الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خواطر عابرة (4) الواقع يخذل العقل!!

محمد عبعوب

2015 / 3 / 5
الادب والفن


صمد العقل طويلا في معركته ضد العواطف، دونما مساند يشد أزره.. كان الأمل في إصلاح الوضع والطموح في تصحيح مسار المؤسسة التشريعية التي نراهن عليها وغالبية الليبيين هي سندي الوحيد.. ولم تحبطن كل الأوضاع المهينة التي عشت وقائعها كطرف أو شاهد عيان، من تهميش وتجاهل وحتى التهديد بالتعرض للأذى الجسدي من بعض المنفلتين، والتي قدرت أنها طارئة وعابرة ناتجة عن ظرف استثنائي ستزول فور زوال مسبباتها..
لم يقدر المسؤلون في هذه المؤسسة فيما يبدو أثر هكذا أوضاع غير مبررة - من انعدام أماكن للموظفين يمارسون فيها عملهم، أو حتى مجرد سقف يحميهم من المطر ولفح البرد حتى وهم وقوفا، وكذلك إجبارهم على الحضور والوقوف لساعات طويلة بدون أي مبرر في الساحة الملاصقة للمبنى الإداري- لم يدركوا أثرها على قدرة الإنسان على التحمل .
كنت لتفادي لحظة الانفجار جراء هذه الأوضاع المهينة وغير المبررة، والتجاهل المتعمد لدورنا في تفعيل هذه المؤسسة واستخدامنا كسواتر في معارك الغنائم والهيمنة بين مراكز قوى فاسدة في الديوان وبين نواب أعمتهم الحصانة البرلمانية والامتيازات عن مهمتهم الحقيقية ورسالتهم الوطنية، كنت أحرص على مغادرة مقر الديوان بعد إثبات حضوري إداريا في ذلك المكتب الضيق أمام شاب دمث الأخلاق ذو شخصية محترمة لا تستحقه هذه المؤسسة المترهلة، كنت أحرص على المغادرة فورا والتوجه إلى حديقة صغيرة تقع أمام مكتبة عامة بالمدينة ، أنتظر موظف المكتبة الذي عادة ما يتأخر لأسباب تخصه، وأدلف إلى المكتبة للاحتماء من البرد والاطلاع على ما تحويه من كتب، وقد استفدت من لجوئي إلى هذه المكتبة في الاطلاع على العديد من الكتب رغم قدمها مثل بعض الكتب التراث و غيرها من الكتب، وأبرزها رواية نجمة للروائي الليبي الراحل خليفة حسن مصطفى التي طالما حدثني عن جمالها صديقي علي شعيب.
في هذه المدينة التي تستلقي بكسل على خليج رائع الجمال، وكغيرها من سائر المدن الليبية لا تجد أماكن تعوضك حالة القلق والضيق التي تحاصرك جراء البعد عن الأسرة وجراء وجودك في مؤسسة تعاملك كجسم غريب يجب أن تتخلص منه.. في هذه المدينة لا خدمات سياحية ولا مكتبات عامة حقيقية و لا مكتبات خاصة، ولا دور سينما ولا مسرح يمكن ان تغير من خلالها وقع حياتك الرتيب ، بل حتى الكورنيش لم تستكمل عملية تجهيزه بسبب انتفاضة 17 فبراير التي يبدو أنها تحولت إلى حالة مرضية يستعص علاجها، وليس لي أمام هكذا وضع سوى مكانين لشغل الفراغ وكسر الرتابة كنت انتظر فتح أبوابهما لاستقبال المشردين مثلي بشغف مصطنع ، هما المسجد حيث نؤدي الصلاة في جماعة وأتلو ما تيسر من القرآن الكريم، أو المكتبة العامة الوحيدة والتي أجدها في بعض الأوقات مقفلة لانشغال الموظف المسكين الذي يحاول المواظبة والحضور، بملاحقة مصالحه في ظل الفوضى العارمة التي تعم البلاد ، أما فترة ما بعد الظهيرة فهي مقفلة على طول !!
وكم كنت ألوم نفسي وأتساءل عن سبب وجودي هنا في هذا الوضع غير اللائق بشخص في سنِّي، وكم كنت أشعر بالسخط والإحباط عندما أجد المكتبة ملجئي الوحيد في هذه المدينة مقفلة، فأضطر للاحتماء بحيطان المباني أو شرفات بعض المحلات من البرد والمطر، أو أضطر للجلوس في مقهى ضيق بالكاد يسع لخمسة زبائن، سرعان ما اضطر لمغادرته، أو الجلوس على مقاعد ميدان الجامع الرخامية الباردة عندما يكون الجو دافئ أشغل نفسي بمراقبة أسراب الحمام التي تلتقط حبوب القمح التي ينثرها لها بعض المارة في انتظار أن يفتح المسجد أبوابه لاستقبال المصلين.. وكان عزائي الوحيد هو انتظار انفراج الوضع وتصحيح مسار هذا المجلس الذي دخل مرحلة الموت السريري كما يبدو..
وأنا أكابد حالة الفراغ القاتل وأعد الزمن بالدقائق في انتظار موعد خروجي في إجازة لزيارة أسرتي وربما اتخاذ قرار نهائي بعدم الرجوع، يفاجئني زميل لي يتميز بدماثة أخلاقه ورقي طموحه، بطلب شغل مكانه في الإدارة لأنه ذاهب في دورة تدريبية قصيرة ينظمها و يمولها الاتحاد الأوروبي للإعلاميين الليبيين في تونس، فلم استطع رد طلبه، وقبلت على مضض المهمة و أوصيته إذا وجد أي شخص بديل أن يعفيني من هذه المهمة ، وهو ما لم يفكر فيه كما يبدو، فغادر إلى تونس ، فيما زاد ثقل الأيام على كاهلي ، وأصبحت أعاني من الضجر والقلق .
يوم الجمعة 20 فبراير استيقظت متأخرا وكان الخبر الصادم الذي شاهدته على شاشة التلفزيون حول التفجيرات الإرهابية التي أزهقت أرواح بريئة في مدينة القبة (40 كلم غربي مدينة درنة ) باعثا لمزيد من القلق في نفسي، وأعاد إلى ذاكرتي مشهدا مروعا عشته في تفجير فندق دار السلام الذي كان يحتضن مجلس النواب، والذي خرجنا منه أحياء بفضل الله، فكرت بأن المجلس يجب أن يصدر بيان قوي يدين فيه هذه المذبحة التي أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عليها، ويدعو المواطنين إلى عدم الانجرار وراء الدعايات المتلاعبة بالعقول ومراقبة أبنائهم والحيلولة دون وقوعهم في فخاخ الدعاية التي تبثها التنظيمات الإرهابية عبر شبكة المعلومات الدولية. صغت خبر يتضمن بيان افتراضي للمجلس يدين التفجير ويؤكد على الاستمرار في معركة اجتثاث الإرهاب وأرسلته إلى المتحدث باسم المجلس على موقعه على شبكة المعلومات الدولية واقترحت عليه ان يصدر بيان يتضمن النقاط الواردة بالخبر، وطلبت منه في حالة إصدار البيان ان يرسل لي نسخة منه لنشره على موقع المجلس على شبكة المعلومات. لكن يبدو أنه لم يدخل إلى الشبكة ولم يرد على رسالتي. ظهيرة ذلك اليوم زارني زميل مصور يعمل معنا واستفسر بخصوص موقف المجلس من التفجير، وأبدى استعداده للذهاب إلى مقر المجلس والعمل على تغطية أي موقف للنواب بالخصوص، شكرته على المبادرة وطلبت منه إبلاغي بأي جديد في الخصوص. بقيت أراقب الموقف عبر التلفزيون، وفجأة شاهدت ثلة من النواب يقفون واحدهم يلقي بيان يدين الجريمة ويؤكد على مواصلة الحرب ضد الإرهاب.. بقدر ما ارتحت للبيان، صدمت للتجاهل الذي لا زال النواب وديوانهم يعاملوننا به ، ويصرون على تهميشنا كإعلاميين ومعاملتنا كأننا وسيلة إعلام مناوئة لهم، لم يحضر من إدارة الإعلام -التي يفترض فيها أن تكون في مقدمة الموجودين ساعة إلقاء البيان- أي شخص سوى ذلك الشاب المصور الذي قادته الصدفة للمكان!!
وهكذا تأكد لدي أن واقع المجلس وديوانه غير المدركين أو المتجاهلين لدور الإعلام في إظهار نشاط المجلس للوجود و وضعه في ذاكرة المشاهد ، هذا الواقع المؤسف أحبط كل الآمال التي كان يرسمها العقل والتي كانت تشد أزري في مواجهة العواطف الجياشة لأسرتي، وكان الانهيار النهائي ، وأخذت قرارا عشية ذلك اليوم لا رجعة فيه بمغادرة المدينة والعودة لأسرتي التي هي أحق بي من هذا المجلس التائه بين تجاذبات مراكز القوة المتمكنة في أركانه اللاهثة وراء المكاسب المادية و وهم الهيمنة والسيطرة الذي لم يغادر عقولهم رغم ما شهدته ليبيا من مآس كان لهذه الأوهام دور محوريا في حدوثها.. حزمت حقيبتي صباح اليوم التالي وتوجهت -بعد ان ودعت أصدقائي الذين قابلوني في الديوان وأنا اسلم استقالتي إلى إدارة الديوان متمنيا لهم حضا سعيدا، إلى المطار بمساعدة صديق غمرني بكرمه وجوده اصطحبني إلى المطار بعد ان حجز لي مقعدا على الطائرة المتوجهة إلى طرابلس.. وهكذا غادرت طبرق بعد محاولات فاشلة لإنقاذ هذا الجسم الذي اخترناه بحرية مطلقة لإدارة البلاد تشريعيا وهو يغرق في وحل خلافات تافهة ، غادرت المدينة وهواجسي تحدثني بان هذه الفرصة الثمينة والنادرة التي تعيش وقائعها ليبيا من أجل إقامة الدولة المدنية دولة القانون والحريات ، تتبدد وتهدر على مذبح صراعات عبثية لمراكز قوة وأشخاص لم يتخلصوا من أنانيتهم وأوهام السيطرة والغنيمة والغلبة التي تعشعش في أدمغتهم..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب


.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في