الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعليق كُردي على نقاش عربي - الفيدرالية توقظ العروبة من سباتها -

خالد سليمان

2005 / 9 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


لم تلحظ الأوساط العربية السياسية والثقافية في العقود الأخيرة سجالاً حول العروبة من النوع الذي خلقته الفيدرالية العراقية في هذه الأيام . فجميع النقاشات والسجالات التي تملئ الإعلام العربي تشير إلى مرحلة سياسية جديدة ، قد يتجاهلها القوميون العرب ، لكنها واقع " تراكمي " له أبعاد مستقبلية على الحياة السياسية في المنطقة . ولئن جاءت التغييرات ، سريعة وشملت العراق والسودان ولبنان ، ولم تترك مساحة كافية لقراءة تداعياتها المتنوعة ، بالإضافة إلى العوامل الخارجية التي استقوت بها ؛ اندفعت النخب العربية إلى استعادة مقولات فكرية سبق وان فشلت في مواجهة التغييرات . تالياً ، يمكن قراءة السجال الدائر بين المثقفين العرب حول العراق وفيدراليته وفق منطلقات فكرية وسياسية تسود العالم العربي منذ نهاية النصف الأول من القرن العشرين ، وهي منطلقات تراهن بالدرجة الأساس على الدولة المركزية والرابطة القومية العربية والتعريب . ولا ننسى هنا رؤية الأُصولية الدينية المتمثلة بحركة الأخوان المسلمين التي حاولت هي ايضاً فرض منطلقاتها الآيديولوجية المستلهمة من الدين والقومية معاً .
المُلاحظ في جميع تلك الإنتقادات الموجهة إلى الحكومة العراقية وتخوينها ، هو اعتماد فلسفة الثابت ضد اي تحول قد يضع " المركزية " جانباً كما في الحالة العراقية . لذا يحاول المساجلون الجدد لقضايا العروبة التشهير السياسي بالدستور العراقي الجديد وتحريض " المثلث السني المقاوم " لإسقاطه وفقاً للثابت العربي في أحشاء التوتاليتاريزم .
يتبادر إلى الذهن هنا نقطة هامة ، وهي التركيز في غالبية تلك المقالات والتحليلات التي تتناول الهوية العراقية من وجهة نظر قومية ، على تفكيك المؤسسة العسكرية العراقية الرادعة برأيها لتفتيت البلد ، ثم بروز الدور الكُردي إذ أصبح محوراً أساسياً في تأسيس شكل الدولة المستقبلي . بموازاة هذا صار بامكان المتابع للشأن العراقي ، التيقن من ان النخبة العراقية الحالية - باستثناء الطائفة السنية بالطبع – لا تشكل ، بحسب الغالبية ذاتها ، معبراً يوصل العراق إلى ضفة الأمان . ذلك ان التحول الذي حصل في العراق ومن خلال قوة أجنبية تكن لها البيئة العربية إجمالاً عداءاً تاريخياً ، أحدث إرباكاً ليس في البنية التحية في ثقافة العروبة السياسية في العراق فحسب ، بل في جميع البلدان العربية
تقريباً .
والحال هذه ، أيقظ التحول ذاته العروبة من سباتها وحرّك " حيوية قديمة " فيها ، لاتشترط المقاييس الزمنية للفكر والسياسة . لأن مفردات نقد الحالة العراقية بعد " البعثية " ،لا توحي بأي تغيير في خطابها، طالما اعتمدت ذات الشعارات التي تطغي على الحياة السياسية العربية منذ نهاية النصف الأول للقرن العشرين . ولا يدل هذا ، سوى على إرتباط عضوي بين ثقافة الإستبداد الراسخة إجتماعياً وسياسياً في لاوعي النخب وبين فكر لم يسبق شروطه الإجتماعية . ذاك ان دكتاتورية " الثابت " في السياق العام للمجتمعات والدول لم تقتض " الدوغما " وحده ، بل كرّست مفاهيم نكوصية لمواجهة أي تغيير محتمل . لقد فرضت الدولة القومية وآيديولجيتها قيود حديدية على المجتمعات والثقافات واستغفل جميع المشكلات القومية والعرقية من خلال سياسات تقليم الأغصان وحلول أمنية إجرائية تمخضت عنها المأساة والمأساة .وابتكر " البعث " في هذا المجال أساليب خاصة بها ولم يتورع يوماً عن إستخدام أشد أنواع التنكيل بمغايريه ودفنهم في مقابر جماعية أو رشهم بالغازات الكيمياوية كما في عمليات الأنفال في كردستان عام 1988 .
في السياق ذاته ، تجدر بنا هنا الإشارة إلى مسألة التعريب في كل من العراق وسوريا كحل إجرائي ضد الكُرد وامكنة تواجدهم السكاني .
