الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-;-الأدب النسائي في المجتمع الأمازيغي القديم

سعيد بلغربي

2015 / 3 / 5
الادب والفن


المرأة الأمازيغية ودورها الأدبي المظلم

من الأمور الغريبة التي انتبهنا إليها في هذا الجانب، والتي تستدعي حقا تفحصا جديا في البحث عن حيثياتها الخفية، وهي النزعة «الذكورية» الواضحة المعالم للأدب الأمازيغي القديم، فكلها نصوص ذات تحيز شديد لأدباء رجال. نتساءل: كيف يمكن تبرير هذه الهيمنة «الذكورية الأدبية»؟ التي نلمس تأثيراتها السلبية حتى من خلال مضامين هذه النصوص الأدبية والتاريخية المتحاملة على المرأة، التي تقزم دورها الحقيقي وتصفها بالقذارة وترميها بالعهر والسحر والكيد والشر (تامزا).. ونستشف هذا بكثير من الوضوح في كتابات أبوليوس الأدبية.
لا يذكر تاريخ الأدب القديم تأنيثا بتاتا، لكننا نعثر بالمقابل على دور المرأة الكاهنة أو الآلهة المعبودة ذات «النظام الخطي الأمومي» التي ارتبطت حسب الميثولوجيا المبكرة بالخصوبة والأرض، والكتابات التأريخية لشمال أفريقيا نفسها تشير باحتشام بالغ إلى انشغالاتها السياسية ومكانتها الاجتماعية داخل الأسرة الأمازيغية.. وهذا ما يعلق عليه المؤرخ اليوناني ديودور الصقلي (القرن 01 ق.م) بقوله: «إنه وُجد ذات يوم في الأجزاء الغربية من ليبيا على أطراف المعمورة شعب تحكمه النساء، وكان هذا الشعب يتبع سبيلا في الحياة يختلف عما يسود حياتنا من سبل»( خشيم: 120). وفي حديثه عن المرأة المغاربية المبدعة يشير جوليان (1891 ـ 1991) موضحا: «أن البربر شأنهم شأن الأمم البدائية كانوا يعتبرون الفن ظاهرة اعتيادية للحياة لا متعة للنخبة.. والمرأة فنانة أكثر من الرجل في غالب الأحيان، فهي التي تزخرف آنية الخزف أو تنسج الزرابي». ويبدو أن الضمير التاريخي لشمال أفريقيا يحفظ لها مكانتها المرموقة داخل المجتمع الأمازيغي.
فالمرأة النوميدية غالبا ما لا تشير إليها المصادر الإغريقية والرومانية إلاّ من الناحية المورفولوجية (عيساوي: 116)، مصادر على الرغم من أهميتها التاريخية فإنها تظل ثانوية (كوصف طرق تضفير وتسريح الشعر، طبيعة اللباس والحلي والوشم، وطقوس الزواج..) إضافة إلى تلميحات تناولت بإيجاز دورها في تدبير أزمات الحروب، وفي هذا الصدد أسهب هيرودوت في الحديث عن المحاربات الأمازيغيات الأمازونيات، اللواتي جاسرن وتمردن على الأعراف الذكورية، حسب الأسطورة التي تصفهن بالشراسة في التصدي والمقاومة، نساء عرفن في غرب ليبيا (تامازغا) المنطقة التي وصفها المؤرخ ديودورس (ق الرابع قبل الميلاد) بأنها «بلد الشعوب المتحضّرة، ومنها جاءت الآلهة».
وصف تاريخي موجز نستطيع أن نستشف منه «الدهاء الفكري والثقافي» الذي تمتعت به المرأة الأمازيغية، وما رافقها من تحضر وتطور تبلورت رواسبه عبر العصور والحضارات.
بلا شك عاشت المرأة الأمازيغية عصوراً مظلمة، وأمام غياب مادة تاريخية تثبت التطور التاريخي لدور المرأة الإبداعي والفكري عبر العصور؛ فإنه من الصعوبة بمكان التكهن بما أنتجته من إبداعات أدبية وفنية.
ولكنه لا يمكن إنكار دور المرأة في بناء الفكر الأمازيغي منذ القديم، ومن المؤكد جدا أنه كان ثمة شاعرات كثيرات وممثلات وراقصات مسرح ومبدعات في كل المجالات الجميلة. كما أن هناك أشعارا وحكايات شعبية وتربوية من مميزاتها الأساسية أن المرأة هي التي ترويها للأطفال، وهي خاصية ماتزال حية؛ قد يكون لها جذور تاريخية لها علاقة بدور المرأة القديمة في طريقة غناء الحكايات وإنشادها أمام الحضور، لتثبيت المبادئ وغرس القيم ونقل المعارف للأجيال المتعاقبة، كما أنها أبانت عبر العصور الغابرة عن دروها الأساسي في الحفاظ على هذا التراث وحرصها دوما على تثبيت قواعده وغرس منظومة القيم التي يحتويها الموروث الثقافي لتكون بهذا حامية الهوية من الانقضاض والتشويه والمسخ.
هذا الاهتمام الزائد بالإبداع يمكن تفسيره وتأكيده حاليا بالدور الريادي والمكانة التي تبوأتها المرأة الأمازيغية في المجتمع الطوارقي، المتميزة بحماستها الإبداعية وبحسها الأدبي ونضجها الفكري الذي يفوق بكثير الرجل الطوارقي المبدع.

