الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جنرال مسلم لقيادة جيش تايلاند -البوذية-

عبدالله المدني

2005 / 9 / 19
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


الدول التي تحترم نفسها و تحرص على سمعتها بين الأمم المتحضرة لا تميز ضد أقلياتها ، وإنما تعامل مكونات شعبها على قدم المساواة لجهة الحقوق و الواجبات بما في ذلك شغل المناصب الرسمية الحساسة. و هذا ينطبق على تايلاند التي أصدر عاهلها الملك "بهيمبول أدولياديج" مؤخرا مرسوما بتعيين الجنرال "سونتي بونياراتغلين" قائدا عاما لجيوش البلاد خلفا لزميله "براويت وونغسوان" الذي بلغ سن التقاعد، ليكون بذلك أول عسكري مسلم يحتل هذا المنصب الرفيع و الحساس في تاريخ هذه المملكة التي لا يذكر المتشددون في العالم العربي اسمها إلا مصحوبا بكلمة "البوذية".

غير أن هذه الدولة "البوذية" التي لم تدس يوما على طرفهم و لم تقحم نفسها قط في مشاكلهم، مفضلة التفرغ للبناء و التنمية و اللحاق بركب الأمم الناهضة عرفت كيف تحرجهم بهذا القرار. فالقرار بلا شك يدحض مقولاتهم و مقولات أتباعهم من الكتاب و المعلقين عن ممارسة بانكوك للتمييز ضد مواطنيها من الأقلية المسلمة البالغ تعدادها ستة ملايين نسمة – من اصل 65.5 مليون تايلاندي – والتي يتركز جلها في أقاليم البلاد الجنوبية الثلاثة ( فطاني ، يالا ، ناراتيوات ). كما أن القرار يبرهن مجددا و كما كان الحال مع تعيين وزير خارجية مسلم قبل عدة سنوات على أن جميع التايلانديين وبغض النظر عن انتماءاتهم الدينية و العرقية يستطيعون أن يصلوا إلى أعلى المناصب إن اثبتوا الكفاءة و الجدارة المعطوفتين على الولاء للوطن و ليس للخارج.

ولعل الإحراج كان مضاعفا هذه المرة بسبب ترحيب الغالبية العظمى من مسلمي تايلاند بهذه الخطوة. فرئيس "جمعية نارتيوات الإسلامية" عبدالرحمن عبدالصمد مثلا عدها دليلا على أن تايلاند لا تمارس التمييز ضد مسلميها. ومختار حسين رئيس "المنظمة من اجل السلام في جنوب تايلاند" التي تقوم بجهود طيبة من اجل حماية المسلمين من أفكار التطرف و إيديولوجيات الصراع و الرفض و تعزيز اندماجهم في المجتمع التايلاندي و تضم المئات ممن شاركوا في تمرد السبعينات و الثمانينات من اجل إقامة وطن مستقل للمسلمين في جنوب البلاد ، أثنى على القرار ووصفه بالخطوة الجريئة الباعثة على الاطمئنان.

إنها فعلا خطوة جريئة خاصة و أنها لا تجيء في ظروف طبيعية و إنما في وقت يخوض فيه أكثر من 30 ألف عنصر من عناصر الأمن و الجيش في تايلاند عمليات عسكرية في جنوب البلاد لمواجهة الأعمال الإرهابية المدعومة من الخارج و التي يقوم بها حفنة من بقايا الانفصاليين القدامى و الجماعات المخدرة بأفكار تنظيم القاعدة و أحلامها الخرافية أو بأفكار قوى الإسلام السياسي المتشددة في اندونيسيا و ماليزيا. فهل سمعتم قبلا أن دولة ما منحت قيادة جيشها لشخصية تنتمي عرقيا و دينيا لمن يشاغبونها و يرفعون السلاح في وجهها؟

هذه الجزئية تحديدا أثارت تعليقات الكثير من المراقبين. إذ رأى بعضهم في هذا التعيين محاولة من بانكوك لاستمالة مواطنيها المسلمين و تهدئة خواطرهم و إعادة بناء جسور الثقة معهم بعدما تعرض الكثيرون منهم لخسائر بشرية و مادية و نفسية جراء حملة الاعتقالات و الاستخدام المفرط للقوة من قبل الجيش كرد فعل على استهداف المتشددين المسلمين لمراكز الشرطة والمباني الحكومية ووسائل المواصلات و المعابد البوذية منذ فبراير 2004. و الجدير بالذكر أن حالة الاحتقان و أعمال العنف في جنوب البلاد و التي سقط بسببها حتى الآن نحو 900 قتيل، بلغت ذروتها في أكتوبر الماضي حينما أدى تكديس الجيش لبعض المعتقلين المسلمين في ناقلات ضيقة إلى وفاة 78 شخصا اختناقا. فعلى اثر هذه الحادثة تراجعت ثقة المسلمين في الجيش كثيرا وتعرض الأخير لانتقادات حادة في الداخل والخارج من قبل جماعات حقوق الإنسان، الأمر الذي اضطرت معه بانكوك إلى فتح تحقيق مستقل في الموضوع و محاسبة القائد العسكري المسئول عن الأقاليم الجنوبية العقيد "بيسارن واتاناوونغ كيري" بنقله إلى موقع آخر أدنى ( وان لم يستثن من قرارات ترفيع الرتب مؤخرا) .