كل هذه المآسي لم تدفع القوميين العرب لمراجعة مشروع العروبة ونقد آلياتها ومنطلقاتها التي افتقدت إلى فعل الأنسنة في خضم شعارات الوحدة ، وراحوا يتغنون بهيجانات وطنية داخلية يحملها الإنسان العربي المكبل بالفقر التخلف إثر إستئثار السلطة به تاريخياً . فلو بحث العروبيون عن بيئة صحيحة لمشروعهم من خلال نقد الدكتاتوريات والمجتمع بدل ترحيل أسباب المأساة إلى الخارج أو وضعها على كتف الكُرد ، لتأنسنت العروبة بدل أدلجتها وفق مقومات " العنصرية " .
عودة إلى الدستور العراقي الجديد ، وفيه ، النقاط التي أثارت النخب العربية وأمين عام الجامعة العربية ، نرى ان البنود القانونية التي يراها العراقيون جزءاً من تنوع مجتمعهم الثقافي ، يعتبرها القوميون العرب طعناً بوحدة العراق وبالإنتماء للعروبة أيضاً . ولكن السؤال هنا هو ، ما هو الضرر من وجود لغتين رسميتين في العراق ، أليس هذا هو الغنى الثقافي الذي طالما تحدثنا عنه في " المقاهي " والكافيتريات الثقافية . لما كل هذا الضجيج العنصري على كلمة " ديمقراطي إتحادي أو فيدرالي " ؟ في تعليق على هذه القفرة ، يذهب واحد من هؤلاء الكتاب إلى ان الفيدراليات الغربية والأمريكية " الكندية " ما هي سوى نتاج الصراعات الكولونيالية في تلك المجتمعات ، ولكن العراق برأيه ، فهو " كيان تاريخي منذ ما قبل الإسلام بكثير" ، ناسياً تاريخ الكولونيالية في الشرق وفي العراق بشكل خاص . ولو أعاد الكاتب قراءة تاريخ العقد الثالث من القرن العشرين ( كل من إتفاقيتين سيفر عام 1923 ولوزان عام 1924 ) لاكتشف ان تاريخ العراق أيضاً ، لايخرج عن دائرة السياسيات الكولونيالية في المنطقة . لكن القراءة الإنتقائية للتاريخ وتحليله وفق رؤية قومية " شوفينية " يبعد أي سجال عن فحواه الإنساني ، ويربك بالطبع آلية الحوار ايضاً .
فيما يتعلق ببروز الدور الكُردي في العراق وهيمنته على " عروبته " وفق ما تذهب إليه الأوساط العربية ، اجدني مضظراً للولوج قليلاً في سجال الأوساط الكُردية ( السياسية والثقافية ) هذه المرة . ذلك ان لها آراءاً يجهلها الجانب العربي للأسباب التي ذكرتها . هناك إذاً ، تيار تأثر من حيث لا يدري بالطروحات الشوفينية العربية ويقترن تحصنه في الخندق القومي بتوجهات " الآخر " العصبية . أما التيار الآخر فلا يرى في كُرديته إلاً عاملاً لبناء بيئة صحية للعلاقة مع الآخر حسب معطيات التاريخ والجغرافيا والثقافة المشتركة . هناك تالياً ، رؤيتان متداخلتان ومتباعدتان في آن ، تتجسد الأُولى في إنشاء دولة قومية ، والثانية في أقلمة الذات مع المتغيرات الإقليمية والعالمية دون إبعاد حلم دولة مستقلة . ولا بد من الإشارة أن رأي التيار الثاني لا يريد الإستقواء بعناصر الثقافة القومية كحل وحيد لقضية الشعب الكردي ، بل يحاول الإقتراب من أُسس عصرية تقتضيها الحداثة والعولمة معاً .
يتفق الطرفان على ان الكًرد ليسوا جزءاً من الأمة العربية ، وعلى انهم عملوا بكل جدية ، سواء في الشارع الكُردي أو داخل غرف العمليات الدستورية ، لتثبيت فقرة تقول : ( العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب ، وهو جزء من العالم الإسلامي ، والشعب العربي فيه جزء من الأُمة العربية ). لكنهما يختلفان حول مفاهيم قومية كثيرة قد تعرقل الإنفتاح على الآخر . تكمن أسباب التهجم على النخب العراقية ، والكردية منها بشكل خاص في هذه الفقرة التي وصفها أحد المسؤولين العرب بـ " نص كارثي " ودعا العراقيين " السُنة حصراً " لإسقاطه .
إذا نظرنا للنص برؤية يقضة وغير " عنصرية " ، لا نرى فيه أي بعد يقلل من شأن القومية العربية ، لأن الكُرد والتركمان والآشوريين والكلدان والصابئة ليسوا بعرب ٍ ولا يمكن تعريبهم حسب نصوص " دستورية " سابقة فرضتها آيديولوجيا قومية شمولية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر إسرائيلية تتحدث عن مفاوضات جديدة بشأن الهدنة في غزة


.. شاهد| مسيرة في شوارع دورا جنوب الخليل ابتهاجا بخطاب أبو عبيد




.. مقتل طيار بالقوات الجوية البريطانية بعد تحطم طائرة مقاتلة


.. دمار هائل خلفه قصف روسي على متجر في خاركييف الأوكرانية




.. حكومة السلفادور تلعن نشر آلاف الجنود لملاحقة العصابات