الأدب الأمازيغي والمجد المفقود

لعل من الجلي الذي لا يحتاج إلى تبيان أن يسلّط المهتمون الأضواءَ على نزر قليل من أدباء ونخبة من المثقفين الذين يعدّون اليوم على رؤوس الأصابع، مقابل إهمال طال العديد من الرموز الأدبية القديمة، فمن الواضح أن الانتاجات الثقافية للشعوب تتأرجح بين مد وجزر وازدهار وضعف، إلاّ أنها لا تموت حتى لو بفناء المجتمعات المنتجة لها، وأمام فقدان الذاكرة الأمازيغية لمراجع قديمة وشواهد أدبية حية؛ ضاع بسببها العديد من الرموز والأسماء الأدبية، التي بلا شك ساهمت في وضع لبنات قوية للثقافة والإبداع الأمازيغيين.
كيف نفسر اليوم امتلاك المجتمع للعديد من الآثار الشعبية من ألغاز وأمثال وآحاجي وحكايات كلاسيكية متداولة بشكل واسع في كل ربوع شمال أفريقيا؛ يؤكد الباحثون تجاوزا أنها من إنتاجات جماعية، إلاّ أنها في الأصل إنتاجات فردية لأدباء أمازيغيين مجهولين عاشوا في مراحل متقدمة ومختلفة من تاريخ المنطقة، وتؤكد هذا؛ البناية السردية لصيغة النصوص نفسها، وما تحويه من عوالم أسطورية وعجائبية وسحرية وتيمات ومتون أخرى كانت تتصل بذلك العالم المعقد من الخرافات والاعتقادات والتنبؤات الهادفة أساسا إلى إدراك حاجاتهم الروحية، وهي نصوص تحيلنا إلى أنها ألّفت في عصور متقاربة من أزمنة أبوليوس أو أفرنطوس أو ماريوس فيكتورين (القرن 04 م) وغيرهم من المبدعين الذين عرفنا جانبا من كتاباتهم.

كاتب مغربي

سعيد بلغربي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هدف عالمي من رضا سليم وجمهور الأهلي لا يتوقف عن الغناء وصمت


.. اختيار الناقدة علا الشافعى فى عضوية اللجنة العليا لمهرجان ال




.. صباح العربية | نجوم الفن والجماهير يدعمون فنان العرب محمد عب


.. مقابلة فنية | المخرجة لينا خوري: تفرّغتُ للإخراح وتركتُ باقي




.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء