الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أساس القدرة على التحرر و تقرير المصير

عماد صلاح الدين

2015 / 3 / 9
القضية الفلسطينية



أما مسألة التوقيف الإلهي للأنبياء والرسل؛ بإعدادهم لحمل أمانة الرسالة السماوية، وتحمل عقبات ولأواءات تبليغها للناس، على طريق الهداية، أو الاستشهاد والقتل دونها، أو حتى الرفع الإلهي السماوي المعجزي لأحدهم؛ فتلك مسألة، قد انتهت بانتهاء رسالة الرسائل، على يد النبي الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
وعلى رغم ذلك فان المسألة التوفيقية الاجتهادية، لم تغادر طبيعة الإنسان عند هؤلاء الأنبياء والرسل عليهم السلام .
غير أن الدوائر الإنسانية، عبر التاريخ في المجتمعات والأمم، في معظمها وبنص وروح الرسائل السماوية، وفي المقدم منها، وخاتمتها شريعة الإسلام ومعتقدها، تركت المجال مفتوحا بنسبية لا نهائية، إلى قيام الساعة، لمسألة الاجتهاد الفكري الإنساني، بدليل أن الآيات المشرعات والقطعيات المحكمات، في عموم التشريع والحدود والعقوبات، جاءت محدودة ومعدودة ومعروفة.
إنها مسألة التعامل مع القيم والأخلاق والمبادئ والمعتقدات، تعاملا إنسانيا ذاتيا أولا، ومن ثم اجتماعيا تفاعليا مع البيئة الواحدة، والبيئات الاجتماعية الإنسانية الأخرى ثانيا، وهو منطلق ذاتي أودعه الله فينا عقلا وروحا وذهنا، لأجل النمو والتطور والحراك والازدهار، ضمن سياقية الهدف الأعلى والغاية الأسمى، في تحقيق الرسالية الإنسانية؛ باعمار الأرض على هدى التوجيه الإلهي الأسمى .
لذلك، فان علماء الاجتماع، وفي مقدمهم العلامة ابن خلدون أشار بوضوح إلى أن الإنسان اجتماعي بطبعه، ويميل بذلك إلى الاجتماع الإنساني بالفطرة والخليقة والتكوين.
إن الذي ألحظه، ولحظه غيري، من البحاثة والمفكرين والكتاب، في المعارف الإنسانية الاجتماعية، ومن بينهم المرحوم المفكر عبد الوهاب المسيري، ومالك بن نبي؛ الفيلسوف والمفكر الإسلامي الجزائري، وأيضا المفكر العربي عزمي بشارة، ومحمد حسنين هيكل، وغيرهم عديدون، هو ذلك الميل الحاصل في المجتمعات العالمثالثية، وتحديدا في المجتمعات الإنسانية الشرق أوسطية (العالم العربي على وجه الخصوص)، وفي إفريقيا عموما وفلسطين؛ باعتبار المقال مخصص في الأساس، وحسب عنوانه، للتركيز على تهيئة الإنسان الفلسطيني، على صعيد إنسانيته، ومن ثم عطائه الاجتماعي، في غير مجال.
نجد هؤلاء المفكرين، يلحظون أن تلك المجتمعات، في بنيتها الضعيفة، في مجالات الفكر، وبالتالي النشاط الإنساني، في السياسة والاقتصاد والاجتماع والتكنولوجيا بعمومها وتعقيداتها، وفي الأساس والعمق في الحالة الثقافية والحضارية عموما، يغلب عليها أفكار مسلمية، تقع في سياقات من الحلولية والمؤامراتية والشكلانية الافراطية والتضخيمية، بحيث أنها تحيا بانتظار القادم والمخلص، كما في الأدبيات السنية المشوهة، بضرورة الانتظار حتى مجيء المهدي في آخر الزمان، أو كما تواصى وتواصل عليها الشيعة بمجيء الإمام المخلص. وهي أفكار مشابهة لما هو موجود في الأدبيات والتقديمات المسيحية، وعند الجماعات اليهودية المشيحانية.
والفرق بين المجتمعات العربية الإسلامية، بما فيها مجتمعنا الفلسطيني والمجتمعات الغربية، بما فيها ايضا اللحق الإسرائيلي؛ كتجمع ثان للجماعات اليهودية بعد الغرب، وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية، في سياق التعامل مع الديباجات الدينية الغيبانية، والأفكار الحلولية والمشيحانية، بل والوثنية على وجه الوضوح والتحديد، أن المجتمعات الغربية وقادة الحركة الصهيونية، قد استخدموا ولا يزالون يستخدمون، هذه الديباجات والأفكار الحلولية، والتوجهات المشيحانية الألفية البروتستانتية على وجه الخصوص، والمنطلق لأغراض سياسية واستعمارية كولونيالية، في سبيل تشكيل العقائد الأسطورية لمجتمعاتهم، وخلق الحالة التهويمية الإيمانية أو الاعتقادية في هذا المجال؛ في تبرير غزو المجتمعات الإنسانية الأخرى، والسيطرة على مقدراتها وثرواتها، لا بل والعمل على إبادتها وتطهيرها عرقيا ووجوديا إن لزم الأمر، ضمن مشهد ترحيلي ترانسفيري رهيب وغريب، كما حدث في الأمريكيتين، وبالتحديد مع الهنود الحمر الذين قتل منهم الرجل الأوروبي الأبيض أكثر من 120 مليونا، لتقوم الولايات المتحدة على أنقاضهم، وأكوام جثثهم، ومكوم حضارتهم المفنية، أو حالة النهب الاستعماري التي جرت لقارة استراليا، ومن ثم هذا التراكم الرأسمالي الامبريالي الغربي، الذي أراد اختزال المسافات التطورية والرفاهية، على حساب عموم الإنسانية في العالم، والذي قامت عليه الحضارة المادية الغربية المعاصرة والمعولمة، بحسب النسق الأمريكي الاستهلاكي العالمي الأخير، فيها اليوم.
