الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشهداء متساوون في الحقوق والخلود في ضمير العراق

لميس كاظم

2005 / 9 / 19
حقوق الانسان


بعد فاجعة جسر الائمة تبرع رئيس الحكومة المنتخبة برواتبه أعتبارا من الشهر الحالى و لغاية الدورة الأنتخابية القادمة، تكريما لشهداء فاجعة جسر الائمة، ثم تبعه بعض الوزراء ووكلائهم وقادة الأحزاب. ولم ينتهي الامر عند هذا الحد بل بادر العراقيون الأشراف الى التبرع بمبالغ ما ملكة ايديهم وجيوبهم الفقيرة . كما خصصت مقابر خاصة للشهداء وستمنح عوائلهم أراضي وغيرها من الأميتازات التي تعبر عن ألتفاته طيبة تضامنية من الحكومة والأحزاب وعامة الشعب تكريما لهم. إنها مبادرة جليلة تستحق الثناء والتقدير لكل من بادر.

جائت هذه الصحوة الحكومية لشهداء جسر الائمة بأعتبارها من اكبر الكوراث الوطنية التي خلفها الأرهاب. لكن بالمقابل هناك عشرات بل مئات من حالات الشهادة التي فتكت بعشرات الألاف من المواطنين العراقيين الأبرياء والتي سُبيت على أثرها عوائل وتيتمت أطفال وترملت الألاف النساء. لقد وقع عليهم نفس الحيف والظلم الذي وقع على شهداء جسر الائمة. فما هو وجه الأختلاف بين الشهداء الأبرياء؟ يفترض من الحكومة الحالية أن تكون عادلة ومنصفة مع كل مشاهد الموت الجماعي الذي تعرض ويتعرض له الشعب العراقي وأن تحذوا بنفس الخطوات مع كل شهداء الارهاب في العراق وبنفس القدرالمادي والمعنوي. فلن يختلف شهداء كربلاء والنجف والحلة والموصل وسامراء وبغداد والبصرة واربيل وغيرها من المدن والأقضية العراقية عن شهداء فاجعة جسر الائمة.

إن موضوع تكريم الشهداء، للأسف الشديد، تعاملت حكومة د. الجعفري بنفس المفاضلة والمحاصصة السياسية التي تنتهجها الحكومة منذ وصولها الى سدة الحكم. فقد كان الخطاب الاول لرئيس الوزراء متحيز في ذكر الشهيدات من بنات حزبه وطائفته دون المرور على كل الشهيدات والشهداء من بقية مكونات المشهد السياسي العراقي وتطورت المفاضلة الى أن تثبت حقوق شهداء لحالات محددة دون غيرها، بدرجات أفضل من بقية الشهداء الذين سقطوا في المجازر التي تعرضت لها عموم الحركة الوطنية والشعب العراقي. اني إذ أناقش هذا الموضوع، ليس للتقليل من قيمة الشهداء المكرمين، بالعكس تماما، فهؤلاء الشهداء يستحقون كل التقدير والاحترام. وكل مايقدم لهم، هو اقل ما يستحقون، قياسا بتضحياتهم الجليلية وسيبقون شموع تضيئ تأريخ العراق السياسي. أنا متفق تماما مع كل هذا التثمين لهم. لكن على الحكومة أن تنصف الشهداء الاخرين ايضا بنفس المساحة والرعاية وأن تتعامل معهم بما يرضي الله والوطن والتأريخ. لقد نصفتهم الحكومة في حقهم المادي والتعويضي لكن اهدرت حقهم في التكريم المعنوي والوطني وهما اغلى بكثير من التعويض المادي. لقد حاولت الحكومة تجاوز تخليدهم في ذاكرة الوطن أو حتى التنويه عنهم في خطاباتها الرسمية وهذا ما لايقبله الدستور والأعراف السماوية والدنوية. فالتأريخ العادل والديمقراطي للشعب العراقي لن يكتب بنفس الحيف السابق الذي حاول النظام البائد تشويهه وكما يشاء البعض. وإنما يكتب التأريخ بواقعيته وأحداثة والزاخرة والسيئة والمجيدة والرذيلة وستحفر حروف تأريخ العراق بدماء شهدائه الأبرار، بغض النظر عن انتمائهم السياسي، فكلهم قارعو الظلم والأحتلال والطغاة واسترخصوا حياتهم فداء للوطن وبالوقت نفسه ستمتلى مزبلة التأريخ العراقي بأسماء الأوغاد المجرمين والقتلة والخونة التي ستتأكل حروف اسمائهم وتعط رائحة سلوكهم النتن على مر السنين.

