الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-;-إشكالية التجنيس في الأدب الأمازيغي القديم

سعيد بلغربي

2015 / 3 / 4
الادب والفن


تعد ظاهرة تداخل الأجناس الأدبية إشكالية نقدية قديمة قدم الأدب نفسه، وقد ظل الجدل دائرا حول إمكانية تحديد ضوابط معينة يمكن أن نستجلي من خلالها أن مهمة تمييز خصوصية جنس أدبي معين من غيره عسيرة (ورقاء: 64)، ومدارس النقد الأدبية حول العالم مازالت تؤرق المهتمين والدارسين للموضوع.
وثمّة معالجات عديدة تتباين وتختلف من تحليل لآخر، والأجناس الأدبية هي تصنيفات معيارية وتنظيمية، تقوم على تقسيم النصوص الإبداعية استنادا إلى أدوات فنية – شكلية في الأغلب – هدفها الأساس تحديد هوية معينة للنص الإبداعي (هـ. الريماوي).
ساهم الغياب التام للنسخ والمخطوطات الأصلية في تشابك وتهجين النصوص وتداخلها، وكما أدت انتقالات النصوص غير المستقرة من ترجمات ومن صيغ أدبية إلى أخرى إلى إشكاليات البتر الذي يسم ويميز جميع الإنتاجات الأدبية القديمة من بتر ولبس وتأويلات لرسائل النصوص الفكرية، هذه «الفوضى الأدبية» التي ساهمت في ضياع العديد من الجماليات والمتون، جراء طبيعة حركة هذه الترجمات، ويظل مجرد التفكير في إلحاقها بصيغها الجنسية الصحيحة والدقيقة وتصنيفها وفقا لتبويب منطقي سليم أمرا مستعصيا. ومن الأمور التي لم يستقر فيها ـ كذلك ـ رأي الباحثين والدارسين لتراجم وسير أعلام الثقافة الأمازيغية، صعوبة رسم أسمائهم الحقيقية، وهي ظاهرة استهدفت جل الأعلام القدماء، انطلاقا من أسمائهم وأنسابهم الحقيقية، فنحن ـ يقول د. فؤاد المرعي ـ على الرغم من كل التقدم الذي أحرزته دراسة اللغات القديمة وعلم »الهيرمينوطيقا« لا نملك سوى ترجيح هذه الصيغة أو تلك في لفظ هذا الاسم أو ذاك (المرعي:193)، هذا اللّبس القائم الذي أدى إلى صعوبة تحديد صفاتهم الأدبية والمعرفية، فينعت الواحد منهم في آن بجميع والأوصاف العلمية والفنية، باعتبارهم فلاسفة ومحامين وأدباء ومسرحيين وشعراء وخطباء وفلكيين وقساوسة وعلماء وغيرها من الكنى والألقاب، في وقت تشابه عليهم تصنيف وتجنيس إنتاجاتهم الأدبية ووضعها في خاناتها المناسبة ـ مثلا ـ إبداعات أبوليوس المشهورة مرة تقرأ كنصوص مسرحية، وأحيانا تورد كمادة شعرية أو سيرة روائية عجائبية، وغيرها من الألوان الأدبية المعروفة.
لقد انحصرت أغراض الأدب خلال هذه العصور ضمن نطاق أدبي فسيفسائي واسع يضم أشكالا متنوعة من الملاحم والمرويات الشعرية ومختلف الأجناس الغنائية، وأنواعا من حكايات الطريق أو الرحلة، وأصنافا مختلفة من الخطابة والإلقاء والمرافعات والسرد الخرافي في التراجيديا والكوميديا ومسرح الملاهي والمآسي والملل الفلسفية المختلفة والترانيم الدينية والروحية وغيرها.. إلاّ أن «المختصين بدراسة الآداب القديمة يميزون هذه الإنتاجات الفكرية في ثلاثة أبواب رئيسة: الأسطورة والملحمة والخرافة» (فاضل: 219). كما ظل الباحثون والقراء يميلون بشكل عام إلى إلصاق صفات بالشعر البدائي كانت متجانسة مع عصرهم بشكل جوهري» (أونج: 14).
للعودة إلى العهد الروماني الأمازيغي فإن التاريخ الأدبي لهذه الفترة يحتفظ ببليوغرافية نادرة، تبين بوضوح توصل النقاد القدامى إلى وضع تقسيمات وأبواب لهذه الإنتاجات الأدبية، إلاّ أنه من الواضح أن الكُتاب في ذلك العصر لم يكونوا يستطيعون تكوين فكرة واضحة عن جنس إبداعاتهم، فأغلبها كان شفاهيا يروى بطرق ارتجالية مختلفة، أو كان يقرأ مباشرة من نص مكتوب على حد وصف الباحث الكسندر. س. إلاّ أنه وبالاستناد إلى كِتاب الشاعر القوريني كاليماخوس (305 ـ 240 ق.م) يمكن أرشفة هذه الإبداعات القديمة بشكل منظم، وعرف هذا الكتاب «باسم البيناكس Plnakes (القوائم) الذي يُعتبر أهم أعماله، ويعتبر هذا أول عمل ببلوغرافي منظم في التاريخ..
ويبدو أن الكتب كانت فيه مصنفة في عشر مجموعات رئيسية: »الشعر، المسرحية، القانون، الفلسفة، التاريخ، الخطابة، الطب، الرياضيات، العلوم الطبيعية والمتفرقات« (أبو العطا: 173 ـ 174).
ولعله من خلال هذه الفهارس تمكن النقاد القدامى من وضع هذه الإبداعات وتصنيفها في قالبها الحقيقي، إلاّ أنه ومع مرور الزمن وأمام الانتشار الواسع لمجموعة من الترجمات المختلفة والمتباينة لنص أدبي واحد، ساهم في تشكيل صورة مبهمة وضبابية عن طبيعة النصوص الأصلية، مهما تضاربت الآراء فإن نظريات التجنيس، يؤكد عز الدين المناصرة، أنها ما زالت تخضع لأخذ ورد، فهي غير قابلة للحسم النهائي. وكلما توغل النقد الحديث في أعماق الإشكالية، ازداد الشك في صحة التقسيمات الأساسية والفرعية.

كاتب أمازيغي ـ المغرب

سعيد بلغربي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07


.. برنار بيفو أيقونة الأدب الفرنسي رحل تاركًا بصمة ثقافية في لب




.. فيلم سينمائي عن قصة القرصان الجزائري حمزة بن دلاج


.. هدف عالمي من رضا سليم وجمهور الأهلي لا يتوقف عن الغناء وصمت




.. اختيار الناقدة علا الشافعى فى عضوية اللجنة العليا لمهرجان ال