لكن الملفت، في هذا الشأن، أن هذه المجتمعات وقادتها ورموزها الصناعية والعسكرية والتكنولوجية، وهي تستخدم هذه الديباجات والأفكار ضمن سياق منظومة علمانية شاملة، لا تقيم وزنا في ناحيتي الضمير والاعتقاد، أو الممارسة والسلوك للقيم الإنسانية والأخلاق، وما هو متجاوز إلهيا ودينيا، وتنظر للأشياء على أنها جميعا تقع على سطح مستو لا غير، ولا تمييز بينها مطلقا، لاشك من جديد أن هذه المجتمعات، وتلك المنظومة العلمانية الشاملة الملحدة، لديها نظم فكرية برامجية، تتخذ من التفكير العلمي والمؤسسات البحثية والعلمية، في الصحة والتعليم والثقافة والاجتماع والاقتصاد، طريقا وسبيلا للعمل قدر المستطاع، على تطوير البنى الإنسانية الفاعلة والمنتجة، التي تحكم تحركاتها وخطواتها، في غير صعيد مبادئ التفكير العلمي، وان كان ماديا مجردا، وأحاديا ينكر كل ثنائية، ودون أفق أخلاقي ثقافي مبادئي سام.
وفي المقابل، نجد المجتمعات العربية الإسلامية، وفلسطين والشعب الفلسطيني جزء لا يتجزأ منها، تعيش في كثير من نواحي حياتها، على الارتجالية والشخصانية، وفي حالة من غياب التفكير العلمي والمؤسسات الحكومية والمدنية الحقيقية والفاعلة، حتى إن كثيرا من أفراد مجتمعاتنا يعيش على أمل حلم رآه في منامه، ذات ليلة من ليالي نومه المعتاد. ولا شك أن هذا، وفي جزء منه كبير ومعتبر، له خلفياته المغذية والراجعة، إلى النسق الفكري الحاكم لهذه المجتمعات. وهو نسق الأفكار الانتظارية والحلولية؛ سواء في الأشياء أو في الإنسان، أو ما هو غيبي وغير علمي، ووثني مادي لا ديني في الأساس . طبعا هذا يعني في النهاية، حالة تواكلية، تصدر إنسانا عديم أو قليل الصحة البدنية والنفسية والعقلية المعرفية، وبالتالي الإنتاجية الإبداعية .
بمعنى آخر، إنها ديباجات وتبريرات التواكل والانتظار، دون عمل أو جهد فعال، في سياق الخاص والعام، في المنظومات الإنسانية الرسمية منها، والشعبية .
ولان التاريخ عموما، والتاريخ الإنساني خصوصا، الحاضر الأبرز فيه هو النسقيات المادية الملموسة، بشهادة الحواس الخمس، مع أننا كموحدين لله نسير على هدى الرسالات السماوية، وفي المقدم منها والخاتم رسالة الإسلام العظيم، إلا انه في سياق حضور النشاط الفاعل، في مقابلة التواكل، ومع حضور الديباجات اللادينية الوثنية غير العلمية، والتي لا علاقة لها بغيب ديني حقيقي، لان الغيب يختص به الله عز وجل، في سبيل خدمة نشاط استعماري لا أخلاقي، في مقابلة تبريرات وتحريرات مشيحانية، يراد تلبيسها للإسلام ظلما وإجحافا، لأجل تحقيق منجزات هوائية ووهمية، فان الغلبة ستكون - بلا شك- للفريق الغربي الاستعماري ودولته الوظيفية إسرائيل. كل ذلك ما لم نعمل على تطهير معتقدات الإيمان والتصور لدينا، ومن ثم العمل على تطوير مسالة النظر والاجتهاد في التفكير المعرفي والثقافي الممارسي الإسلامي، والنظر في إطار ذلك إلى مسالة التطور، ومن قبل ذلك البناء للبنى الإنسانية للإنسان الفلسطيني السليم؛ في نواحيه التكوينية والتراكمية عقلا ونفسا وإبداعا، باتجاه السير نحو النضال والمقاومة بكافة أشكالها، ودون تعارض بينها لانجاز هدف التحرير، وتقرير المصير للشعب الفلسطيني، وعموم شعوب المنطقة العربية والإسلامية، بل وباتجاه عالم إنساني أكثر عدالة ورحمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا: انقسام الجمهوريون وأمل تبعثه الجبهة الشعبية الجديدة


.. هل تتجه فرنسا نحو المجهول بعد قرار ماكرون حل البرلمان وإجراء




.. حزب الله.. كيف أصبح العدو الأكثر شراسة لإسرائيل منذ عام 1973


.. ترامب ينتقد زيلينسكي ويصفه -بأفضل رجل مبيعات-| #أميركا_اليوم




.. تصادم قطارين في الهند يودي بالعشرات