ويجلطو فشنايف ديالهم... وشي واحدين كيمتعوا راسهم ببيار او لعبة رمي دمالج في قراعي دلمونادا او رمي الفلوس على الكادووات من قبيل باكية د هرنيس و باكية دكارو فارفوريت ... بزاف ديال دراري كيلعبو "سويرتي مولانا" و الكرطة ..." كان عيد الميلود فرحتنا الكبرى ... كما كان الذهاب الى الحمام بهجتنا العظمى . اتذكر يوم ذهابنا انا و "يما "الى حمام الفيلاج ... "شحال فعمرو؟" تسال مولات الخلاص يما ..."سبع سنوات "...اردد في دواخلي بغيض شديد :"و اش حنا داخلين لحمام ولا بريكاد الجدارمية ؟ماكيين غير سين و جيم ".و كانها قرات ما جال في خاطري ،لتواصل مستدركة و لتعتذر ضمنيا : "اني اسال فقط حتى يطمئن قلبي ... و على سبيل الاحتياط ...راه باين صغير... لانه قلويل وقلويل بزاف ...زيدو دخلو وبصحة و راحة..." الكلاسة الحلوفة تطلب منا ان نعطيها "الرزمة" ...الطيابة المكتنزة الجسد تعطينا "سطل واحد"... وحينما ترى اشمئزاز امي تحاول ان "تبرد الطرح" بقولها: "ليوما الاحد غير صبري معانا اختي راضية " ... لاول مرة ساكتشف اسرار و عوالم الحمام و المناسبة عشية دخولي المدرسي الاول ...غدا في الصباح الباكر ،سنجد السيد المدير واقفا بتجهم امام باب مدرسة "عبد الكريم الخطابي" المبنية بعض قاعاتها بالقصدير والقاعات الاخرى هي عبارة عن بناء مفكك ... غدا ،،وبلهفة سينتظرنا المدير حاملا في يده اليمنى "عود البري" ويده اليسرى "طيو احمر" ليفحص اجسادنا هل هي متسخة ام نظيفة ؟ ويدقق في اظافرنا هل تم تقليمها ام لا ؟ المدير يؤمن اشد الايمان بشعاره الدائم ،"التربية قبل التعليم " ، والذي مفاده :ماجدوى تعلم القراءة و الكتابة و انت مكتعرفش تكب الما فلكابنة اولبس شرط او صندالة حلومة اوسبرديلة كاوتشو خانزة طلقة الريحة او الحضور الى المدرسة "معطل" عن اداء النشيد الوطني ؟راه ماعمرو تكون منك الكوانة وما عمرك يكون منك لا زرع لا زريعة ... " رحم الله "الشعار"... و رحم الله المدير... يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقطات من عرض أزياء ديور الرجالي.. ولقاء خاص مع جميلة جميلات


.. أقوى المراجعات النهائية لمادة اللغة الفرنسية لطلاب الثانوية




.. أخبار الصباح | بالموسيقى.. المطرب والملحن أحمد أبو عمشة يحاو


.. في اليوم الأولمبي بباريس.. تمثال جديد صنعته فنانة أميركية




.. زوجة إمام عاشور للنيابة: تعرضت لمعاكسة داخل السينما وأمن الم