الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رغيف خبز - قصة قصيرة

خليل الشيخة
كاتب وقاص وناقد

(Kalil Chikha)

2015 / 3 / 7
الادب والفن


في أسفل الشارع تجمهر الناس حول مخبز الحي،كان الوقت مبكرا في الصباح وضجيجهم المرتفع يخترق نوافذ البيوت المجاورة.ولم يكن العاملون في المخبز أكثر من القادمين إليه،والذي زاد الطين بله أن المخبز في الحي المجاور كان معطلا بسبب نقص في الدقيق. مد صاحب المخبز (أبو درويش) رأسه للمرة الخمسين يتأكد من ضخامة الحشد وكأنه اعتاد على تلك الحشود وزفر ملوحا بيده" ليس عندي خبز لكل هؤلاء..لعن الله هذه المصلحة" ثم أدخل رأسه البيضوي يشغل نفسه بترتيب الأرغفة غير مكترث بالأصوات التي تناديه.وتعلو التعليقات من الزبائن"هذا الرجل بطيء جدا".وخرج صوت آخر يدل على انفعال صاحبه"يجب أن نقتحم الفرن"واستمرت الشتائم تكال للخباز وأعوانه. ومن فترة إلى أخرى ترى أفرادا جددا ينضمون إلى لائحة الزبائن وغالبا ما يسألون رجلا عجوزا يقف في آخر الطابور ويضع طاقية صوف على رأسه" هل المخبز معطل". ويجيب العجوز بسأم "لا أدري اسأل غيري" ووقفت على طرف النافذة فتاة في العشرين وعلقت في رقبتها سلسلة كتب عليها بالإنكليزية (Love) وارتدت قميصا أصفر وبجانبها بضع عجائز كتب عليهن أن يكن من المنتظرين.اقترب رجل من النافذة يدفع الناس من طريقه وقد ارتدى بذلة عسكرية وعلق بعض النجوم على كتفه، ثم نادى على الخباز. أسرع أبو درويش وأشار له أن يدخل من الباب الخلفي، ففعل. بعدها خرج مسرعا إلى سيارته الجيب ومعه أطباق من الخبز. في تلك اللحظة ، تحولت الأنظار جميعها إلى الضابط المظفر مندهشة من تصرف الفران . وأخذ الجمع يتموج ككتلة هلامية ثم ارتفع صوت عالٍ يندد بالخباز، وأردف آخر غاضباً "هذا ابن الحرام يعطي الخبز لمن يشاء وكأننا لسنا بشرا". أخذ الطابور يميل للعنف وكثرت الشتائم على الخباز صاحب الرأس البيضوي. رفعت العجوز التي تقف قرب الفتاة ذات القميص الأصفر رأسها متسائلة "يتشاجرون على الخبز.. الله لا يشبعهم..كل هذه المشاكل سببه الفساد الذي نحن فيه" وتوقفت لحظة وشدت شالها الأبيض الموضوع على رأسها ثم استأنفت وهي تدفع الناس من حولها ابتعد عني يا ولد فقد اختنقت". وفي آخر الطابور جلس ولدان القرفصاء يهمسان لبعضهما و يقهقهان، تناول أحدهما حجراً ورماها على نافذة المخبز الزجاجية فخرج صوت ارتعد له صاحب الفرن، ثم لملم ذاته وهرول باتجاه النافذة يهز أصبعه " من هذا ابن الكلب الذي كسر زجاج النافذة". فر الولدان هاربين تاركين وراءهما زمجرة الفران وقهقهة الزبائن. وفجأة صرخت الفتاة صاحبة القميص الأصفر مذعورة مما أصابها. فقد امتدت إليها يد بخفة وعبثت في مؤخرتها. وقعت عيناها على الشاب الذي خلفها، وكان يرتدي بذلة زرقاء مليئة بالشحوم والزيوت وبشكل عفوي صفعته بيدها على وجهه وأخذت تصرخ بلهجة باكية "يا قليل الأدب..كيف تتجرأ وتمد يدك إلي". وشدت العجوز ذات الشال الأبيض يدها مواسية ثم نبرت مؤنبة الشاب المطلي بالشحوم " على اهلك أن يربوك ياسافل" .
