الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على قبر أمّي

عواد الشقاقي

2015 / 3 / 5
الادب والفن


على قبر أمّي

كنتُ في إجازة أيام الحرب العراقية الإيرانية أو العكس فلا فرق فبكل الأحوال جهلٌ وغباء ، وقبل يوم من انتهاء إجازتي حدثت معركة في قاطع العمليات الذي أخدم فيه ( العمارة ) وصباح هذا اليوم تم إذاعة البيان عن ذلك وعندما علمتْ أمي بأنني غداً سأذهب إلى الجبهة تغيرت ألوانها حزناً وكمداًعلى ولدها وأخذت تتصنع الأمراض والعلل طول اليوم وغايتها أن لا أذهب إلى الجبهة فأموت وفي الفجر عندما استيقظت للإستعداد للرحيل أصابتها نوبة قلبية فتركتها في المشفى وذهبتُ لأداء الواجب وبعد أسبوع ماتت أمي والوطن لم يمنحني إجازة لكي أحضر مراسيم دفنها لأن الوطن في إنذار عام !!!


كتمتْ مدىً حتى إذا ماطالَها
قلبُ الأمومةِ للسؤالِ ، أزالَها

صُبحاً نعيقيَّ الغناءِ وشمسُهُ
ثكلى ، عَوى داعي الرّدى فأهالَها

سمِعَتْ بيانَ المُدرِعينَ صدورَهم
بظهورِهم ( ياحُومُ ) هاتِ وبالَها

سألتْ يُنازِعُها الحليبُ سؤالَها
ما ؟ واستشاطَ بها الحليبُ وغالَها

حتى إذا عزَفَ الرحيلُ شجونَهُ
صِدْقاً وأكذَبَ ما رأتْ آمالَها

قامتْ قِيامتُها وأيقنتِ اللّظى
وعيونُها سكبتْ دماً أهوالَها

قالتْ : بُنيَّ أرى عليكَ تأهُّباً
وقد انتضيتَ غُبارَها ونِعالها

فأجبتُ : أيْ أُمّي فلستُ بمُدركٍ
فيها يَميني كي أرُدَّ شِمالَها

فتأوّلتْ وجَعَ الرحيلِ بصدرِها
موتي ، وأسلمتِ الرّدى أنْ طالَها

أمي الحنونُ وكمْ تمنّيتُ القضا
لو غالَني بسهامِهِ وأقالَها

حمقاءُ قد عجِلَتْ بفلْذَتِها النوى
وكأنّها صخراً ترى أنجالَها

عزّتْ عليَّ ، من الحنينِ ، بأُذنِها
وقْراً وتُحكِمُ عينُها أقفالَها

فيَخيبُ سهمُ الناعقينَ بيانَهمْ
وتَغُلُّ أيدِ الوهْمِ عنها حالَها

غابتْ بسهمِ الموتِ عنّيَ مُضرجاً
بدماءِ أحزاني ، أتوقُ خيالَها

غابتْ كأنَّ الموتَ أدّبني بها
في أنّني ( الياحُومُ ) صرتُ رجالَها
********
أمّي الحنونُ : وهل يُقيلُ سفاهتي
عُذري وأعذاري تمُجُّ فِعالَها

فلَكمْ وجدتُكِ طولَ يومِكِ أدمُعاً
تتحجَّجين من السَّقامِ عُضالَها

ولَكمْ وجدتُكِ تلتوينَ بآهةٍ
حرّى وإسرافي يُسائلُ : مالَها ؟

قضّيتِ ليلَكِ للرُّقادِ مُقيلةً
والرَّحمُ حفَّ وسادتي ودَلالَها

تتوسّلينَ الليلَ طولَ سدولِهِ
والشمسَ رأفتَها تُطيلُ زوالَها

ماكانَ مُرجِفَكِ الجبانَةُ موقِفاً
لكنَّما حربُ الجُهالِ ومالَها

ومواجِعُ الأمِّ الرؤومِ بطفلِها
شدّتْ يدُ الحُمّى عليهِ حِبالَها

ماكنتُ بَرّاً حينَ ثِبْتُ بناعِقٍ
مِسخٍ وأسلمْتُ الحِمامَ مَنالَها
********
أمّي الحنونُ : لقد فقدتُكِ بسمةً
تتصنّعينَ على الهمومِ ظِلالَها

أسلمْتِني ليدِ الدهورِ طريدةً
قالتْ عليّ من الظلامِ مَقالَها

كانتْ حياتي قبلَ فقدِكِ جنةً
واليومَ قفراً لا أُطيقُ رمالَها

كانتْ حياتي يومَ فقدِكِ موطِني
واليومَ لا وطنٌ يُطيقُ مُحالَها

قد بِعْتُ رخصاً فيكِ أغلى بِضعَتي
وابتعْتُ أوطاناً تبيعُ عِيالَها

قالوأ : البلادُ وإنْ تجورُ عزيزةٌ
تبّتْ بلادٌ لا تُعِزُّ رِجالَها

أسَفي على أمّي وقد ضحّيتُها
وهماً بأنَّ مبادىءٌ تِرحالَها








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة