الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أعطاب -أمريكا-في مرآة بوكوفسكي

عبدالله مهتدي

2015 / 3 / 6
الادب والفن


أعطاب "أمريكا" في مرآة بوكوفسكي

"عندما تتوقف النساء عن حمل
المرايا معهن
أينما ذهبن
ربما حينها
يمكنهن أن يحدثنني
عن
التحرر "
بوكوفسكي
بوكوفسكي شاعر متوتر وقلق،يثيرني كثيرا هذيانه المارق ونزقه،بائس وحزين،أمطر "الحضارة الأمريكية" برصاص إبداعه اللاذع،وتعامل مع الشعر كطريقة عيش.
بوكوفسكي تأتيه القصيدة كعاشقة تفتح ذراعيها لعاشق لا يكتفي،تأتيه القصيدة ولا يأتيها محملة بالأسى واليتم،لتصبح الكلمات في شعره متوهجة حارقة.
هو هكذا،شاعر يحب ويكره في آن،يعيش عشقه بعنف باذخ،يكتب في المساحات الضيقة،والزوايا المعتمة،ليحول يتمه العاري إلى نص يحتفي بالمهمش والهامش.
الشعر بالنسبة لبوكوفسكي ليس طريقة في الكتابة والبوح،انه فن في العيش،تمرد على مجتمع الوفرة،وعلى دين الاستهلاك الجديد،في سوق تأكل أخضر سباياها ويابسهم.وتنشر اليباس في الأرض.
يكتب بوكوفسكي عن العفونة،والرداءة،والضحالة،والخواء الانساني،والسقوط،واليأس،والخسران،والرتابة،والتيه،والقلق،والتسكع،والمجون.......،لم يكن القلق والتمزق نمط حياة بوكوفسكي،كان أيضا نمطا في الكتابة،قصة قصيرة ،أو رواية ،أو شعرا،كتابة تنتصر لبؤسها العاري.فبوكوفسكي،عاش هامشه في الكتابة كما في الحياة،مارس احتجاجه بالاثنين،وفي الاثنين،في واقع تنكر لبوكوفسكي الكاتب،كما تنكر المجتمع لبوكوفسكي الانسان.
يكتب تشارلز بوكوفسكي في قصيدة"الحب كلب من جهنم"
"أرجل جد متعبة
روح لولبية
أياد تنثر السكر فوق الفراولة
عيون مثل أصداف سروال قصير
أفضل النبيذ الأحمر
أنا صلب مرمري وقت الزلزال
أنام أثناء مراسيم الدفن
أتقيأ أثناء الاستعراضات
وأنا دائما الضحية في لعبة الشطرنج
في لعبة المغفل والحياة
أشم رائحة البول في الكنائس
لم أعد أعرف القراءة
لم أعد أعرف النوم"
ولعل هذا المقطع الشعري ليعكس بعضا من المزاج الحاد والشقي لشاعر خبر العزلة والصمت والتيه،فكان طائرا يغرد خارج السرب،حتى وهو يتحدث عن الحب،كما في رواية"نساء"،
"كنت سعيدا أنني لا أحب،وأنني لست سعيدا من العالم.أحب أن أكون على خلاف مع كل شيء،الناس الذين يحبون يصبحون عصبيين،يفقدون حس الادراك لديهم،يفقدون مرحهم،يصبحون غاضبين،مملين،بصبحون قتلة."
أيقلب بوكوفسكي المعنى؟أم يعطي معنى آخر للحب؟
أليس الحب في حقيقته لا شيء،ان لم يكن نشيدا ضاجا بالقلق،سفرا جريحا نحو الآخر المختلف والمغاير،اندفاعا مثقلا بالهوس والتيه؟
لايقول بوكوفسكي ما قاله عن الحب جهلا بهذا المارد الذي يغرد داخل الروح،لأنه لم يغرف من حوضه الناري،أو لم يتنفس ريحه التي تعبث بالحواس،يكفي أنه تعرض لصدمة نفسية عميقة حين غيب الموت حبه الأول،جين بيكر كوني،حيث نعاها في قصائد وقصص كثيرة.
قصته مع الكتابة،تبدأ من قطعة انشاء في سن العاشرة،عن زيارةا لرئيس الأمريكي للمدينة التي كان يسكنها آنذاك،لم يسعفه سوى خياله الابداعي في وصف ماحدث ،بعد أن حال أبوه دون أن يكون شاهدا مباشرا،هكذا صيغ قدر كاتب عانى من عنف الأب ،ومن العزلة الطويلة،والمنفى الداخلي،وقساوة الاغتراب.
بوكوفسكي ،كاتب أمريكي من أم المانية، (1920-1994)،قضى أعوامه الطويلة في التيه،النوم على كراسي الحدائق،التسكع في الطرقات،الريح أنيسه،وسلواه الوحدة والخمر،ومسكنه جسد مليء بالتقرحات،وروح محتجة،شره في معاقرة الخمرة،ومضاجعة النساء، في مفاصل مهمة من حياته،كان دائما يختار الكتابة والفقر،على العمل والجنون.
يكتب بوكوفسكي القصة والرواية والشعر غارفا من قاموس اليتم،كتيمة أساسية،يستعير عالم الحضيض الذي شرب منه وارتوى،يكتب ليبحث عن عالم للاختباء من خرائط مثقلة بالدسائس والنفاق،يكتب بحقد عذب وفاتن وجميل،ليعطي للكتابة ملحها.كان سكيرا بارعا في تسكعه وعربدته،وعزلته،صالحته الخمرة مع نفسه،مثلما صالحته الكتابة مع ذاته،فكان ثملا في الحياة،وثملا في الكتابة.
كان زواجه عابرا من الشاعرة باربارا فراي،ليعود الى الشعر والسكر والتسكع،توفي عن سن الثالثة والسبعين،بعد أن أنهى رواية "اللب"،من أعماله الشعرية /
-الاحتراق في الماء،الغرق في اللهيب
-الحب كلب من الجحيم
-سيقان،أرداف وما خلفها
-حرب طوال الوقت
-الليلة الأخيرة للأرض.
.....................................................








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أعمال لكبار الأدباء العالميين.. هذه الروايات اتهم يوسف زيدان


.. الممثلة الأسترالية كيت بلانشيت في مهرجان -كان- بفستان بـ-ألو




.. مهرجان كان 2024 : لقاء مع تالين أبو حنّا، الشخصية الرئيسية ف


.. مهرجان كان السينمائي: تصفيق حار لفيلم -المتدرب- الذي يتناول




.. إخلاء سبيل الفنان المصري عباس أبو الحسن بكفالة مالية بعد دهس