الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خواطر عابرة (5) قوة الفوضى..

محمد عبعوب

2015 / 3 / 8
الادب والفن


في طريقي لتسوية مشكل إداري يتعلق بمعاش أسرتي الذي حولته البيروقراطية والفوضى المقيتة في الإدارة الليبية المترهلة، الى سباق شاق ، خاصة لمن لا يملك سيارة، ركبت سيارة نقل عمومي تابعة للقطاع الخاص التي يقودها في الغالب شباب متهورون لا زالوا يعتقدون أنهم هم من أطاحوا القذافي وأنجزوا ما يعرف بثورة 17 فبراير!!.
بعد انتظار ممل بالمحطة للحصول على العدد الكامل من الركاب، قرر الشاب سائق السيارة وتحت ضغط الركاب الانطلاق في رحلته على أمل استكمال العدد الباقي من الطريق.. وفي واحدة من التقاطعات -التي تحولت في غياب شرطي مرور ملم وحازم و في ظل انعدام ثقافة احترام القوانين لدي السائقين، الى مختنقات مأزومة- حاول السائق مخاتلة دورية الشرطة المتواجدة بالتقاطع والتسلل بشكل مخالف، إلا أن أحد أفراد الدورية لاحقه وطلب منه أن يركن السيارة على جانب الطريق ويحضر وثائقها.. رد السائق عليه بأنه لم يرتكب أي خطأ يستوجب توقيفه.. رد الشرطي الملتحي والذي يتكلم من مشرب بندقيته الكلاشن ، بلغة حاسمة : "درِّس وجيب الأوراق ما تكثرش الكلام"!!.. علا صوت السائق أمام هكذا لغة متسلطة ، ورد بلهجة توحي بالثقة في النفس والقدرة على التحدي قائلا بلسان متمهل: "خيرك يا راجل، احنا كلنا ثوار.. كانك لابس بدلة شرطة تعرقلني، ما عنديش أوراق خليتهم في البيت"!!
هنا تدخل الركاب الواقعين تحت ضغط وقتهم الذي تبدده المواصلات الرديئة والفوضوية في طرابلس، مستجدين الشرطي بان يصفح عن أي خطا قد يكون ارتكبه السائق وأن لا يعطلهم عن مصالحهم.. وتدخل السائق من جديد نافيا ان يكون قد ارتكب أي خطأ يستوجب مخالفته.. رد الشرطي من مشرب بندقيته المشحونة بفرص قتل جاهزة قائلا : "أنا شفتك تحاول الاجتياز بطريقة خاطئة وتجاهلت الأمر، لكن شبحتلي شبحة (نظرت الي نظرة) فيها تحدي وهذه لن أفوتها لك.. جيب الأوراق أو نزل الركاب وبنحجز السيارة"!! على صوت الركاب مطالبين الشرطي الموتور بقوة الكلاشن و البذلة الرسمية الموسومة بعبارة "شرطة " ، بان يتجاوز عن هذا الخطأ ويترك السائق يكمل الرحلة لملاحقة مشاغلهم.. أصر الشرطي على موقفه ، وانظم إليه اثنان من زملائه.. أوقف السائق السيارة يمين الطريق، تكدس الركاب عند الباب بين المستجدي والساخط ، سيدة أربعينية حاولت أن تطيب خاطر هذا الشرطي وتفهمه أن دوره هو تسهيل حركة المرور وليس عرقلتها.. اندفع رجل ستيني من الركاب مستجديا الشرطي، الذي يبدو ان استجداء الركاب زاد من غروره، بان يتجاوز عن هذه المخالفة، وان يترك السائق يكمل المشوار ولا يضيع وقت الناس.. كل ذلك لم يفلح في إيقاظ الإنسان في هذا الشرطي، وزاد من تصلبه، وعلت أصوات الركاب بين المستنكر والمستجدي والساخط.. علت الجلبة والصياح.. حضر شرطي رابع أخذ بطاقة السائق وطلب منه الحضور إلى الدورية بعد أن ينجز رحلته.. اقنع الركاب السائق بالهدوء.. على صوت السيدة الأربعينية وقامت من مقعدها لمواجهة ثلة الشرطة متهمة إياهم بعرقلة مشاغل الناس والتخلي عن واجبهم الحقيقي كمسهلين لحركة المرور والعمل على عرقلتها.. واستمر السجال بين الدورية والركاب، وجلس السائق صامتا، فقد تولى الركاب مهمة الدفاع عنه.
بعد أن أفرغ الطرفان -الدورية والركاب- شحناتهم من تضخم الأنا لدى أفراد الدورية والشعور بالقهر لدى الركاب، اقفل السائق الباب وانطلق في رحلته.. تواصلت تبعات المعركة في السيارة بين الركاب المنقسمين إلى فريقين، فريق يلوم السائق على عدم احترامه للدورية، وفريق يلوم الشرطة على نزقها وتسلطها وعرقلتها لمصالح العباد.. مشاهد ومواقف تكشف مدى ما وصلنا له من ترد وتدهور وفوضى على مستوى التفكير ومستوى التعامل، سببه غياب دولة المؤسسات وأجهزة حازمة ومؤهلة لإنفاذ القوانين تمتلك كوادر بشرية متدربة وملمة بالقوانين وطرق التعامل مع الناس.. وهذا لن يتأتى في ظل حكم المليشيات والأحزاب المسلحة التي تدير طرابلس وتغرقها بالمشاكل منذ إطاحة النظام السابق وحتى اليوم..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في




.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد


.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي