الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


9مارس بين حكامة الدستور و دستور الحكامة

محمد البكوري

2015 / 3 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


في غضون الايام القليلة المقبلة ستمر اربع سنوات على الخطاب الملكي ل9مارس2011،الخطاب "التاريخي" الذى شكل جوابا حقيقيا على معظم الاسئلة التي طرحتها و بعمق حركة20فبراير ،والتي جسدت النموذج الحي للحراك المغربي .ولعل من ابرز هذه الاسئلة المطروحة ، تلك المرتبطة بالمطالب المنادية بضرورة التاسيس لدستور جديد والتي حتمت على النسق السياسي المغربي -وفي اطار نوع من "الذكاء السياسي" المبرهن على قدرة الدولة الفائقة في توسيع هوامش مناوراتها التكتيكية -مباشرة جملة من الاصلاحات المسكنة Réformes Palliatives ،التي توخت في عمقها التخفيف من حدة الاحتقان الاجتماعي المتفاقم و ايقاف نزيف الاحتجاج المتصاعد ، ومنها الاعلان وبجراة سياسية عن خطوة المراجعة الدستورية الشاملة ، باعتبارها التتويج الرفيع للمسارات الاصلاحية السابقة :الاصلاح السياسي و المفهوم الجديد للسلطة، الاصلاح الحقوقي و العدالة الانتقالية ،الاصلاح الاداري و تخليق المرفق العمومي، الاصلاح الاجتماعي و المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، الاصلاح الاقتصادي و التدبير اللامتمركز للاستثمار...والمنطلق الاساسي لمجمل الاصلاحات اللاحقة ،و التي بامكانها في شموليتها نقل المغرب من دولة حكم الى دولة حكامة. اولا :حكامة الدستور: من خلال الارتكان الايجابي في صياغة الدستور الى مختلف المبادئ التي يقوم عليها بنيان الحكامة الجيدة : المشاركة ، التوافق، الفعالية ،الانذماج، حكم القانون ، الكفاية ،المنظور الاستراتيجي ... انبثقت الرؤية الملكية الرصينة في ضروررة انتهاج مقاربة للمراجعة الدستورية ،معتمدة بالاساس على اليات الحوار و الاصغاء و التشاور مع مختلف الروافد و المشارب من منظمات حزبية ونقابية،و فعاليات شبابية وجمعوية وكفاءات اكاديمية وفكرية وعلمية ... لصياغة دستور متقدم ،يكون في مستوى طموحات المغرب المامول وليستحق بجدارة ان يحمل نعت "دستور العهد الجديد" ،وهو ما تجسد في الاعلان عبرهذا الخطاب على تكوين لجنة استشارية خاصة بمراجعة الدستور،اتسمت بالتنوع الغني والتعدد الثري على مستوى تركيبتها ، والتي عملت مباشرة بعد تنصيبها يوم10مارس2011 على تدشين مشاورات واسعة ومكثفة مع مختلف مكونات الحكامة :الاحزاب السياسية ،القطاع الخاص، المجتمع