لكن وقف الآخر أمامهم كالأهبل بوجهه الملطخ بالزيت لايعرف ما يقول، وتمتم بعصبية "لماذا تصفعيني.. أنا لم أفعل شيئاً لك يا مجنونة". و صمت لهنيهة و أردف" أحد غيري قد تحرش بك". إلا أن الفتاة لم تسمع أقواله، بل مضت تشهق تاركة وراءها أنظار الطابور. فمنهم من تعاطف معها ومنهم من ارتسمت على محياه شهوات فاسدة. وعلق العجوز الذي يقف بعيداً" شباب جاهلين..لا حول و لا قوة إلا بالله". ولم تمض دقائق حتى رجعت الفتاة ومعها أخوها بشاربيه العريضين، أسرعا نحو الطابور وكان يضع على جنبه مسدساً حكومياً، ارتفعت أصوات تأمر ذا الوجه الملطخ بالزيت أن يهرب و يسلم بريشه، لكنه تلعثم "لم أفعل أي شيء يا جماعة، لماذا الفرار". و تقدم أخو الفتاة بشاربه من الحشد ناظراً إلى أخته "أي ابن حرام الذي تحرش فيك". رفعت رأسها ثم شهقت بضع مرات و أشارت إلى صاحب البذلة الزرقاء الذي تناول صفعة منها من قبل. رفع صاحب الشارب يده بغضب وهو يلهث إلى المكان الذي يقف الشاب، ثم أمره أن يأتي مهددا بأنه سيكسّر حذاءه على رأسه وأخذت الشتائم تستفز كلا الاثنين، وفجأة اقترب العجوز صاحب الطاقية الذي كان يقف في نهاية الطابور وأمسك بيد صاحب الشارب يحاول تهدئته وإقناعه بأن الذي تحرش بأخته شاب آخر هرب، لكن الرجل دفعه من أمامه وهجم على المتهم يكيل له اللكمات ويشده من شعره محاولاً إحضاره إلى خارج الحشد، ولم تمض بضع دقائق من العراك حتى أوقع كلٌّ منهما الآخر على الأرض. فكان صاحب الشارب من الأسفل يهتز والآخر يمتطيه ويكيل الصفعات على وجهه، ثم اقتلع حذاءه وجعل يدق به رأس الرجل. دخل فجأة شاب بنظارة لم يكن مع الناس المنتظرين في المخبز وقد التحى بسكسوكة وحاول إيقاف الشجار بشد الشاب الممتطي. بعدها نهض الرجل صاحب الشارب وبسرعة فائقة تناول مسدسه وشرع يطلق النار في اتجاه الشاب صاحب البدلة الزرقاء بشكل عشوائي ، سقط أثرها ومعه بضعة أشخاص من الذين كانوا بقربه. أما الآخرون فقد تناثروا كل وراء جدار أو عمود يحمون أنفسهم من طلقات الموت . لم يفر صاحب الشارب ، بل وقف متحدياً ثم أمر الفران أن يتصل بالشرطة، وماهي إلا ربع ساعة حتى كانت سيارة الشرطة قرب الحادث. هبط شرطي قصير القامة مسرعاً إلى الأشخاص الذين يسبحون في الدم، وبدأ يجري تحرياته المعتادة. فرك العجوز ذو الطاقية عينيه بتوتر مرتبكاً وبضع قطرات من الدمع تجمدت في مقلتيه ثم نظر إلى صاحب السكسوكة " لقد أضحى الناس وحوشاً " . وانحنى الشاب الملتحي إلى الأرض والتقط رغيفاً كان قد سقط خلال الشجار والرصاص ممزقاُ إياه إلى فتات:
" هذا هو الذي يجمعنا ويفرقنا ، لكن أمنيتي أن يتحول هذا الرغيف إلى قنبلة تفجر كبار الرؤوس" .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أون سيت - هل يوجد جزء ثالث لـ مسلسل وبينا ميعاد؟..الفنان صبر


.. حكاية بكاء أحمد السبكي بعد نجاح ابنه كريم السبكي في فيلم #شق




.. خناقة الدخان.. مشهد حصري من فيلم #شقو ??


.. وفاة والدة الفنانة يسرا اللوزي وتشييع جثمانها من مسجد عمر مك




.. يا ترى فيلم #شقو هيتعمل منه جزء تاني؟ ??