لقد تسابق هؤلاء الشهداء الشجعان مع شهداء الشعوب الطامحة للحرية وأستطاعوا أن تثبتوا أسمائهم في ضمير الشعب العراقي وساهموا وبجدارة في رفع رصيد العراق الى منصة البلدان التي تمتلك أحتياطي متميز لقوائم من الشهداء في العالم. فصفحات كل الشهداء زاخرة بالتضحيات وسيتغنى بها أجيال العراقيين الذين سيعيشون في كنف المجتمع الديمقراطي.

أنا ألتمس من الحكومة أن لا تكرر الخطأ السابق وأن تتعامل مع كل شهداء الأرهاب بنفس المقاييس الأنسانية والمعنوية والمادية. ففي الوقت الحاضر سيكتب دستور العراق الدائم وقد خطت حروفة بدماء كل العراقيين المهدورة ضد الاحتلال والدكتاتورية والأرهاب ومن أجل الديمقراطية. ففاجعة جسر الائمة لم تجف دمائها بعد وبالامس شهدنا أنفجار احد عشرة سيارة في بغداد وضواحيها قُدر عدد الشهداء، لغاية اليوم، أكثر من 150 شهيد وأضعافهم من الجرحى وسيتصاعد عدد القتلى في الايام القريبة. لقد كان أغلب شهداء ساحة العروبة في الكاظمية، هم من الكادحين والكسبة والفقراء، الذين خرجوا صباحا ليسترزقوا قوتهم ويعودوا بالخبز الساخن ليسكتوا أفواه أطفالهم الجياع لكنهم حُطبوا كوقود لتنور الأرهاب السياسي ولم يرجعوا الى بيوتهم بل كانوا هم الرزق الحرام والدنيئ لقتلة الشعب العراقي.
هؤلاء الشهداء خرجوا من بيوتهم صباحا في مشروع بحث عن العمل لكنهم تحولوا الى مشروع شهادة وموت وعرجت ارواحهم الى السماء استغاثة للبحث عن مخرج لمشاكل بلدهم واطفالهم وعوائلهم بعد ان عجز حكام أرض العراق أن يجدوا لهم لقمة عيش شريفة وطاهرة.

لقد ظلم هؤلاء الشهداء، الفقراء، في حياتهم وفي خلودهم. ففي عهد الصنم كان الحيف والقهر والذل مسلط عليهم بكل اشكاله. وفي عهد الديمقراطية تنفسوا الصعداء وتوقعوا ان حكومتهم المنتخبة ستوفر لهم العمل والضمان الاجتماعي والرفاهية في المستقبل لكن زهقت أرواحهم غدرا وخستا بدون أدنى جرم أقترفوه ولم توفر لهم حكومتهم توابيت وثلاجات تحفظ بها اشلاء جثثهم الطاهرة بل أختلطت أعضاء جسدهم مع بعضها ونقلوا بعربات خشبية وسيارت حمل لم تتوفر فيها ادنى مستلزمات أحترام للحظات الخلود.

فكيف ستتعامل الحكومة الوطنية مع هؤلاء الشهداء وقائمة طوابير الموت، بدل العمل، تنتظر الألأف من العراقيين. هل ستتبرع الحكومة برواتبها للفترة مابعد الانتخابات أم ستكتفي بالقانون التعويض القديم. فالشهداء لايطلبون بغير حقهم الذي فقد في الحياة لكن على الحكومة أن تكفر عن ذنبها وتنصفهم في الخلود.