المدني ... وللمزيد من النجاعة و الكفاية ، تم تمكين هذه اللجنة من الية مهمة في درب ترسيخ الحكامة الدستورية الجيدة ،وهي الالية السياسية التي خولت لها صلاحيات المتابعة و التشاور و تبادل الراي بشان الاصلاح الدستوري المقترح مع التاكيد على كون القرار الفاصل و الحاسم و النهائي هو في يد الشعب من خلال بلورته لحكامة دستورية رائدة عبر الية الاستفتاء ،والتي بامكانها ان تم التعامل معها بشكل ايجابي ،خلق معالم العهد الدستوري الجديد، والذي سيعزز بلا شك دولة الحق و المؤسسات . من جهة اخرى ،ورغم ان خطاب9مارس 2011 ، شكل بما احتواه من مضامين موجهة ومرتكزات عامة، الاطار المرجعي لعمل اللجنة الاستشارية، الا ان ذلك لم يقف حاجزا -كما اكد الملك محمد السادس في نفس الخطاب -امام"الاجتهاد الخلاق لاقتراح منظومة دستورية متقدمة لمغرب الحاضر والمستقبل" . وبذلك ،مثل تشكيل اللجنة الاستشارية المكلفة بالمراجعة الدستورية خطوة مفصلية موطدة للنموذج الديمقراطي المتميزالقائم على الاصلاح الدستوري "المواءم " ،والذي يجسد في عمقه ،حلقة من حلقات المسلسل الطويل للاصلاح الشامل: السياسي، الاقتصادي ،التنموي ،الاجتماعي، الثقافي ...و الكفيل في نهايته بالارتقاء بالاسس القادرة على ارساء دعائم "مغرب الحكامة" . ثانيا :دستور الحكامة :لقد شكل خطاب9مارس 2011 خارطة طارق واضحة سعت الى رسم المعالم الارهاصية للوثيقة الدستورية المقبلة ،الخارطة التي سيسير على نهجها المشرع الدستوري- اللجنة الملكية الاستشارية المكلفة بمراجعة الدستور- عبر النهل من المرتكزات السبعة التي وقف عندها الخطاب الملكي، دون ان يعني ذلك سد باب الاجتهاد امامها . وهذه المرتكزات هي:
+ 1: التكريس الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة،الغنية بتنوع روافدها،وفي صلبها الأمازيغية،كرصيد لجميع المغاربة --;--
+ 2 : ترسيخ دولة الحق والمؤسسات،وتوسيع مجال الحريات الفردية والجماعية،وضمان ممارستها،وتعزيز منظومة حقوق الإنسان،بكل أبعادها،السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية،والثقافية والبيئية،ولاسيما بدسترة التوصيات الوجيهة لهيأة الإنصاف والمصالحة،والالتزامات الدولية للمغرب --;--
+ 3: الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة،وتعزيز صلاحيات المجلس الدستوري،توطيدا لسمو الدستور،ولسيادة القانون،والمساواة أمامه --;--
+ 4 : توطيد مبدأ فصل السلط وتوازنها،وتعميق دمقرطة وتحديث المؤسسات وعقلنتها، من خلال :