غير أن رئيس الحكومة تاكسين شيناواترا يرفض تحليلات المراقبين هذه، و يؤكد أن قرار تعيين الجنرال سونتي لم يكن وراءه سوى أن الرجل مؤهل و كفؤ و يملك مؤهلات علمية عالية و خبرات ميدانية مشهودة و بالتالي يستحق المنصب عن جدارة، فضلا عن أن التعيين جاء ضمن حركة التنقلات الروتينية التي شملت قادة عسكريين آخرين.

وما قاله شيناوترا عن قائد الجيش الجديد الذي سيستلم منصبه ابتداء من أكتوبر القادم صحيح. فالرجل المنحدر من أواسط البلاد هو خريج أكاديمية "تشولاتشومكلاو" الملكية العسكرية الراقية و قاتل في الحرب الفيتنامية ضمن القوات الحليفة و خدم في قوات المشاة الملكية قبل أن يتولى قيادة قوات النخبة الخاصة فمنصب مساعد قائد الجيش.

وسواء أكان تعيينه في المنصب الجديد محاولة لكسب قلوب و عقول الأقلية المسلمة أو كان بسبب أفضليته، فان المتوقع هو أن تكون للحدث نتائج ايجابية لا سيما وان الرجل – طبقا لتصريحاته لوسائل الإعلام- سوف يعمد إلى انتهاج أساليب جديدة في التعامل مع حالة الاحتقان في الأقاليم الجنوبية و لن يحصر عمل قواته في مقابلة العنف بعنف مضاد. هذا ناهيك عن أن خلفيته الثقافية كمسلم يتيح له محاورة مواطنيه المسلمين بطريقة أفضل، كما و أن خبرته العملية كقائد سابق لفرق النخبة الخاصة المعروف عنها إجادتها للتأثير النفسي على الخصم ربما تساعده في تحقيق نتائج ايجابية.

إذ يرى الجنرال سونتي أن أكثر من 90 بالمئة من مسلمي البلاد مواطنون مسالمون و غير منخرطين في أعمال التمرد ضد الدولة و متمسكون بهويتهم الوطنية، لكنهم ينظرون إلى الجيش والحكومة بعين الريبة كنتيجة للشحن والتحريض و الدعايات المضللة. ومن هنا كان وعده بأن يحول الجيش التايلاندي إلى مؤسسة محبوبة و موثوقة بها و منفتحة على الجميع. ومما قاله في هذا السياق أن قواته دربت أصلا لخوض الحروب ضد الجيوش الأجنبية أو مقاومة الميليشيات الشيوعية في الأدغال أثناء حقبة الحرب الباردة و بالتالي فهي لا تجيد التصرف السليم مع ما يواجهه الوطن حاليا من تحديات تختلف في نوعها و أساليبها و أهدافها عن تحديات الماضي، وذلك في إشارة إلى الأعمال الإرهابية التي ينفذها مدنيون متشددون ضد أهداف مدنية انطلاقا من إيديولوجيات دينية متعصبة.

مشكلة سونتي الوحيدة ربما كانت في سنه. فهو في بداية التاسعة و الخمسين مما يعني أن بقاءه في منصبه لن يزيد عن عامين طبقا لقانون الخدمة العسكرية الصادر في عام 1954 و الذي يحال بموجبه ضباط الجيش إجباريا للتقاعد مع إكمالهم العقد السادس من أعمارهم. غير أن العديد من المراقبين يرون أن فترة العامين كافية لتحقيق أشياء كثيرة أو على الأقل لبذر غرسة جديدة في المؤسسة العسكرية التايلاندية التي لعبت أدوارا هامة في الحياة السياسية قبل أن يحجم نفوذها في الثمانينات من القرن الماضي لصالح القوى المدنية الديمقراطية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية في بريطانيا.. هل باتت أيام ريشي سوناك م


.. نحو ذكاء اصطناعي من نوع جديد؟ باحثون صينيون يبتكرون روبوت بج




.. رياضيو تونس.. تركيز وتدريب وتوتر استعدادا لألعاب باريس الأول


.. حزب الله: حرب الجنوب تنتهي مع إعلان وقف تام لإطلاق النار في




.. كيف جرت عملية اغتيال القائد في حزب الله اللبناني؟