وقد يحق لنا أن نسأل ماهو الفرق بين شهداء؟ هل سيكرم شهداء المشهد الطائفي والقومي على شهداء المشهد السياسي؟

نحن نشهد اليوم تكرار نفس الموضوع لكن بصيغة مختلفة، إذ يكرم شهداء بمفاضلة سياسية وحزبية واضحة على حساب شهداء أخرين سقطوا بسبب الأرهاب نفسه. لقد سلمنا بأن حكومتنا الديمقراطبية تحاول أن تقفز على دور الاحزاب الوطنية في تأريخ العراق السياسي، والتي ناضلت معها في خندق واحد ضد الصنم، لكن لايجوز الغاء الشهداء والتفضيل فيما بينهم ، سواء أن كانوا من عامة الناس، أم من الحركة الوطنية العراقية. فبعد سقوط الصنم، سقطت كواكب وطنية وعلمية وثقافية وأناس أبرياء، ضحية للارهاب السياسي والتكفيري لكنهم لم يحضو بنفس الرعاية المعنوية التي حضي بها شهداء جسر الائمة الابرار. ترى مالسبب في ذلك؟ هذا السؤال أتركه لضمير حكومتنا الوطنية أن تجيب عليه.

الشهداء العراقيون متساوون في حقوقهم التعويضية والمعنوية والوطنية والقانونية هذا ما يجب ان يضمنه الدستور العراقي الجديد وعلى الدولة أن ترعى ذويهم بعدالة أنسانية ووطنية. لقد أستشهدوا نتيجة ضعف أجهزة الحكومة الأمنية والعسكرية مما يتطلب من الحكومة الحالية ان تعوضهم بكامل الحقوق المادية والمعنوية لتريح ضميرها الذي لم يقوى على حمايتهم من الموت. فلو كنا نمتلك دستور دائم وسلطات قضائية وتشريعية مستقلة لتقدم الكثير من الحقوقيين الوطنيين وذوي الشهداء الى لمدعي العام، بدعاوي ضد كل المسؤلين، الذين اهملوا وقصروا في حفظ أمن وسلامة المواطن، يطالبون بأحالة هؤلاء المقصرين، من اعلى الهرم الحكومة حتي أدناه، الى المحاكم القضائية بتهمة عدم الكفائة وهدر أرواح الناس.

أننا في هذا العالم الصغير، نرى أن وزارات أوربية تسقط ويحال الى القضاء أكبر رجالات الدولة بسبب فضائح، أو حوادث أدت الى مقتل أشخاص معدودين. لكن ما يجري في العراق قد فاق العجب وصمت العرب، إذ سقط مئات القتلى والجرحى ولن تسقط أية وزارة أو يحاسب أي مسؤل. بل تطلب الحكومة من الشعب أن يتحلى بالصبر لكن الحكومة لاتتحلى بالشجاعة وتعترف بأخفاقها عن كل ما يجري في البلد من خراب ودمار وسفك دماء.
أني اناشد ضمير كل من هو ينعم في الكراسي الحكومية الوفيرة واقول لهم.
أنصفوا شهداء العراق الابرار، ضحايا الأرهاب السياسي، الذين سقطوا نتيجة الانفلات الأمني.
كونوا عادلين في ضمان حقوق الشهداء المادية والمعنوية والوطنية وخلدوهم في مقبرة واحدة تليق بهم.

كم مرة نعزي أنفسنا بهذه المصائب التي حلت بشعب العراق. هؤلاء الذين سقطوا من مسيرة الديمقراطية خلستا وأخرين سقطوا تحت حراب المدافع والأكثرية التي غيبت في غياهب السجون.
عزائي لكل عوائل الشهداء الذين سقطوا بالأمس وكل من سقط وسيقط بعد اليوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. We continue to call on all sides of the conflict in Sudan to


.. مسؤولة في الأونروا تصور مشاهد الدمار في غزة جراء العدوان الإ




.. أهم النصائح لحماية الأطفال من خطر الرهاب الاجتماعي


.. معاناة السوريين بين نار العنصرية في لبنان وجحيم الحرب في ب




.. نافذة إنسانية.. تحذيرات من عودة المجاعة إلى شمال قطاع غزة