برلمان نابع من انتخابات حرة ونزيهة،يتبوأ فيه مجلس النواب مكانة الصدارة،مع توسيع مجال القانون،وتخويله اختصاصات جديدة،كفيلة بنهوضه بمهامه التمثيلية والتشريعية والرقابية.

حكومة منتخبة بانبثاقها عن الإرادة الشعبية،المعبر عنها من خلال صناديق الاقتراع،وتحظى بثقة أغلبية مجلس النواب --;--

تكريس تعيين الوزير الأول من الحزب السياسي،الذي تصدر انتخابات مجلس النواب،وعلى أساس نتائجها ،

تقوية مكانة الوزير الأول،كرئيس لسلطة تنفيذية فعلية،يتولى المسؤولية الكاملة على الحكومة والإدارة العمومية،وقيادة وتنفيذ البرنامج الحكومي ،

دسترة مؤسسة مجلس الحكومة،وتوضيح اختصاصاته
+ 5 : تعزيز الآليات الدستورية لتأطير المواطنين،بتقوية دور الأحزاب السياسية،في نطاق تعددية حقيقية،وتكريس مكانة المعارضة البرلمانية،والمجتمع المدني --;--
+ 6 : تقوية آليات تخليق الحياة العامة،وربط ممارسة السلطة والمسؤولية العمومية بالمراقبة والمحاسبة ،
+ 7: دسترة هيآت الحكامة الجيدة،وحقوق الإنسان،وحماية الحريات.
ان المرتكزات السابقة، ستجد مكانها في الوثيقة الدستورية ل2011"الديباجة وتكريسها للهوية المغربية المنصهرة و المندمجة وابراز طابعها المتعدد المتنوع و الغني ، الباب الاول و التنصيص في الفصل الاول على قيام النظام الدستوري للمملكة على اساس فصل السلط و توازنها و تعاونها و الديمقراطية المواطنة و التشاركية و على مبادئ الحكامة الجيدة و ربط المسؤولية بالمحاسبة ، الفصول 7و10و12و13 وتوطيد الاليات الدستورية المعززة لتاطير المواطنين و اشراكهم في صيرورة تدبير الشان العام من احزاب سياسية و مكونات المعارضة البرلمانية وفعاليات المجتمع المدني وهيئات التشاور ، الباب الثاني و توسيع مجال الحريات و الحقوق الاساسية ،الباب الخامس والرفع من الاداء الحكومي ،الباب السابع و الارتقاء بالقضاء الى مرتبة سلطة ،الباب الثامن وتعزيز صلاحيات القضاء الدستوري ، الباب الثاني عشر وارساء اسس ومبادئ الحكامة الجيدة فيما يخص المرافق العمومية ودسترة مختلف مؤسسات و هيئات حماية الحقوق و الحريات و الحكامة الجيدة و التنمية البشرية و المستدامة و الديمقراطية التشاركية ... " انه منذ المصادقة على الدستور المغربي والاصوات المختلفة ما فتئت ترفع حناجرها منادية بضرورة "التنزيل السليم للمقتضيات الدستورية"، مع مايعنيه ذلك من اخراج المبادئ الكبرى المنصوص عليها في متنه وروحه ،من القوة الى الفعل ،و الحرص على تفعيلها الامثل وفق الشروط السياسية، الاقتصادية والاجتماعية الكائنة . ويمكن الحديث في هذا الصدد ،عن بعض الارهاصات للتنزيلات الدستورية الممكنة من قبيل: تفعيل مقتضيات الفصل 47من الدستور وتعيين رئيس الحكومة من حزب العدالة و التنمية الذي تصدر انتخابات27 نونبر2011 ب107 من المقاعد، تكريس اسس الديمقراطية التشاركية عبر تبني اليات الحوار "المجتمع المدني ،العدالة ،التعليم ..." و وضع مرتكزاتها من خلال بلورة قوانين تنظيمية مؤطرة لشروط و كيفيات تقديم الملتمسات التشريعية و العرائض من طرف المواطنات و المواطنين ،التمكين من تضمينية مبدا ربط المسؤولية بالمحاسبة قضية وزير الشبيبة و الرياضة مثلا ... عموما، تجسدت حكامة الدستور الحالي ، في التوسل بالاليات الحكاماتية في صياغته واخراجه الى حيز الوجود ،و على راس هده الاليات المقاربة التشاركية بين مختلف مكونات الحكامة . في حين تبلور دستور الحكامة ،في اعتبار ديباجته الحكامة الجيدة ، احدى ابرز المرتكزات التي تقوم عليها الدولة الديمقراطية الحديثة ، وكذا في تاسيس متنه لانماط متعددة من الحكامة :الحكامة السياسية، الحكامة الاقتصادية ،الحكامة الادارية ،الحكامة القضائية ، الحكامة الترابية و الحكامة الامنية ...والتي ستحتاج -على ما يبدو- ردحا من الزمن للتنزيل الافضل و التبلور الامثل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توتر غير مسبوق في العلاقات الروسية الفرنسية على خلفية حرب أو


.. الرئيس الجزائري يجتمع مع قادة الأحزاب قبل أشهر قليلة من الان




.. ما الاستراتيجيات التي تتبعها فصائل المقاومة ضد قوات الاحتلال


.. ما طائرة -أكنجي- التركية التي استعانت بها إيران في حادثة سقو




.. -فلسطين ستعيش للأبد- .. طلاب يابانيون يطالبون بقطع العلاقات